الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فى حقبة ما بعد «كورونا».. ما الذى سيحل محل الدولة القومية؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ديسمبر 2019.. تجاوز الاعتماد على الإنترنت نسبة الـ50% من سكان العالم الشركات العابرة تتمتع بسلطات أكثر من الدول القومية من حيث القوة الاقتصادية

بعد انتشار فيروس كورونا بدأ الحديث عن تعاظم دور الدولة وأهميتها مقارنة بالكيانات السياسية الأخرى لأنها هى الوحيدة القادرة على القيام بالكثير من المهام غير قابلة للتفويض مثل الصحة والتعليم والأمن. وفى أثناء ذلك ظهر نقاش واسع طرحه الفيروس حول قوة الدولة وفاعلية دورها فى مواجهة الأزمة، ويقصد بقوة الدولة هنا القدرة على تنفيذ مهامها، مثل توفير السلامة والصحة والتعليم بفاعلية كما ورد فى كتاب فرانسيس فوكوياما «ترتيب وانحدار السياسة» والذى اعتبر فيه أن قوة الدولة بجانب نطاقها- مساحتها وموقعها الجغرافى- هما المتغيران الأساسيان لتقييم الدولة. ويجدر الإشارة إلى أن قوة الدولة ربما تكون أكثر أهمية من النطاق لتحقيق مستويات عالية من التقدم والرفاهة وأفضل مواجهة للأزمات؛ فدول مثل الدنمارك وهولندا مرتفعة القوة بينما أفغانستان ونيجيريا منخفضتا القوة. ولكى تصبح الدولة قوية- وفق التعريف السابق- هى بحاجة إلى عدة مقومات من بينها: بيروقراطية حديثة، سيادة القانون، آليات رقابة فعالة. ويقصد بالبيروقراطية الحديثة أنها تلك التى يتم فيها انتخاب الموظفين الحكوميين وترقيتهم على أساس الجدارة وليس الوساطة.

ومع تفاقم أزمة كورونا وعجز أغلب الدول عن السيطرة عليها ومواجهتها بفاعلية بدأ يظهر اتجاه آخر من الكتابات ينتقد الاتجاه القائل بأن الأزمة ستقوض العولمة وتعزز دور وأهمية الدولة القومية، ومن تلك الكتابات مقال دافيد براى الذى يرى أن وباء كورونا يمكن أن يتسبب فى استبدال الدولة بتنظيمات أخرى، وفيما يلى عرض لأبرز الأفكار التى تناولها فى مقاله.


التحديات العالمية للدولة القومية الوستفالية

قبل أزمة كورونا كانت هناك ثلاثة تحديات فى العالم تتحدى المفهوم الوستفالى للدولة القومية ذات السيادة الكاملة على مواطنيها داخل حدودها، التى تمخضت عن حرب الثلاثين عامًا فى أوروبا حيث تم استبدال الولاءات المتعددة التحتية فى العصور الوسطى مع كتلة وحدوية تحت حكم سيادى. وتمثلت تلك التحديات المتسارعة التى تحدت الفكرة الوستفالية للدولة القومية فى: الإنترنت وزيادة الرقمنة عبر العالم، زيادة التجارة العالمية، التدفق العالمى للسلع، الناس، الأمراض المعدية. ويرى براى أنه فى حقبة كورونا المضطربة يتم تحدى هذه التحديات ومن غير الواضح ما إذا كانت حقبة ما بعد كوروا ستعزز الدولة الوستفالية أم سيؤدى إلى ظهور تنظيمات أخرى جديدة تمامًا.

التحدى الأول: الإنترنت وزيادة الرقمنة عبر القومية. فى ديسمبر ٢٠١٩ تجاوز الاعتماد على الإنترنت نسبة الـ٥٠٪ حيث أصبح أكثر من نصف البشر على الأرض لديهم إمكانية الوصول إليه. إدراك هذه الحقيقة يعنى أن عددًا كبيرًا من البشر لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت، بل إن العديد من البشر لا يمتلكون هواتف محمولة، هذا المعوق يحول دون تحدى الإنترنت لفكرة الدولة القومية الوستفالية التى تعمل الآن على توسيع سيادتها خارج حدودها من خلال عرقلة الوصول إلى مكان وجود حزمة من المعلومات على شبكة الإنترنت للتصدى لتحدى الإنترنت لها.

