الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العلمانية وإدراك الحقيقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أكثر من مائة عام نادى كبار الأئمة أمثال جمال الدين الأفغانى ورفاعة الطهطاوى والشيخ محمد عبده بضرورة فصل الدين عن الدولة، بحجة أنه لايجب أن يتدخل الدين السامى فى السياسة، أو تتدخل السياسة فى الدين، حتى لا يفسد أحدهما الآخر، أى لا بد من الفصل بين السلطة الروحية (الدينية) عن السلطة المدنية، حتى تستقيم الحياة، خاصة أن الدين يدخل فى دائرة المطلق، بينما السياسة فهى نسبية بطبيعتها، تعتمد على مبدأ الأخذ والعطاء.
ومن هنا باتت قضية فصل الدين عن الدولة، والاتجاه نحو العلمانية يمثلان ضرورة حياتية الآن، والمفترض أن الدين لله والوطن للجميع كما قالها الزعيم سعد زغلول، والأهم أن الدين لا يأخذ شيئا من ارتباطه بالدولة أو السياسة، بل يخسر الكثير، لأنه يتحول من علاقة مبرأة من الغرض بين الإنسان وربه إلى إذعان يفرضه الخوف والطمع، ولا يستفيد منه إلا الطغاة.
ففى أوروبا على سبيل المثال كان رجال الكنيسة يتدخلون ف شئون الحكم، وكان الحكام يتدخلون فى
شئون الكنيسة، والنتيجة كانت فساد الدنيا وفساد الدين معا، العقل معطل، والحياة بائسة، والحكم طغيان، وهذا الجحيم لم تخرج منه أوروبا إل بالعلمانية من ناحية، وبالديمقراطية من ناحية أخرى، فالعلمانية ليست الكفر والإلحاد كما يدعى البعض، وإنما هى بكل ببساطة فصل الدين عن الدولة، والديمقراطية بأن يصبح من حق الشعب أن يختار حكومته، ويعارضها، ويغيرها مثلما يحدث فى كل بلاد العالم الديمقراطية التى لم تتحرر ولم تتقدم إلا عندما فصلت الدين عن السياسة، وجعلت الشعب مصدر كل السلطات، أى المشاركة فى الوطن لا فى العقيدة، وأقرت حرية التفكير والتعبير والاعتقاد، فاستيقظ العقل، وإزدهر العلم والفن والثقافة، وتضاعفت الثروات، وخرجت أوروبا من عصور الظلام.
المشكلة الواضحة للعيان أن الدولة الدينية فى التاريخ كله لا تهتم إلا بتكفير المعارضين، وتفتيت وحدة الأمة، وإثارة الفتن الطائفية وتمزيق النسيج الوطنى الواحد، والحل الحتمى الذى لا مفر منه يتمثل فى العلمانية كما يرى العلماء، وتعريفها وفقا لدائرة المعارف البريطانية إنها «حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشئون الدنيوية بدلًا من الاهتمام بالشئون الأخروية، وهى تعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التى سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلًا من إفراط الإهتمام بالعزوف عن شئون الحياة والتأمل فى الغيبيات، وقد كانت الإنجازات الثقافية والبشرية المختلفة فى عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها".
والعلمانية بعيدة كل البعد عن تهم الإلحاد والكفر التى يحاول أن يلصقها بها أعداء الحياة ودعاة التخلف، وحسب الموسوعة أيضا هى «فصل الدين عن الدولة والحكم، وتعنى اصطلاحًا فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية، وقد تعنى أيضًا عدم قيام أى سلطة بإجبار أحد على إعتناق وتبنى معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية، وأن الأنشطة البشرية والقرارات وخصوصًا السياسية منها يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المؤسسات الدينية".
المؤكد أن صحيح الإسلام يأبى أن تنشغل منابره العظيمة بالقضايا السياسية والخلافات الحياتية التى تعتمد على تعدد الآراء وتنوعها، فالمساجد لله عز وجل وحده، لا يحق لأحد أن يدعو فيها لسواه، كما أن الدين لا ينبغى أن يكون مدعاة لخلاف وإن صح فيه الاجتهاد، كذلك لا يجوز توظيف الدين لخدمة السياسة لأن ثوابت الدين واضحة ومحددة وثابتة، أما السياسة فيحكمها المصالح والرغبات والأهواء والأطماع أيضا.
فصل الدين عن الدولة قضية أمست من أهم القضايا، لأن الدولة لا بد أن تكون محايدة إزاء الدين، خاصة وأن الدولة الدينية حتى ولو كانت دولة إسلامية، سوف تكون تابعة لمذهب بعينه، ومن ثم سوف تضطهد باقى الأديان والمذاهب والملل، لذا جاء الإهتمام بالدولة العلمانية، لأنها دولة ديمقراطية محايدة تمنح الحرية لجميع الفصائل بما فيها الفصائل الدينية فى ممارسة شعائرهم، كما قال الفيلسوف الإنجليزى جون لوك «يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أيا منهما فى شئون الآخر، هكذا يكون العصر هو عصر العقل، ولأول مرة فى التاريخ البشرى سيكون الناس أحرارًا، وبالتالى قادرين على إدراك الحقيقة".