الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

خطة التعايش مع "كورونا".. الحكومة تعلن البديل لعودة الخدمات ووقف النزيف الاقتصادي.. وخبراء يطالبون الصحة بحملات توعية ويحذرون من كارثة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تتجه الحكومة خلال الأسابيع المقبلة إلى عودة الأنشطة الاقتصادية للعمل، واستئناف جميع الخدمات الحكومية من جديد، بعدما أعلنت عن «خطة للتعايش» مع فيروس كورونا، تضمن تحقيق التوازن بين دوران عجلة الإنتاج لتقليل الخسائر الاقتصادية، والحفاظ على صحة المواطنين، والعودة إلى الحياة الطبيعية بشكل كامل مع الالتزام بكل الإجراءات الاحترازية.


تأثير تداعيات كورونا على الاقتصاد كانت واضحة، فوفقًا لتصريحات وزير المالية، بداية الشهر الجاري، فإن إيرادات الدولة فقدت نحو ٧٥ مليار جنيه خلال الفترة الماضية، في المُقابل أنفقت الحكومة نحو ٤٠ مليارا من حزمة الـ ١٠٠ مليار جنيه التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسي منتصف مارس الماضي، كما أنه من المتوقع أن تشهد نهاية العام المالى الحالي، انخفاضًا في الفائض الأولى المتوقع من ٢٪ إلى ١.٥٪ من الناتج المحلي، وزيادة العجز الكلى من ٧.٢٪ إلى ٧.٩٪، إلى جانب توقع وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلى إلى ٨٥٪.

وكشفت وزارة الصحة، قبل عدة أيام، عن خطة التعايش مع كورونا، التى انقسمت إلى ٣ مراحل، الأولى منها «مرحلة الإجراءات المشددة». تبدأ فور الإعلان عن بدء تطبيق الخطة، وتستمر حتى حدوث تناقص في إجمالى الحالات الجديدة المكتشفة في أسبوعين متتاليين، يكون فيها ارتداء الكمامة إلزاميًا عند الخروج من المنزل، والفرز البصرى والشفوى وقياس الحرارة لجميع الأشخاص قبل دخولهم المنشآت والمترو والقطارات، مع إلزام أصحاب الأعمال بوضع وسائل تطهير الأيدى على أبوابها، والحفاظ على كثافة منخفضة داخل المنشآت والمحال التجارية. أما المرحلة الثانية «الإجراءات المتوسطة». فتبدأ فور انتهاء المرحلة الأولى، وتستمر لمدة ٢٨ يومًا بنفس الملامح العامة السابقة.

وفى نهاية أبريل الماضي، اتخذ مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عدة قرارات بتخفيف بعض الإجراءات التى اتخذتها الدولة للحد من انتشار كورونا خلال شهر رمضان، وعلى رأسها؛ تقليص عدد ساعات الحظر لتبدأ في التاسعة بدلًا من الثامنة مساءً، والسماح للمراكز التجارية والمحال بفتح أبوابها خلال عطلة نهاية الأسبوع، مع الالتزام بالإغلاق في الخامسة مساء كل يوم، مؤكدًا أن الحكومة تستهدف أن تكون فترة ما بعد عيد الفطر فرصة لإعادة الحياة تدريجيًا.

وأضاف مدبولي، أنه اعتبارًا من ٣٠ مايو سيبدأ السماح بفتح المحال والمولات التجارية على مدى الأسبوع، على أن يبدأ حظر حركة المواطنين بدءًا من الساعة ٨ مساءً وحتى السادسة صباحًا لمدة أسبوعين، مُشيرًا إلى العودة التدريجية في كل قطاعات الدولة اعتبارًا من منتصف يونيو المقبل، على أن تتم العودة في بعض الأنشطة مثل؛ الأنشطة الرياضية وفتح بعض النوادى ومراكز الشباب والسماح للمطاعم بأن تفتح أبوابها أمام الجمهور، ولكن مع التشديد على الالتزام بتطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية، وفق اشتراطات وضوابط محددة.


