الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مسلسل "الاختيار" وأزمة التفكير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تذكرت كتاب الدكتور يوسف إدريس، فقر الفكر وفكر الفقر، الصادر في القاهرة عن دار المستقبل العربى (1985)، وأنا أتابع برامج ومسلسلات التليفزيون في شهر رمضان المبارك. وتوقفت كثيرا عند النظرة الفلسفية العميقة في الكتاب، وبخاصة أزمة التفكير الدينى في المجتمعات الإسلامية.
كتب الدكتور إدريس في مقدمة كتابه «أن الفقر ليس وضعا اقتصاديا فقط، وإنما هو وضع عام، أى أن الأفكار الرديئة هى التى تؤدى إلى مزيد من الفقر. بمعنى أن الفقر لا يصيب الاقتصاد فقط، وإنما يصيب العقول والخيال كذلك. وعليه؛ فإن الفقر في الأفكار يؤدى إلى فقر في الحياة والإنتاج، والفقر في الحياة والإنتاج يؤدى بدوره إلى فقر في التفكير. وهذا الفقر في التفكير هو الأخطر على المجتمعات الإسلامية من التهديد الخارجى. فإذا كان التهديد الخارجى يأتى إلينا ممن هم أكثر منا علما وتقدما، فإن تهديد الداخل هو الأصعب لأنه من الصعب رؤيته وقد تنكر في أشكال من الموجودات والموروثات والمعتقدات الدينية». وهذا بالضبط ما يحاول مسلسل «الاختيار» إلقاء الضوء عليه.
الفكرة الفلسفية من كتاب الدكتور إدريس هى أن فقر أو فساد الأفكار، خاصة الأفكار والمعتقدات الدينية، هو الأخطر على المجتمعات الإسلامية. حيث يلجأ الكثير من الإرهابيين والمتشددين والتكفيريين إلى أفكار ما كان يمكن لها أن تزدهر لو لم تكن هناك أزمة فقر طاحنة. فقر مادى وفقر في التعليم والثقافة والانفتاح على العالم الخارجى. والأخطر أن هذه الأفكار غالبا ما تحمل حلولا متطرفة لمشكلات الحكم. وذكر قول الإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، «لو كان الفقر رجلا لقتلته». أما المتطرفون والتكفيريون، فيقولون: ما دمنا فقراء فلنقتل الرجل.
وفى هذا الزخم الفنى في الشهر الكريم، ومع العديد من البرامج والمسلسلات التى ينطبق عليها قول الدكتور إدريس، فقر الفن (أى الفن الفقير في الهدف والمضمون)، جاء عرض مسلسل «الاختيار»، ليعيد إلى عقولنا الذاكرة ويحيى في نفوسنا التذكرة بتضحيات وبطولات قد عايشناها، ومآسى عمليات إرهابية قد أدمت قلوبنا، وما زالت تفجعنا حتى حادث بئر العبد الأخير. المسلسل يناقش الاختيار بين طريقين في اتجاهين متضادين، من خلال السيرة الذاتية والحياة الأسرية لاثنين من ضباط الصاعقة بالجيش المصرى، أحمد منسى وهشام عشماوى. البطل منسى اختار طريق الوطنية والتضحية والفداء، وقدم روحه الطاهرة وهو يجاهد في الدفاع عن أرض مصر وصون عزة وكرامة أهلها. والإرهابى هشام عشماوى وقع في براثن الجماعات التكفيرية وباع نفسه للشيطان، واختار طريق الإرهاب والقتل وترويع الآمنين من أبناء الشعب المصرى. العمل يحظى بنسبة مشاهدة عالية ومكتوب بطريقة رائعة، ويحتوى على حوارات فلسفية عميقة، ومعارك حربية متقنة، والأهم من ذلك هو صدق الأحداث وتطابقها مع التسلسل التاريخى الذى عايشناه يوما بيوم، وهو ما يعيد إلى الأذهان الأعمال الدرامية الجادة. 
شكرا لكل أبطال هذا العمل الجذاب، وشكرا للمؤلف باهر دويدار، الذى رسم بالكلمات كيف يعيش الشهيد بعد وفاته، وكيف يموت الإرهابى أثناء حياته. شكرا للمخرج بيتر ميمى، الذى جسد الأحداث بحرفية تماثل حرفية يوسف شاهين، وأثبت أن مصر ولًادة، وأن معينها لا ينضب أبدا، وشكرا لإدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية. وأتمنى أن تجسد السينما والدراما المصرية المزيد من الأعمال البطولية والتضحيات الاستثنائية التى قدمها أبطال الجيش المصرى العظيم.