التحدى الثانى: زيادة التجارة العالمية. أصبحت الشركات عبر القومية الآن تتمتع بالسلطة نفسها، إن لم يكن أكثر، من الدول القومية. ففى منتصف عام ٢٠١٩، بلغ إجمالى القيمة السوقية لخمس شركات (Facebook وApple وAmazon وNetflix وGoogle) نحو ٣.٢ تريليون دولار، وذلك كان أكثر من إجمالى الاقتصاد العالمى لجميع البلدان باستثناء أربعة: الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا فى نفس الفترة.

التحدى الثالث: التدافق العالمى للإنسان والسلع والأمراض المعدية. تسببت الحدود المفتوحة أو المغلقة بفعل العولمة فى عجز الدولة عن السيطرة على الأوبئة على سبيل المثال، وكذلك عن القيام بمهامها بفاعلية. انتقال الأمراض المعدية جعل الحفاظ على الصحة العامة فى دولة معينة غير مقتصر على حدودها الجغرافية. ولتفادى تلك الأمراض مثل فيروس كورونا قامت الدول بإغلاق حدودها تمامًا حتى يمكنها التحكم فى انتقال العدوى إلى البشر.


بدائل الدولة القومية فى حقبة ما بعد كورونا

قبل «COVID-١٩». كانت إدارة البيانات العالمية بالنسبة للشركات عبر الوطنية التى تقدم خدمات رقمية، مجزأة بشكل متزايد بما حد نسبيًا من انتشار الرقمنة فى جميع المجالات. ولكن بعد الوباء يبدو أن الرقمنة هى المستقبل. فالعديد من المنشآت الصناعية التى تتطلب وجودًا فيزيائيًا للعمالة أصبحت تتحمل مسئولية أثناء انتشار الوباء، بما تسبب فى ازدهار الخدمات الرقمية. كما أثبت العالم مقدرته على الانتقال إلى العمل عن بعد من المنزل وتلقى الخدمات فى المنزل بدلًا من التعامل مباشرة مع المنتج، بما يدفع القطاعين العام والخاص نحو تقديم السلع والخدمات الرقمية بشكل متزايد. وهذا يشمل الأتمتة واستخدام الروبوتات لإنتاج السلع المادية. ففى الصين أضحى ٣٧٪ من قطاع التجزئة لديها رقمى.

الاحتمال الآخر هو المجموعات عبر القومية المنظمة على أساس الأيديولوجية أو الهوية المؤسسية لتحل محل الدولة القومية الوستفالية التى تحددها الجغرافيا، ففى عالم ما بعد كورونا ستكون هناك حاجة للتأكد من أن الأفراد غير معدين ولا يشكلون خطرًا على الآخرين وغير معرضين للعدوى أيضًا، وهو ما يحفز إنشاء حلول تكنولوجية مرتبطة بجواز سفر الشخص أو بعمله أو بعض الآليات العالمية الأخرى المشابهة، والتى قد تمكن شخصًا من أن يصبح مقيمًا إلكترونيًا فى إستونيا دون الإقامة الفعلية فيها. فيرى براى أن تحديات ضمان أن الأفراد آمنون فى السفر والسلع آمنة لعبور الحدود قد تجهد نموذج الدولة القومية بما يؤدى إل انهيارها واستبدالها بشئ آخر قائم بدرجة أكبر على الشبكة.

ووضع براى فى ختام مقاله بعض المؤشرات المبكرة التى يجب مراقبتها لمعرفة ما إذا كانت الدولة القومية بالمفهوم الوستفالى ستستمر أما لا، ومعرفة ما سيحل محلها. يتمثل المؤشر الأول فى مدى تعاون أوروبا فى حل الأزمة. المؤشر الثانى هو انهيار إيطاليا، والتى تحتفظ بوحدة هشة ومجزأة يهددها بالفناء فيروس كورونا بما قد يقسمها إلى إمارات كما كانت خلال فترة مكيافيلى وبالتالى سينهار المثل الأعلى الويستفالى للدول القومية- إيطاليا- وقد يحدث فى باقى الدول وفقًا لـ«تأثير الدومينو».

الأمر الثالث هو قدرة الشركات عبر القومية على العودة مرة أخرى للعمل.