الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الناشر أحمد السعيد: "سنواتي في الصين" يروي أيام الحلم والتجربة

الكاتب والمترجم والناشر
الكاتب والمترجم والناشر الدكتور أحمد السعيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُصدر الكاتب والمترجم والناشر الدكتور أحمد السعيد، جزءًا من سيرته الذاتية في كتاب صدر حديثًا باللغتين العربية والصينية هو «سنواتى في الصين». ليروى عشر سنوات أعقبت تخرجه من جامعة الأزهر وحتى وصفه نائب الرئيس الصينى «لى يوان تشاو» في كلمته في افتتاح الدورة الأولى لمهرجان الشباب الآسيوى الأفريقي عام 2016 بأنه «يبذل مجهودًا فائقًا في دعم التبادل الثقافى الصينى العربى، وترجم ونشر بالتعاون مع شركائه الصينيين 640 كتابًا بين الصينية والعربية، وأصبح معروفًا في الصين بـلقب «ماركو بولو العالم العربى». يذكر أن الدكتور أحمد السعيد مترجم وباحث في الشأن الصينى، متخصص في الإثنولوجيا الصينية، وحاصل على جائزة الدولة الصينية للتميز الخاص في مجال الكتاب.
يقول «السعيد» عن نفسه «حلمى أن أكون سفيرًا بحق للتبادلات الثقافية الصينية العربية، وأن أدشن جاهدًا من كل قلبى جسرًا للتبادل الثقافى الصينى العربى». لذا في الفصل الأول من الكتاب «عشر سنوات صينية». يحكى عن تحول حياته من خريج بكلية اللغات والترجمة يقضى أقرانه حياتهم كمترجمين أو مرشدين للأفواج الصينية بعد إنهاء الخدمة العسكرية إلى واحد من صناع جسور العلاقة بين الصين والدول العربية. 
ويضيف «حين وطأت قدماى الصين لأول مرة قبل عشر سنوات لم أتخيل أنى سأكتب كل هذا بعد هذه السنوات العشر. ما حدث باختصار هو توفر العوامل الثلاثة للتغير، زمان مناسب ومكان يحتاج التغير وأشخاص يساعدون عليه». مُشيرًا إلى أن العامل الشخصى في أى تجربة -حسب رأيه- لا يتخطى ٢٥٪ من أسباب نجاحها «ما فعلته مهما كان تسميته أو وصفه يندرج تحت هذه القاعدة، الربع فقط هو مجهودى وثلاثة أرباع موزعة على العوامل الثلاثة، فعندما ذهبت للصين حدث التغير الكبير في الأيديولوجيات بالعالم، الربيع العربى المتعاقب والانحسار الغربى في التأثير، والمد الصينى اقتصاديًا والاحتياج لذراع ثقافية صينية، كلها عوامل تتطلب وجود لبنة بناء ثقافى يزداد حجمًا مع الأيام وبالعمل».
ويؤكد «السعيد» أن الجوائز والتكريمات التى حصل عليها في الصين والدول العربية -وهى كل ما يمكن لأجنبى أن يناله في الصين- كانت لتجربته وليس لشخصه ويقول «أنا على قناعة أن ما فعلته كان يمكن لغيرى فعله، فقط الفرق الوحيد هو أنى أحب ما أقوم به، أو أنى أعشق المنطقة التى دشنتها ومهدتها لنفسى بعيدًا عن تكرار ما يفعله دارسى اللغة بشكل عام».
يُضيف «الآن أصبحت الصين حاضرة ثقافيا في الدول العربية بشكل ملحوظ وأصبحت الثقافة العربية أيضًا لها حضورا متزايد، وهذا له العديد من العوامل التى بالطبع ليست كلها بسبب أحمد السعيد ولا بيت الحكمة، ولكن يمكننى القول إنى كنت من محركى المياه الراكدة في مجرى العلاقات الثقافية العربية الصينية، وبالطبع كان هناك الدعم الكبير على مستوى الدول سواء في مصر أو الصين على السواء. أشعر بامتنان كبير لمصر لأنها منحتنى ما أتفاخر به من تاريخ وحضارة، وأشعر بالامتنان للصين لأنها منحتنى المجال الذى أظهر ما لدى من شغف وطاقة». 