طوق نجاة الاقتصاد من بئر الخسائر

أكد خبراء الاقتصاد أن خطة التعايش مع كورونا طوق نجاة الاقتصاد، لتقليل خسائر القطاعات، ودوران عجلة الإنتاج، وتحسين المؤشرات الاقتصادية، خاصة أن تداعيات كورونا ألحقت ضررًا بالغًا بمصادر العملة الأجنبية، كالسياحة، وتسببت في تراجع تحويلات المصريين في الخارج، إضافة لتأثر عمليات الاستيراد والتصدير بالأزمة، وانخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة تراجع حركة التجارة العالمية، فضلًا عن فقد ما يزيد على ٧ مليارات دولار من الاحتياطى الأجنبي.

في البداية، يقول الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن خطة التعايش مع كورونا تُعد محاولة لتقليل حجم الخسائر التى يتعرض لها الاقتصاد من خلال التوازن بين دوران عجلة الإنتاج والحفاظ على صحة المواطنين، وأن تطبيق الدولة لخطة التعايش في القريب العاجل لا يهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية بقدر استهداف تقليل الخسائر الاقتصادية نتيجة تداعيات الفيروس.

ويشير «الإدريسي» إلى أن الخدمات الحكومية التى تستهدف الدولة عودتها، لن تعود بنفس شكلها قبل كورونا، ولكن ستكون هناك مجموعة من الإجراءات والضوابط الواجب اتباعها من قبل الجمهور والموظفين على حد سواء للاستفادة من الخدمات، كارتداء الكمامات، وفرض الغرامات، مطالبًا بوجود نص قانونى يلزم المواطنين باتباع هذا الإجراء، ويضمن العقوبة على المخالفين، مُتابعًا: «تطبيق خطة التعايش يساهم في تقليل حجم خسائر الاقتصاد بنسبة ٢٠ و٣٠٪».


ويوضح الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادى ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، إن تطبيق خطة التعايش مع كورونا، بالتوازى مع الالتزام بالإجراءات الوقائية المُعلنة معها، يساعد على دوران عجلة الإنتاج بشكل أفضل، وتحسين المؤشرات الاقتصادية بالتبعية.

ويُتابع: «كل شيء قابل للتحقيق، إذا كانت لدينا رغبة فيه، واتباع الإجراءات الاحترازية بجانب عودة القطاعات الاقتصادية والخدمات الحكومية للعمل يساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية الراهنة، بنسبة ٥٠٪». منوهًا بأن دول العالم بدأت تخطو خطوات ثابتة لعودة الأنشطة الاقتصادية للعمل، بعد كبوة فيروس كورونا، لحين الوصول لمصل للعلاج منه نهائيًا والقضاء عليه.



ويقول الدكتور مصطفى أبوزيد، الخبير الاقتصادي، مدير مركز الدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، إن ما أعلنه مجلس الوزراء، بشأن خطة التعايش مع كورونا خلال الفترة المقبلة، يعتمد بالأساس على درجة الوعى الخاصة بالمواطنين، ومدى التزامهم بالإجراءات الاحترازية التى تم الإعلان عليها خلال الفترة الماضية، ما بين الالتزام بالتباعد الاجتماعي ومواعيد الحظر.

ويُتابع أبوزيد: «خطة التعايش مع كورونا ستكون متوقفة على مسارات انتشار الفيروس على مستوى الجمهورية، والنسب الخاصة بالإصابات ومعدل الوفيات، وتأثير عودة الحياة لطبيعتها على المسار التصاعدى لانتشار الفيروس، لكن في المُقابل أعتقد أن الدولة المصرية بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى وما توافر لديها من قدرة مالية على مواجهة كورونا حتى الآن، لكنها لن تستطيع بعد فترة طويلة أن تستمر في هذا النهج، ولن يكون أمام الحكومة إلا أنها تُخفف من ساعات الحظر، لتمكن مع عودة كل الأنشطة الاقتصادية لتلاشى الآثار الأكثر ضررًا».

