الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حروب وأوبئة واضطرابات.. نوازل تاريخية غيرت شكل الاحتفال بالعيد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهد التاريخ العربي والإسلامي لحظات فارقة وأوقات عصيبة جعلتهم يتعاملون مع مناسكهم وعباداتهم بطرق مختلفة غير التي اعتادوا عليها في الوقت الطبيعي والعادي، حيث صام المسلمون شهر رمضان الكريم تحت وطأة الحر والحروب والجهاد في سبيل الله، ورغم ذلك حققوا انتصارات واسعة سجلت في مفاخرهم التاريخية، لكن إلى جانب الحروب كانت هناك ظروف جديدة عرفت باسم النوازل عند المشرعين والفقهاء مثل فقد الأمن والخوف على النفس وانتشار الفوضى أو حدوث وباء أو مجاعة مما يغير شكل أداء النسك وبالتبعية طرق الاحتفال بالمناسبات السارة، وربما تتشابه مثل هذه اللحظات التاريخية بما يمر به العالم الآن من انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد الذي بات يهدد ملايين البشر على الكرة الأرضية، وفي الوقت الذي يحتفل به العالم الإسلامي بحلول عيد الفطر المبارك.

في السطور التالية "البوابة نيوز" تستعرض بعض المواقف الفارقة التي غيرت شكل الاحتفال بعيد الفطر حيث مرت مصر بمجاعة عرفت بالشدة المستنصرية، وتربص أربعة فقتلوا وزير الخليفة الفاطمي ليلة العيد وأشاعوا الفوضى، وجاء العيد على الفارس الشجاع طارق بن زياد إبان حروبه لغزو بلاد الإسبان، وتثبت لنا الذاكرة التاريخية فتوى للفيلسوف ابن رشد يسقط فيها أحد الفروض لفقد الأمن على النفس.

الوباء والمجاعة
بلغت مدة حكم الخليفة المستنصر بالله الفاطمي قرابة الستين عامًا بعدما وصل للحكم صغيرا بعد وفاة أبيه، وشهدت الفترة الأولى من حكمه رخاء رضى عنه الناس، لكن تشاء الأقدار أن يجف النيل وأن يمتنع عن الفيضان لسبع سنوات متتالية فتحدث مجاعة كبيرة عرفت باسم "الشدة العظمى" أو "الشدة المستنصرية"، وصلت الأمور فيها إلى ذروتها حيث لم يكن للذهب والفضة والثروة أي قيمة وتدنى مستواها أمام لقمة من الخبز أو حفنة من دقيق. 
يروى المقريزي في كتابه "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" أحداث المجاعة التي يؤرخ نهايتها في العام 464 للهجرة النبوية حيث عظم الغلاء بمصر واشتد جوع الناس لقلة الأقوات في الأعمال وكثرة الفساد، وأكل الناس الجيفة والميتات، ووقفوا في الطرقات فقتلوا من ظفروا به؛ وبيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط، وبلغت رواية الماء دينارا، وبيع دار ثمنها تسعمائة دينار بتسعين دينارا اشترى بها دون تليس دقيق. وعم مع الغلاء وباء شديد.
وتروى كتب التاريخ أن الفاطميين كانوا يحبون الاحتفالات الدينية ويبالغون في إظهار ذلك مع العامة وفي جميع الشوارع، حيث يصلي الخليفة ويخطب في الناس ويوزع الهدايا والعطايا ويستقبل المهنئون من العلماء والقادة، لكن الشدة العظمى طالت لمدة سبع سنوات حتى وصل الحال بالخليفة نفسه إلى الجلوس على حصير وتعطيل الدواوين وأرادت النساء الهروب من الأزمة إلى العراق فمتن قبل الخروج من القاهرة، وقد تصدقت إحدى الشريفات كل يوم بقوت المستنصر.