يؤكد الرجل الذى قضى تلك السنوات العشر مترجمًا وكاتبًا ومحاضرًا ومدربًا وناشرًا وخبيرًا وتاجرًا ورجل أعمال وباحثًا وأكاديميًا، أن هذا بسبب العمل وليس الخطط «الخطط الجيدة تنفذ قطعًا، لكنها لن تنفذ سوى بالعمل». هذا ما ينطبق على الدول وليس الأفراد فحسب، فهو كواحد من شهود عملية إحياء «طريق الحرير». يضربها مثالًا لعمل الصين والدول العربية «لكى تنجح مبادرة دولية كبرى بهذا الحجم وتحقق كل أهدافها، يجب أن تعى الصين -وهى الدولة التى طرحت المبادرة- وتعى أيضًا حكومات الدول الواقعة على طول الحزام والطريق أن توفير البيئات المناسبة للمبادرة وتحقيق مبدأ التعاون العادل المتكافئ بها ووضوح الأهداف والمنافع التى تعود على كل طرف منها هو ما سيجعلها تؤتى ثمارها الكاملة وتحقق المرجو منها. 
يلفت الخبير في الشأن الصينى إلى أن حكومة الدولة الأكبر في قارة آسيا تطبق المبدأ الشهير «بدلًا من أن تعطى أحدهم سمكة، علمه كيف يصطاد». لافتًا إلى أن تنفيذ «الحزام والطريق» لم يعمق التبادلات الإنسانية فحسب، بل ساعد على حل مشكلات العمالة ودفع التنمية التجارية، وأقام علاقات تواصل وترابط واعتماد متبادل طويلة المدى؛ وأكد أن مصر بالنسبة للصين أكبر من مجرد دولة تنضم للمبادرة «بل شريك تعاون لا غنى عنه». وأضاف «ساعدت المبادرة مصر على تطوير البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم والتنمية الاقتصادية، وعلى الجانب الآخر فمصر وبخلاف مبادرة الحزام والطريق التى تمثل فيها مركزًا محوريًا، تمثل أهمية كبيرة للصين باعتبارها الدولة الوحيدة التى يمر بها الطريقان البرى والبحرى لطريق الحرير القديم، ووجود قناة السويس كمعبر ملاحى مهم جدا لحركة التجارة الصينية في العالم، والموارد البشرية الضخمة المؤهلة للانخراط في مشاريع دولية عملاقة.
ويشدد «السعيد» على أنه من الضرورى التركيز على المصالح الصينية لدى مصر خارج المصالح الثنائية المباشرة بين البلدين «فالدول العربية ككُل تشغل المرتبة الرابعة عالميًا في مجال التصنيع، كما أصبح هناك إجماع مشترك ما بين الدول العربية على اتخاذ «إعادة التصنيع» سبيلًا للتخلص من صعوبات التنمية. وفى نفس الوقت تمتلك الصين نظامًا صناعيًا متكاملًا، وقد وصلت إلى مستويات رائدة عالميًا في مجالات الفضاء الجوى والقطارات فائقة السرعة وبناء البنية التحتية على نطاق واسع. والدول العربية في حاجة إلى رؤوس الأموال والتكنولوجيا والقُدرات الإنتاجية الصينية الوفيرة، والتى تتناسب تمامًا مع مستويات التنمية الصناعية الحالية فيها.
أما بالنسبة لاحتياجات تنمية الصناعات الثقافية في الدول العربية، وتعزيز التنوع الثقافى، يلفت «السعيد» إلى أن الصين قامت بتوجيه الصناعات الثقافية الفردية نسبيًا إلى طريق التنمية المشتركة للصناعات الثقافية المتعددة، وشجعت المزيد من المؤسسات وبخاصة الفردية منها على الانضمام إلى عملية تحول الصناعات الثقافية «وتجربتى الشخصية خير دليل على ذلك، ومؤخرًا ازداد دعم الجانبين في ظل مبادرة «الحزام والطريق» للصناعات الثقافية بشكل كبير، لتطوير الإبداع والتنمية والتأثير والدلالة الثقافية، وفرت منصة لتبادل التمويل في مجالات الصناعات الثقافية الصينية العربية، كما توفر قوة دافعة هائلة للتنمية المستدامة للصناعات الثقافية.
