السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

فرج فودة.. رسالة أرقت صاحبها حتى النهاية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رفض المفكر الراحل فرج فودة طريقة التيارات الإسلامية في تجهيل الناس، مشيرًا إلى أن أحد أقطاب تلك التيارات بعد زيارة له للسودان الشقيق صرح بأن السودان يعاني فقرا شديدا ومشكلات اقتصادية صعبة وأن ذلك راجع إلى ابتعاده عن الله وعن شرعه في فترة سابقة وأن الأمل في تطبيق الشريعة يمكن أن يبدل فقرهم غنى وعسرهم يسر.
كان فوده قد انتقد تلك الطريقة التي يتعامل بها الإسلاميون من حيث إيهام الناس أن العدل والخير والرخاء سوف يعم البلاد بمجرد تطبيق الشريعة، والآن بعد مرور عقود طويلة على آراء فوده فإن الحركات الإسلامية التي وصلت للسلطة في السودان قد ثار عليها الشعب وأسقطها، ولا يزال السودان يعيش الفقر والضنك والمشكلات الاقتصادية،فلم تحقق لهم تلك التيارات أي رخاء مما وعدتْ به.
اليوم وبعد أن بثت وزارة الثقافة مناظرة المفكر الراحل فرج فودة مع ممثلي تلك التيارات الإسلامية على صفحة معرض القاهرة الدولي للكتاب بفيسبوك، وقناة الوزارة بيوتيوب، حيث تخطى حاجز المشاهدة حتى الآن 71 ألف مشاهدة، فإنه من الملاحظ قوة تأثير أفكار فرج فودة في الشباب الذين سارعوا بتبادل كتبه المتوفرة بصيغة pdf على الشبكة العنكبوتية الإنترنت.
أفكار فودة التي أثبت صحتها الزمن، وتلك التغيرات السريعة والمتلاحقة التي طرأت على مجتمعنا العربي والإسلامي، حيث يعاني الكل من موجة التطرف والإرهاب التي تقوم بها جماعات الإسلام السياسي المتمثلة في الإخوان والجماعات الموالية لها مثل أنصار بيت المقدس وحسم وتنظيم داعش في سوريا والعراق.
تعرض فوده لموجة من الهجوم من أنصار الجماعات الإسلامية المتطرفة وصلت حدتها إلى اغتياله، بينما هو لم يكن يعنيه ذلك، وفق ما كتبه في مقدمة كتابه "قبل السقوط" الذي صدرت طبعته الأولى في العام 1985، حيث قال: "لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق ألا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أصحاب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وقُصاد الحق لا طالبي السلطان".
في العام 1987 وإبان الكشف عن جماعات متطرفة مثل "الناجون من النار" وقبل محاولات اغتيال وزير الداخلية آنذاك كتب فرج فودة كتاب "الإرهاب" مما أثار ضغينتهم ضده.
وخلال كتابه تساءل فودة عن أهمية أبطال مثل طه حسين وعلي عبدالرازق لو عاشوا مثل بقية الناس يأكلون وينامون دون أن يفككوا مقولات تراثية مثل فكرة الخلافة، حيث قال: "إنني أتساءل عن أهمية وقيمة ما يمكن أن يقدمه سعد زغلول لو كان دوره اكتفى بكتابة مذكرة في الأحوال الشخصية وهو الدارس للقانون، ولو اقتصر دور طه حسين على تقييم أدب أبي العلاء أو دور على عبدالرازق على كتابة مذكرات أحكام القضاء الشرعي".
شدد فودة خلال مقالاته ومؤلفاته وحتى مناظرته التي جذبت أنظار الشباب مجددا، إلى أن أبواق التيارات الإسلامية تقوم على الوهم وتهيئة المجتمع من أجل سقوطه في أيديهم، وقد أشار إلى عدد من الملاحظات والأساليب التي تعتمد عليها تلك التيارات.
