الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

شعبيات| حكايات ونوادر مصرية «الجنازة حارة والميت كلب»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تزخر الثقافة الشعبية المصرية بالعديد من العناصر والموروثات الثقافية التي استطاعت الجماعة الشعبية تنقلها من جيل لجيل، والتي تتمثل في العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية، التي تعبر عن التركيبة الثقافية للشعب المصرى، والتي ظلت راسخة في الوجدان الشعبي على مر العصور، وخلال شهر رمضان المبارك، سنحاول تقديم لمحة للقارئ عن أهم العناصر الثقافية التي تميز بها الإنسان المصري عبر العصور، ولا نزال نستخدم بعضها حتى الآن. 

حكايات المصريين مليئة بالأشجان والأفراح، وسير الشجعان، وطرائف الأمثال، وحواديت الجدات والأمهات، سنعود سويًا لتلك الحكايات والروايات، لعلنا نجد في ليالي الماضي دفئًا لليالى البرد والجفاء. 
هل سمعت يومًا بالمثل الشعبي: «الجنازة حارة والميت كلب»، هذا المثل الشعبي كان له حكاية أعجب من العجب، فيحكي أنه في قديم الزمان كانت هناك سيدة لا ولد لها ولا أب ولا صديقة أو حتى زوج يسليها في وحدتها القاتلة. 
وفكرت المرأة كثيرًا حتى اتخذت أحد الكلاب ليكون هذا الكلب هو الونيس والأنيس والجليس، فلم يكن يتركها أبدا وكان معها في أي مكان تذهب إليه، وأحبت المرأة الكلب حبًا كبيرًا، وكان لها بمثابة الصديق الوفي، الذي يقوم بحمايتها ليلًا، وتقضي معه نهارها في ودٍ ووئام. 
حتى جاء يوم من الأيام وداهم الموت صديقها الوفي، وحزنت حزنًا شديدا، وأبت ألا تدفنه هكذا، دون أن يكون وداعه وداعًا مشهودًا، وتقيم له المراسم التي تليق بالإخلاص، والمحبة التي أعطاها لها. 
فقررت أن تقيم له مراسم جنائزية مثله مثل أي إنسان، بل أصرت أن يوارى ويتم دفنه ويترحم عليه الجميع، ويسيرون في جنازته، وأن يتم دفنه في ضريح محترم بداخل المدافن. فقامت بغسل الكلب على حسب القواعد المتبعة في حالة وفاة أي شخص مسلم، ثم قامت بلفه بالكفن وبعثت بإحضار نعش فخم، كأنه أمير، بل وقامت باستئجار نساء نادبات، وراحت تندب وتبكي معهن، على كلبها المرحوم، وعندما انتهين من الندب والبكاء والعويل، وقد أثار صوت العويل حيرة الجيران وجعلهم يتساءلون من الذي توفي لدى جارتهم الوحيدة المنكوبة، ولم يستطعوا معرفة الشخص المتوفى في منزلها، ولم يستطيعوا الدخول لأداء واجب العزاء لأنها كانت طوال حياتها منعزلة وحيدة ولم تعقد معهم أي صداقات، وكان صوت العويل عاليا، ما جعل عددا كبيرا يتجمع حول نعش المتوفى، بل إن ما زاد الأمر تشويقًا هي أنها قامت باستئجار المرتلين ليرأسوا مراسم الجنازة، ويقرأون القرآن، بل إنها استأجرت أطفالًا ليحملون «المصحف الشريف» ويسيرون به أمام النعش، ويتلون ما تيسر من القرآن. 
وانطلق الموكب المهيب للكلب المتوفى، وصارت الجنازة في انتظام تام وضم صاحبة الكلب المتوفى والنساء الباكيات النادبات والتي أتت بهن بأجر، وسار الجميع وراء النعش فشق صراخهن السماء، ولم تكد الجنازة تتقدم بضع خطوات حتى يزداد أعداد الناس في المسيرة، واستمر ذلك لفترة، حتى تجرأت إحدى السيدات فسألت عن المرحوم الذى أقيمت من أجله هذه الجنازة المهيبة، فقالت صاحبة الكلب «إنه ابنى المسكين». فقالت أخرى ولكننا لم نرى لكى أبناء، لم نراكى إلا أنت وكلبك الذى كان يرافقك في كل مكان، ما اضطر السيدة حتى تعترف لجاراتها بالحقيقة وأن الذى توفى هو كلبها المخلص الحارس، وترجتها بألا تفشى سرها، حتى تقوم بدفنه، كما خططت تكريمًا له، ولكن كما نعلم لم تأت الرياح بما تشتهى السفن، وقامت جارتها بإفشاء السر بين الحاضرين جميعًا، حتى تجمعوا وأوقفوا الجنازة، فصبت الناحبات والصبية المستأجرين غضبهم على السيدة، وكانوا على وشك الهجوم عليها، لولا تدخل الشرطة لكانت السيدة ذهبت ضحية للغضب الشعبى العارم، ووقتها أطلق أحدهم المثال القائل «الجنازة حارة والميت كلب».