في الكتاب يتناول «السعيد» مشاهدات واحدة من رحلاته في الصين عن فيلق الإنتاج والتعمير في شينجيانغ، ليكتب فصلًا بعنوان «عسكر ليس بعسكر». يقول: أنا مع فكرة أن يضلع الجيش بمسئولية تنموية في عدم وجود حروب ومخاطر كبرى تستدعى الاستعداد العسكرى المكثف، فجيش أى دولة هو درعها الحامى على الحدود بالسلاح وداخل الحدود بالتعمير والإنتاج، وهذا بالضبط ما فعلته الصين في تجربة فيالق البناء التى تحولت إلى مؤسسات نصف مدنية ونصف عسكرية تساهم في خدمة الوطن عبر تعمير الصحراء وبناء المشروعات وغيرها من المنافع التى تعود على الدولة والمواطن في ذلك.
فيلق شينجيانغ للإنتاج والتعمير الذى تناوله السعيد في رحلته يقع في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الويغور الصينية، وهى منطقة مهمة في البلاد شهدت حكايات من تطور الصين ونقلتها الكبرى خلال الستين عامًا الأخيرة. يحكى «فيلق شينجيانغ هو نموذج للعديد من الجوانب التى نريد كعرب وكأجانب أن نعرفها بأنفسنا عن الصين. الفيلق كما اتضح لى - بعد الزيارات الميدانية والمقابلات والدراسات والقراءات والإقامة التى استمرت كاملة لشهرين وزيارات أخرى متتابعة - يمثل الصين كاملة، يمثل دولة شاسعة المساحة تعج بالسكان الذين تختلف قومياتهم وأديانهم وعاداتهم وتقاليدهم. الفيلق نموذج للتحدى الصينى في إحداث نقلة نوعية كبرى للسكان المحليين. 
تؤكد فصول من الكتاب أن الحوار الثقافى هو «حجر الزاوية لمجتمع المصير المشترك». وأن النشر -وهى مهنة المؤلف- جسرًا من التواصل اللغوى والثقافى. يرى أن ثمة لغات متعددة وثقافات متنوعة حول العالم «وإذا أردنا الالتزام بمبدأ التشاور والتقاسم والبناء المشترك، فعلينا أولًا بكل تأكيد أن نفهم بعضنا، ونحترم ثقافاتنا، ونستوعب الاختلافات الموجودة بينها، فللغة والنصوص أهمية بالغة في الوقت الحاضر، وتعتمد عليهما الدول في الترويج للثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات، وتعد أكثر طريقة مُباشرة في التعرف على دولة ما هى تعلم لغتها، أما أكثر طريقة مُلائمة فهى مُطالعة الكُتب التى تتحدث عنها، واستنادًا إلى ذلك فقد صار بناء جسرى تعلم اللغات وتبادل الترجمة مهمًا بصفة خاصة. يلفت إلى أن عمله في مجال الترجمة والنشر أوضح له كيف تطور اهتمام القارئ العربى بالصين «لم تكن الكتب التى ترجمناها ونشرناها في البداية تلقى رواجًا كبيرًا، أما الآن فقد صار هناك العديد من القُراء العرب الذين يسألوننا من ٢٢ دولة عربية مختلفة عن كُتب معينة يتعرفون من خلالها على الصين». 
أما كمترجم، ذكر «السعيد» في كتابه اسم الأديب لوشون باعتباره مُلهمًا، ووانغ شياوبو لأنه غير منه. يحكى «بدأت تعلم الصينية بجامعة الأزهر بالقاهرة في العام ٢٠٠١، حينها كانت كل علاقتى بالأدب الصينى تتلخص في اسمين، هما لوشون وباجين. الأول كما عرفت حينها هو كاتب المهمشين وطبيب الأرواح، يشبهه النقاد بنموذج طه حسن في مصر، من حيث إنه مجدد الأدب الصينى وصاحب أول قصة صينية قصيرة بالمعنى المتعارف عليه حاليا. والثانى باجين هو شبيه نجيب محفوظ في الصين، وصاحب ثلاثية تتناول حياة المجتمع الصينى تمامًا كأعمال محفوظ».