قتل الوزير الأفضل بن أمير الجيوش
في العام 515 للهجرة النبوية وفي ليلة العيد اغتال أربعة من المقاتلين المجهولين الوزير الأفضل بن أمير الجيوش، وقد نقله القائد أبو عبدالله إلى داره وأخفى خبر موته حتى يتسلم الخليفة الآمر بالله مقاليد الحكم، لكن خبر موت الأفضل أثار فوضى كبيرة في أهل المحروسة والجيزة حيث كان الأفضل مسيطرا على الأمور بشدة منفردا بالحكم بعيدا عن خلفاء الفاطمية.
ويروي المقريزي تلك الواقعة فيقول: قتل الأفضل بن أمير الجيوش وعمره سبع وخمسون سنة، وكان سبب ذلك أنه لما كان ليلة عيد الفطر جهز ما جرت العادة بتجهيزه من الدواب والآلات لركوب الخليفة، وجلس بين يديه إلى أن عرضت الطبول على العادة كل سنة والدواب والسلاح؛ ثم عاد وأدى ما يجب من سلام الخليفة فتقدم إلى القائد أبي عبد الله بن فاتك بأن يأمر صاحب السير أن يصف العساكر إلى صوب باب الخوخة. 
ضجر الوزير وتغير خلقه ولا سيما في الصيام لما رأى اجتماع الناس وكثرتهم أبعدهم، فتقدموا ووقفوا عند باب الساحل، فأنفذ أيضا يخرج من أبعدهم، وبقى في عدة يسيرة، وأبعد صبيان السلاح من ورائه؛ فوثب عليه من دكان دقاق بالملاحين أربعة نفر متتابعين كلما اشتغل من حوله واحد خرج غيره؛ فرمى من الفرس إلى الأرض، وضربوه ثمان ضربات. 
وكان القائد بعيدا منه لأخذ رقاع الناس وسماع تظلمهم وتفريق الصدقات على الفقراء بالطريق؛ فلما سمع الضوضاء أسرع إليه ورمى نفسه إلى الأرض عليه، فوجده قد قضى نحبه. 
وحمل على أيدي مقدمي ركابه والقائد رجل، وهم يبشرون الناس بالسلامة. وقتل من الذين خرجوا عليه ثلاثة وقطعوا وأحرقوا، وسلم الرابع، وكان اسمه سالمًا، ولم يعلم به إلا لما ظفر به مع غيره بعد مدة.
ولم يزل الأفضل محمولا ولا يمكن أحد من الوصول إليه إلى أن دخل به على مرتبته التي كان يجلس عليها أو يمطى. وقال القائد للخليفة أدركني وتسلم ملكك لئلا أغلب عليه. 
وصار أي من لقيه يهنئه بسلامة الوزير ويوهم أهله أن الطبيب عنده، ويأمرهم بتهيئة الفراريج والفواكه، وعاد إلى قاعة الجلوس فوجدها قد غصت بالناس، فرد عليهم السلام وهنأهم، وأظهر قوة عزم؛ ثم عاد إلى القاعة الكبيرة وقد حضر إليه متولى المائدة الأفضلية واستأذنه على السماط المختص بالعيد فقال له اذبح ووسع، فالوزير بكل نعمة وهو الذي يجلس على السماط في غد؛ ومع ذلك فكان في قلق وخوف شديد من أن يبلغ أولاد الأفضل فيجري عنهم ما لا يستدرك.
لكن لما تم الكشف عن خبر موته توجه الناس وقرعوا الباب. فلما شاهدت النساء تحققوا الوفاة، وقام الصراخ من جميع جوانب المواضع؛ وكانت ساعة أزعجت كل من بمصر والجيزة والجزيرة.
الحروب وفتح بلاد الأندلس
ومن تلك الوقائع الكبيرة التي توافقت مع احتفال المسلمين بعيد الفطر هو فتح القائد العسكري المغربي طارق بن زياد لشمال إسبانيا وهي ما عرفت بعد ذلك بالاسم العربي "الأندلس" حيث عبرت إليها مجموعة من القبائل العربية التي وطدت الوجود العربي هناك وساهمت في تكون حضارة وثقافة عربية خاصة مازالت آثارها باقية حتى اليوم. 
