الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصوم ومقام المراقبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإن الصيام ركن من أركان الإسلام، وهو فريضة محكمة، والصوم ليس مجرد شعيرة عبادية جوفاء خالية من المعاني والمضامين، وإنما هي عبادة مشتملة على جوانب تربوية وخلقية، ومرتبطة بغايات الإسلام ومقاصده الكلية، المؤدية إلى صلاح في العاجل وفلاح في الآجل.
فالصوم كبح جماح النفس، وتهذيبها وتأديبها بالجوع، حتى يتخلص الإنسان من أسر الهوى، والانقياد للشهوات، ويتحقق بالعبودية الخالصة لله ـ تعالى ـ فيصير عبدًا لخالقه، ويصبح هواه تبعًا لما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن ثم يكتمل إيمانه، ويكون الإيمان فيه هيئة نفسية راسخة حاكمة للسلوك؛ ولهذا المعني كان من أعظم غايات الصيام التحقق بتقوى الله ـ تعالى ـ، والخشية منه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾( )
كذلك: يمثل الصوم إحدى التطبيقات العملية لمقام الإحسان؛ لأنه عبادة السر، ليس فيه عمل يشاهد، وهو معاملة للحق ـ تعالى ـ في الخفاء، فالصائم ـ بحق ـ يعبد الله كأنه يراه، وإن لم يكن يراه فهو مؤمن بأن الله يراه، مطلعٌ عليه، ناظرٌ إليه؛ ولهذا اختص الله تعالى بالإثابة عليه فقال في الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به)( ).
ومن غايات الصوم: التحقُّق بمقام المراقبة؛ فالصوم يربي النفس على مراقبة الله ـ تعالى ـ في السرِّ والعلن، ومراقبة الله ـ تعالى ـ تعني: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الله على ظاهره وباطنه، وعلمه بأن الله ـ سبحانه ـ سامع لقوله، ناظر لفعله؛ فالصائم موقن بأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
ويشرح الإمام الغزالي حقيقة المراقبة، فيوضح أنها " ملاحظة الرقيب، وانصراف الهمِّ إليه، وهي حالة للقلب يثمرها نوعٌ من المعرفة، وتثمر تلك الحالة أعمالًا في الجوارح والقلب.
أما الحالة: فهي مراعاة القلب للرقيب، واشتغاله به، والتفاته إليه، وملاحظته إياه، وانصرافه إليه.
وأما المعرفة التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر، عالم بالسرائر، رقيب على أعمال العباد، قائم على كل نفس بما كسبت، وأن سرَّ القلب في حقه مكشوف، كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف، بل أشد من ذلك... والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون، وهم ينقسمون إلى الصديقين، وإلى أصحاب اليمين" ( ).
وللمراقبة ثمرات وفوائد يظهر أثرها وبركتها على الفرد والمجتمع من أهمها:
أ ـ التحقق بالإيمان الكامل، يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ثلاث من فعلهن فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان: مَن عبد الله تعالى وحده بأنه لا إله إلا الله، وأدَّى زكاة ماله طيبة بها نفسه....، وزكى عبدٌ نفسَه، فقال رجلٌ: وما تزكية المرء نفسه؟ قال: يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان(( ).
ب ـ البعد عن المعصية، والمداومة على الطاعات، فمَن راقب الله في خواطره عصمَه الله في جوارحه، وقد جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المراقب لله ـ تعالى ـ ممن يكونون في ظل عرش الرحمن يوم القيامة، يقول النبي الكريم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ومنهم: وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ) ( )
ج ـ أداء العبادات على الوجه الأكمل؛ وذلك لأن العبد يعمل ما كُلف به، وهو يعلم أن عليه الرقيب الحفيظ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
د ـ الأجر الكبير والمغفرة من الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾( )
رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول