الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خواطر حول تطوير التعليم من منظور نقدي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمثل الاتجاه النقدى فى التربية إطارًا يتم من خلاله نقد النظام الاجتماعى القائم، والكشف عن سلبياته، سعيًا للوصول إلى نظام اجتماعى أكثر مثالية تختفى منه السلبيات وتسود فيه الإيجابيات، وتعود أصول الاتجاه النقدى إلى مدرسة فرانكفورت النقدية، وتتضح أهدافه من خلال كتاب ماكس هوركهايمر، الذى صدر فى عام 1947، تحت عنوان: «النظريَّة النقديَّة والنظرية التقليدية»؛ حيث يجملها هذا الكتاب فى جانبين هما: الوعى الذاتى، والنقد الاجتماعى الساعى إلى التغيير والتحرر من خلال التنوير. 
ويهتم الاتجاه النقدى فى التربية ليس فقط بالكيفيَّة التى تسير عليها أمور النظام التعليمى فى الواقع الميدانى، وإنما أيضًا بالكيفيَّة التى يمكن أن تصبح عليها أمور هذا النظام، كما أنه يسعى للكشف عن الاهتمامات الحقيقية لكل أطراف العملية التعليمية والعمل على استثمارها، كما يؤكد أهمية التوسع فى التعليم ورفع كفاءته، بحيث يقدم نوعًا من المعرفة للطلاب تعمل ليس فقط، على تحسين مواقعهم فى سوق العمل؛ بل معرفة تساعدهم على إدراك الكيفية التى تعمل بها الأشياء، ومن ثم تمكينهم من المشاركة فى صنع القرارات التى تؤثر فى حياتهم وتجابه أى أفكار سلطوية تقهرهم.
والتعليم من المنظور النقدى لم يعد الشىء الوحيد، الذى يحدد مستوى الوظيفة والمكانة الاجتماعية والاقتصادية، مثلما كان فى فترات زمنية سابقة، ولكن ظهرت عوامل أخرى أو أعيد إنتاجها، وأصبحت فى غاية الأهمية منها الجنس واللون والمستوى الاقتصادى والاجتماعى وسمات الشخصية؛ بدليل أن الخلفية الاجتماعية الاقتصادية للطفل صارت تؤثِّر فى معظم الأحيان فى مستواه الاقتصادى والاجتماعى فى الكبر حتى وإن لم يكمل تعليمه، كما أن التعليم لم يؤدِّ فى معظم مناطق العالم إلى إزالة فقر أطفال العمال والأقليات.
وفى هذا السياق نجد أن التعليم فى القرن العشرين كان يمثل أداة ووسيلة للديناميكية والحراك الاجتماعى والاقتصادى للأفراد والجماعات؛ حيث إن كثيرًا من أبناء الطبقات الفقيرة الذين استفادوا من مجانية التعليم قد تحسن وضعهم الاجتماعى والاقتصادى، لكن الأمور الآن قد اختلفت إلى حد كبير فى معظم دول العالم، وأصبح التعليم إلى حدٍ ما يمثل وسيلة للثبات والجمود الاجتماعى وانتقال اللامساواة من الآباء للأبناء عن طريق توفير أو توريث فرص لأبناء الطبقات العليا والمتوسطة، غالبًا ما لا يستطيع أبناء الطبقات الدنيا الوصول إليها.
ولا شك أن التعليم والمعلمين يلعبون دورًا مركزيًّا فى إعادة الإنتاج الاجتماعى وترسيخ الطبقية من خلال قدرتهم على عقلنة ما لا يقبله العقل فى كثير من الأحيان، وإقناع الناس للرضا ببنية القوَّة فى مجتمعاتهم من غير اعتراض، وهذا هو الجانب الاستعمارى فى التعليم، وهو ما يؤكده قول باولو فريرى: «التعليم عملية سياسية كما أن السياسة عملية تربويَّة»، وكذا مقولته: «ليس هناك تعليم محايد فهو إما للقهر أو للتحرير».
وفى هذا السياق، يجب أن ننتبه إلى أن تبعية بعض الدول للقوى التى تمتلك رأس المال وأدوات الإنتاج تنعكس سلبًا على التعليم؛ الذى يعزز بدوره هذه التبعية؛ حيث إن التعليم فى الدول الرأسمالية يدور حول حرية البحث والإبداع والوصول إلى المعارف الإنتاجيَّة؛ بينما يدور التعليم فى الدول التابعة حول المعرفة الاستهلاكية بدعم وتعزيز، بل وإصرار مباشر أو غير مباشر فى غالب الأحيان من القوى الرأسمالية المؤثرة والمستفيدة من هذا الوضع اقتصاديًا وثقافيًا وعسكريًا. 
ويتجلى ذلك بوضوح فى تلك الدول التابعة فيما يُطلق عليه «التعليم البنكى» الذى ينحصر دور الطالب فيه فى الحفظ والتذكر، ودور المعلم فى تلقين الطالب وتحفيظه للمعلومات، وهو ما يعرف بعملية «الإيداع البنكى» أى إيداع المعلومات فى رأس التلميذ حتى يأتى يوم الاختبار فيقوم باسترجاعها وكبها فى ورقة الامتحان، الذى غالبًا ما يعتمد فقط على قياس قدرته على الحفظ واسترجاع المعلومات.
وفى ظل هذا الوضع لا يكون دور النظام التعليمى فى أى مجتمع حياديًّا، حيث إن معالجته لمعظم القضايا تكون معالجة سياسيَّة اجتماعيَّة فى المقام الأول بما يخدم النظام السياسى والاجتماعى سواءً الوطنى الذى يسعى إلى تحرير أفراده وجماعاته بما يمكنهم من المشاركة فى صنع القرارات التى تمس حياتهم ومجتمعاتهم، أو الاستعمارى الذى يحاول بشتى الطرق التحكم فى أى نظام تعليمى من خلال خبرائه وشركاته وأدواته، ومن ثم توجيه بوصلته بما يخدم مصالحه الثقافية والاقتصادية والعسكرية.
* وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى السابق