أولها: فكرة المجتمع المثالي أو المدينة الفاضلة، وهذا أمر لم يتحقق على مدى التاريخ الإنساني كله، وبالتالي على مدى تاريخ الخلافة الإسلامية كله، حتى في أزهى عصوره وأن من يصورون للشباب الغض أن قيام حكم ديني سوف يحول المجتمع كله إلى جنة في الأرض يسودها الحب والطمأنينة ويشعر فيها المواطن بالأمن ويتمتع فيها الحاكم بالأمان ويتخلص فيها الأفراد من سوء القصد وحقد النفوس ونوازع الشر إنما يصورون حلما لا علاقة له بالواقع ولا أساس له من وقائع التاريخ ولا سند له في طبائع البشر.
وثانيها: أنه يوجد فارق كبير بين الإسلام الدين والإسلام الدولة، وأن انتقاد الثاني لا يعني الكفر بالأول أو الخروج عليه وأنك في الثاني سوف نجد كثيرا يقال أو يعترض عليه.
وثالثا: الاعتماد على التعامل مع التاريخ بمنطق التجزئة، الكثير منا الآن يهوى تجزئة الأمر عن قصد، ونهمل فارق القياس عن عمد حتى نتوصل إلى نتائج تتفق مع ما وقر في القلب بأكثر مما تتفق مع المنطق وحكم العقل، ومثال ذلك قصة نوم الخليفة عمر بن الخطاب تحت الشجرة آمنا، وفارق القياس، فدونك المقارنة بين واقع الحياة في الصدر الأول للإسلام وواقع الحياة اليوم.
يلفت فودة إلى تجاهل فارق القياس بين العصور، قائلا: "لا أحد يأخذ في الحسبان تغير أساليب العصر، وأنه يستحيل على الحاكم اليوم أن يسير في الأسواق رافعا الدره أو أن يعلو بها رؤوس معارضيه أو أن يتصنت على البيوت ليعلم أحوال المسلمين أو أن يؤرقه تعثر دابة في جنوب أسوان أو أن يمسح يده في نعله لأنه لا يملك منديلا، كما أن البعض يغفل تمامًا التعداد السكاني أيام الفاروق عمر بن الخطاب والتعداد السكاني الآن.
ويتابع فودة أن رابع الأمور الملاحظة على عمل تلك التيارات، أن أمور السياسية لا يجوز أن تؤخذ بما تؤخذ به الآن من تسطيح وتهوين للأمور وسوء مفرط في الاستدلال، فقد يجوز أن نأخذ ما يصيب الأفراد من خير على أنه ابتلاء وما يأتيهم من شر على انه اختبار، لكن إطلاق تلك الأحكام على أحوال الدول وشئون السياسية خطأ جسيم.
ويضرب فودة لذلك مثلا حين تشفى أحد الدعاة في مصرع رئيس سابق ذاكرًا الاغتيال انتقام إلهي ناسًيا اغتيال الخلفاء الراشدين، فماذا يقول فيه؟ وإذا كانت هزيمتنا في 67 غضبا إلهيا فما القول في نصر إسرائيل هل هو رضاء من الله في المقابل، وتدهور أحوالنا المعيشية في بلادنا سخطا من الله لترك شرعه الصحيح فما القول في ارتفاع مستوى المعيشة في دول الغرب.
خامسها: فصل الدين عن السياسية وأمور الحكم إنما يحقق صالح الدين وصالح السياسة معا على عكس ما يصور لنا أنصار عدم الفصل بينهما ويجدر بي هنا أن أرفض تجاهل الدين كأساس من أسس المجتمع، فالدين مطلوب لأنه أحد أسس تكوين الضمير في المجتمع.
وسادسها: استقراء التاريخ الإسلامي يؤكد على حقيقة أن أئمة الفقه الإسلامي كانوا أكثر من عانى من الحكم السياسي المتسربل بالدين وأبرزهم أبو حنيفة الذي رفض تولى القضاء فسجنه الخليفة المنصور.
يشار إلى أن تلك الانتقادات كانت منذ سنوات طويلة لكنهم بالفعل عندما وصلوا للحكم في مصر العام 2012 على يد الجماعة الأم جماعة الإخوان الإرهابية لم يكن لديهم أي تصورات عن الحكم والسياسية بينما اعتمدوا بشكل كبير على دول لديها ميول استعمارية قديمة كي تحرك لهم الأمور وتدير لهم شئون البلاد على الحقيقة.