من ناحيته رحب الدكتور رضا لاشين، الخبير الاقتصادي، مدير منتدى الدراسات الاقتصادية والسياسية المصرية، بخطة التعايش مع كورونا قائلًا: «تهدف الخطة إلى عودة الحياة الاقتصادية مرة أخرى بعد تعطل الكثير من القطاعات وتوقفها، بالشكل الذى أثر سلبًا على الاقتصاد».

ويُشير الخبير الاقتصادى إلى إمكانية تفادى انتشار فيروس كورونا، بالتزامن مع عودة الأنشطة الاقتصادية مجددًا، من خلال؛ تخصيص أيام مُحددة للعمل لقطاعات اقتصادية وأيام أخرى لقطاعات أخرى، أو العمل على فترات بالنسبة للقطاعات الجماهيرية، على أن تكون بكامل طاقتها من الساعة التاسعة صباحًا وحتى السابعة مساءً، مع الأخذ في الاعتبار كل الاحتياطات الاحترازية.


خبراء الصحة يطالبون بحملة توعية ضخمة

يرى مختصون في الصحة أن عدم الالتزام بتطبيق الإجراءات الوقائية المُصاحبة لخطة التعايش مع كورونا يُعمق من أزمة انتشار الفيروس، وقد يتسبب في حدوث كارثة صحية، ما يتطلب من الحكومة، بالاشتراك مع منظمات المجتمع المدني، ضرورة تبنى حملة توعية ضخمة، لحث المواطنين، وإجبارهم، على الالتزام بتعليمات الصحة، فيما يرى آخرون أن خطة التعايش المُعلن عنها من قبل الحكومة تتنافى مع المسار التصاعدى لإصابات كورونا.

في البداية أبدى الدكتور محمد عز العرب، مؤسس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد، ومستشار مركز الحق في الدواء، اعتراضه على مُسمى «التعايش مع كورونا» قائلًا: «من الأفضل أن نُطلق عليها؛ خطة الحماية أثناء الفتح التدريجى للأنشطة». موضحًا أن الخطة جيدة حيث تستهدف المرحلة الأولى تخفيض أعداد الإصابات بالفيروس، وحينها تبدأ المرحلة الثانية وتستمر ٢٨ يومًا مع الاستمرار في بعض الإجراءات الاحترازية المُشددة، وصولًا بالمرحلة الثالثة.

ويشير استشارى الكبد إلى المطالبات المتكررة بضرورة استغلال الفترة الأخيرة من شهر رمضان لفرض حظر كلى قبل البدء في تنفيذ خطة الفتح التدريجى للأنشطة، موضحًا: «كان من الضرورى أن تستجيب الحكومة لمطالبات منظمات المجتمع المدنى ونقابة الأطباء بفرض حظر كلى لمدة ١٤ يوميًا الذى كان من شأنه تقليل عدد الإصابات بكورونا خلال فترة حضانة الفيروس، وهى خطوة تأخرنا في تنفيذها بالفعل مُنذ مراحل بدايات اكتشاف الإصابات بالوباء».

ويضيف: «تجارب الحظر الكلى في دول، كالصين وكوريا الجنوبية والأردن، نجحت في تقليص عدد الإصابات الجديدة بالفيروس، ومحاصرة الوباء، ومراقبة المخالطين، وكان من الضرورى تنفيذ هذه الخطوة في مصر في آخر أسبوعين من شهر رمضان، باعتبار أن الأنشطة والأعمال الخاصة والعام خلال تلك الفترة تكون أقل من أى وقت آخر في العام، ما لا يؤثر سلبيًا على الاقتصاد أيضًا، ويساعد الحكومة في تنفيذ خطة الفتح التدريجى للأنشطة لاحقًا».