دارت رحى معارك طارق بن زياد في شهر 19 رمضان من عام 92 هـ ليمهد بذلك انتصاراته القادمة في السيطرة على الأندلس، واشتدت المعارك في 28 رمضان حيث وقعت معركة "وادي لكة" ليجيء العيد على القائد مزهوا بانتصاراته المتوالية والتي نالت إعجاب موسى بن نصير والخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك.
عبر طارق بن زياد البحر قادمًا من المغرب العربي إلى شبه الجزيرة الإيبيرية في أكبر معارك شهدها العرب للعبور إلى بلاد الفرنجة وبسط نفوذهم في الآفاق، وصل إلى البر فأمر جنده بإحراق السفن، بهدف تشجيع الجند على الاستبسال في القتال، ثم وقف في الجند خطيبًا قائلا بعدما حمد الله وأثنى عليه: «أيها الناس، أين المَفَرُّ؟ البحرُ من ورائكم، والعدوُّ أمامَكم وليس لكم واللَّهِ إلا الصدقُ والصَبْرُ. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أَضْيَعُ من الأيتام في مَأْدُبَةِ اللِّئام، وقد اسْتَقْبَلَكم عدوّكم بِجَيْشِهِ وأَسْلِحَتِهِ، وأَقْواتُه موفورةٌ، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سيوفُكم ولا أقواتَ إلا ما تَسْتَخْلِصُونَه من أيدِى عدوِّكم، وإِن امْتَدِّتْ بكم الأيامُ على افتقارِكم ولم تُنْجِزوا لكم أمرًا ذهبتْ رِيحُكم، وتَعَوّضَتِ القلوبُ من رُعْبِها منكم الجَرَاءَةَ عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خُذْلانَ هذه العاقبة من أمركم بِمُنَاجَزَةِ هذا الطاغية».
استطاع القائد العسكري ابن زياد أن يشن عدة هجمات على إسبانيا ويلحق الهزيمة بآخر ملوك القوطيين لذريق حسب التسمية العربية أو رودريك حسب تسميته في المصادر الأجنبية، كان آخر تلك المعارك موقعة سهل البرباط التى اختفى بعدها لذريق ويقال إنه قُتل.
وتسببت هذه الفتوحات إلى انتقال عدد من القبائل العربية إلى الأندلس لتسهم في توليد جيل جديد من المسلمين الذين صنعوا نهضة أدبية وحضارية ومعمارية في فترة وجيزة.

ضياع الأمن على النفس يلغي الفرض
غيرت النوازل من شكل العيد فبدلا من احتفال الناس به في البيت ووسط الأهل فإن المحارب يحتفل به على جبهة القتال، وتضيع الفرحة به بين أولئك الذين يعدمون العيش في أمان وسكينة، أما البلاد التي تعاني خطر انتشار الوباء فإن التباعد الاجتماعي كما ينصح الأطباء والمختصون سوف يفرض شكلا جديدا وهو ما عرف في الفقه الإسلامي بالنوازل.
يشبه ذلك ما أورده الباحث في التاريخ الدكتور عادل يحيي عبد المنعم، في كتابه "النقد الاجتماعي عند المؤرخين والكتاب الأندلسيين من القرن الثالث حتى التاسع هجريًا" الصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، حيث فتوى الفيلسوف ابن رشد التي تقضي بإسقاط فريضة الحج أيام اضطرابات شهدتها بلاد الأندلس.
وتقول الفتوى، إن الأمير على بن يوسف بن تاشفين وجه سؤالا لأبي الوليد ابن رشد عن فريضة الحج وسط أزمة اضطرابات تشهدها بلاد الأندلس: فهل فريضة الحج أفضل لأهل الأندلس أم الجهاد؟.
فجاء رد ابن رشد قائلا: وفرض الحج ساقط على أهل الأندلس في وقتنا لعدم الاستطاعة التي جعلها الله شرطا في الوجوب، لأن الاستطاعة القدرة على الوصول مع الأمن على النفس والمال، وذلك معدوم في هذا الزمان.
وهذه فتوى نقلها مؤلف كتاب "النقد الاجتماعي عند المؤرخين والكتاب الأندلسيين" عن "نوازل ابن رشد" التي نشرها المحقق الراحل إحسان عباس في العام 1969م.