يُضيف «بعد التوغل قليلًا في عالم اللغة الصينية ازدادت المعرفة بأدب لوشون وزاد الشغف به، وظل حلم الاقتراب من ترجمة لوشون حلمًا يناوشنى على فترات بعد التخرج والانخراط في العمل، فهو لم يؤثر في الأوساط الأدبية في المجتمع الصينى المعاصر فحسب بل في تاريخ المجتمع بأثره. فكلماته ما زالت إلى الآن تظهر في الصحف والمجلات، وخاصة عندما يكون هناك أمر سيئ أو نكبة، فإن الناس يحبون أن يستشهدوا بنظرياته وآرائه للتفكير في الأمر، مثل «أنقذوا الأطفال!». «غاضبًا أتحدى ألف إصبع تمتد نحوى، وراضيا أخدم الأطفال كالثور الوديع». «إذا لم يكن على الأرض طريق، ثم سار الكثير من الناس، فسيشقون طريقًا». وغيرها من الكلمات التى أصبحت ثوابت في كلام الصينيين حتى اليوم، ويستشهد المثقفون بهذه الجمل الشهيرة، وهى في الوقت ذاته تشكل جزءًا مهمًا من نظام المأثورات الصينية.
أما الحديث عن وانغ شياوبو «ليس بالأمر الهين على الرغم من سهولته الظاهرة». حسب وصفه، يُتابع «لعل ذلك يأتى من علاقتى كقارئ لرجل أحبه وأعده أعظم من كتب سردًا ونثرًا وشعرًا بالصينية في العصر الحديث. طالعت أغلب ما كتب ونشر بالصينية، وهو أقرب مَن اقتحم بعشوائيةٍ الدروبَ السرية للنفس البشرية؛ ففضحها بلطف ثم عالجها بعنف، وعاش عمره يكتب للإنسان عن الإنسان؛ ترى صورته فتحسبه صعلوكا يتسكع سكيرا في أزقة بكين، ثم تطالع ما يكتبه فتنمحى تلك الصورة ويحل بدلا منها شكلٌ متخيل لذلك الصعلوك الذى يقطر حكمة. 
وفى سياق أزمة فيروس كورونا، شارك «السعيد» في تقديم المساعدات المصرية للصين واستقبال المساعدات الصينية لمصر. دون في آخر فصول كتابه تلك التجربة. يحكى عنها «أعرف جيدا أن ما فعلته لم يكن ليساعد بشكل فعلى على الأرض خلال الأزمة، لكن على أقل تقدير كان له أثر كبير في التوعية بالأزمة. أما قصة التبرع بالكمامات ونقلها للصين كانت مثيرة وحماسية جدًا، لم يكن البحث عن الكمامات أمرًا سهلًا. كنت أظن في البداية أن شراء الكمامات في مصر سيكون ميسورًا، فلم نكن في مصر قد تعرضنا لأزمة تفشى الوباء في مطلع فبراير؛ لكن ما وجدته أنه بسبب الأعداد الكبيرة للجالية الصينية في مصر، فقد اشتروا كميات كبيرة جدًا من الكمامات الموجودة في مصر بمجرد أن علموا بالأزمة التى عصفت بالصين وأرسلوها للصين».
يُكمل حديثه «في الأول من فبراير ارتفعت أسعار الكمامات في السوق السوداء إلى ٣ أضعاف، والكمامات التى في المستشفيات لا يُسمح ببيعها بالخارج. لم يكن أمامى سوى التوجه إلى موردى المستلزمات الطبية للمستشفيات والتواصل معهم، وكانت الجملة الشائعة حينها: «لن تُصاب مصر بهذا المرض». وأخيرًا وافق المورد على بيعى الكمامات. تمكنت من تدبير ٢٠٠٠ كمامة فقط، حيث فكرت أن الأهم هو إرسال ما جمعته إلى الصين بأقصى سرعة، لكن لم أكن أعلم حينها أن الكثير من العقبات في انتظارى، فتصاريح مرور التبرعات وسداد المصروفات والحصول على موافقات تستغرق مدة طويلة جدا. وأخيرًا، فكرت في التواصل مع صديق سيعود إلى الصين في الثانى من فبراير، واستأذنته أن يحمل معه الكمامات، وفى الصين سيتسلمها منه في بكين مندوبان يقوم كل مندوب بتسليم الكمامات إلى كل من مدينتى يينتشوان وتانغشان. وهكذا، اشتريت الكمامات في ١ فبراير، وبدأت رحلتها لتصل إلى مستقرها بمستشفيات الصين في الثالث من فبراير. وأعتقد أننى لن أنسى هذه التجربة طوال حياتى.