وطالب عز العرب، بضرورة زيادة المسوحات التشخيصية، وأهمية توفير كل وسائل الحماية للأطقم الطبية، بجانب توفير الماسكات والمستلزمات الطبية للمواطين مجانًا أو بسعر التكلفة، لتشجيع المواطنين على الالتزام بإجراءات الوقاية، خاصة أن مصر لم تصل إلى مرحلة الذروة بإصابات كورونا وفقًا للأرقام المُعلنة حتى الآن، مُضيفًا: «محاور خطة الحكومة لإعادة الفتح التدريجى للأنشطة تقوم على ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، وفرض ضوابط لإعادة العمل في المنشآت، والاهتمام بالفئات الأكثر عرضة للإصابة، لكن نخشى التساهل في تطبيقها».

ويقول الدكتور محمد حسن خليل، استشارى القلب، المنسق العام للجنة الدفاع عن الحق في الصحة، إن تشديد وتخفيف قيود الحظر تخضع لمؤشرات منحنى الإصابات بالفيروس، مُضيفًا: «في حالة انخفاض أعداد الإصابات والوفيات بكورونا يبدأ اتجاه الحكومات لتخفيف الحظر والإجراءات الاحترازية، وهو ما يحدث حاليًا في دول أوروبا حاليًا، ولكن لا تقوم به أمريكا مثلًا لأن منحنى الإصابات والوفيات فيها ما زال صاعدًا، والأمر لنفسه بالنسبة لمصر، فالمنحنى صاعد». ويوضح خليل: «استمرار ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات في مصر من المفترض أن يدفع الحكومة إلى تشديد الإجراءات الاحترازية وقيود الحظر المفروضة، وليس العكس، وبالتالى فإن فرض حظر كلى لمدة أسبوعين أفضل طريق للحفاظ على صحة المواطنين وعدم الضرر بالأنشطة الاقتصادية لفترة أطول، ففى نهاية الأسبوعين يتم تقييم موقف منحنى إصابات ووفيات الوباء، وبناءً على نتائج هذا التقييم يتم تحديد إذا ما كان ممكنًا تنفيذ خطة التعايش مع كورونا من عدمه».

ويشير استشارى القلب إلى ضرورة توفير الحكومة للمستلزمات الطبية الضرورية في مواجهة انتشار فيروس كورونا، ما يسهل على المواطنين الالتزام بتعليمات وزارة الصحة للحماية من العدوى، بجانب رفع وعى المواطنين بالثقافة الصحية، وأهمية الإجراءات الاحترازية، وخطورة التهاون في تنفيذها الذى يتسبب في مزيد من الإصابات والضحايا، من خلال جميع الوسائل المُمكنة. ونوّه قائلًا: «القطاع الصحى لدينا ضعيف، وعلى الحكومة أن ترفع من معدلات إنفاقها على الصحة الذى وصل إلى ١.٣٪ من الناتج المحلى الإجمالي، مُقارنة بـ٧٪ في دول أخرى».

من ناحيته، يوضح الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء السابق، إن خطط التعايش مع الفيروس التى تتبعها بعض الدول الخارجية تكون «حذرة وطبقًا لمعايير». مُضيفًا: «للأسف درجة الثقافة الصحية والوقائية لدى قطاع كبير من المجتمع ضعيفة، وفتح أبواب التعايش مع الفيروس قد يفتح بابًا لمزيد من الإصابات والوفيات بكورونا، كما أن الأنظمة الصحية في دول العالم التى طبقت التعايش تعطى الأولوية للقطاع الوقائي، بعكس ما يحدث في مصر».

ويؤكد حسين ضرورة تنفيذ وزارة الصحة لحملة توعوية ممنهجة، تُشرك فيها النقابات المهنية ومنظمات المجمتع، بهدف زيادة وعى الثقافة الصحية والوقائية للمواطنين، وذلك في حالة إصرار الحكومة على تنفيذ خطة للتعايش مع كورونا، موضحًا ان «فتح التعايش دون وجود قاعدة من الوعى الصحى لدى الناس قد يتسبب في كارثة حقيقية تتعطل على إثرها القطاعات الاقتصادية والخدمات الحكومية لفترة أطول، وتحقق مزيدًا من الخسائر، لذلك التوعية نقطة أساسية».