الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

محمد عبدالعزيز حصان.. قارئ العبور

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحل اليوم الثاني من شهر مايو، الذكرى الـ17 على رحيل أستاذ الوقف والابتداء والتلوين النغمي، الشيخ محمد عبد العزيز حصّان.
ولد الشيخ محمد عبد العزيز بسيوني حصّان قارئ المسجد الأحمدي بطنطا، يوم 22 أغسطس عام 1928م في قرية "الفرستق" مركز بسيون بمحافظة الغربية، حفظ القرآن الكريم وهو ابن السابعة ساعده على ذلك تفرغه الكامل لحفظ القرآن الكريم بسبب فقد البصر، بدأت عليه علامات النبوغ والذكاء وهو طفل صغير مما دفع الشيخ على زلط الصديق المخلص لوالده – لأن يشجعه على الذهاب بابنه إلى كتّاب الشيخ عرفه الرشيدي رحمه الله ليحفظه القرآن الكريم. 
توجه به والده إلى القرية المجاورة "قسطا" حيث كتّاب الشيخ عرفه الرشيدي، فكان يتردد عليها كل يوم يقول الشيخ حصّان: "ولأنني كنت غير مبصر لقبني أهالي المنطقة بالشيخ محمد رغم صغر سني فكنت أشعر بالفخر والاعتزاز بالنفس والوقار والرجولة المبكرة، وأنا في الخامسة من عمري، وكنت محبًا للقرآن بطريقة لا حدود لها جعلت الناس ينظرون إليّ نظرة تقدير واحترام، في البيت وفي القرية وفي الكتّاب مما زادني حبًا للقرآن وحفظه، وهنا فطنت إلى أنني لا أساوي شيئًا بدون القرآن الذي به سكون في أعلى عليين وعلى قمة المجد والعز في الدنيا والآخرة.. كل ذلك شجعني وقوى عزيمتي وإرادتي على حفظ كتاب الله في فترة وجيزة قبل أن أكمل سن السابعة. كل ذلك بفضل من الله عز وجل الذي أدين له بالفضل كله والخير كله".
تعلم القراءات السبع وحفظ الشاطبية في مدة لا تزيد على عامين فقط فأصبح عالمًا بأحكام القرآن قبل العاشرة من عمره، يقول الشيخ عن تلك المرحلة: "كنت منطويًا على نفسي وأنا صغير قليل الأصدقاء ومجالسة الناس، لأنني كنت مشغولًا بحفظي للقرآن وتلاوته في سهرة بسيطة إن وجد. وكنت حريصًا على الصلاة في وقتها بالمنزل وأحيانًا بالمسجد. ولأن شيخي كان فخورًا بي كتلميذ له كان يتتبع خطواتي نحو المستقبل فلم ينقطع سؤاله عني وزيارته لي والمراجعة التي هي الأساس المتين للذي يريد أن يتمكن من القرآن وذات يوم قال لي الشيخ عرفه: يا شيخ محمد لي صديق اسمه عبد الرحمن بك رمضان وجّه لي دعوة لحضور حفل ديني سيحضره مشاهير القراء فما رأيك لو حضرت معي هذه السهرة وتقرأ لك عشر حتى يتعرف عليك كبار الموظفين ومشاهير القراء إنها فرصة طيبة فوافقت وذهبت مع الشيخ عرفه وقرأت ما تيسر من القرآن فأعجب بي الحاضرون وخاصة عبد الرحمن بك رمضان لأنه كان مستمعًا متخصصًا وعلى خبرة ودراية كبيرة بفن التلاوة، فقال عبد الرحمن بك ياشيخ عرفه الولد الممتاز الذي قرأ الآن اسمه إيه فقال اسمه محمد عبد العزيز ومن الفرستق قال يا شيخ عرفه اهتم به لأن مستقبله كبير جدًا وستثبت الأيام ذلك، وهو أمانة في عنقك ومرت الأيام بحلوها ومرها وكانت عناية الله تلازمني أينما كنت وتحققت نبوءة الرجل وأصبحت كما قال بفضل لله عز وجل". 
لم يكن يدري الطفل الصغير أنه سيصبح محط أنظار العالم والباحثين والقراء والموسيقيين وأيضًا السميعة لما حباه الله تعالي بحنجرة ذهبية فولاذية قلما تتكرر مما جعله مضربًا للأمثال حتى أن الجميع لقب بـ" أستاذ الوقف والابتداء والتلوين النغمي"، وحرص العديد من الباحثين في مناقشة الرسائل العلمية منها الدكتوراة في الشيخ حصان نظرًا لقدرته الهائلة التي لم يسبق لها مثيل كما قالوا.. فرغم أنه يعد من أقصر القراء في النفس إلا انه كانت تجليات الله تعالي تنهال عليه حتى أنه كان لا يعلم متي سيتوقف أثناء تلاوته وخاصة في جواب الجواب - أعلى طبقة في الصوت - وكأن المولي كان ينزل عليه هذا الإعجاز والإبهار الذي يجعل المستمع مشدوهًا ومذهولًا في نفس الوقت حيث كان الجميع يتفاعل معه دون استثناء بصوته الآخاذ والفريد والنادر.
تقدم لاختبار الإذاعة أمام لجنة القراء في يناير 1964م. ولكن اللجنة أعطته مهلة لمدة 6 شهور عاد بعدها للاختبار وحصل على مرتبة الامتياز في الاختبار الثاني وكان عام 1964م بداية لتاريخه الإذاعي.
عين الشيخ حصّان قارئ للسورة في المسجد الأحمدي بطنطا وذلك بقرار جمهوري من الرئيس السادات في عام 1980 م.
أستاذ الوقف والابتداء والتلوين النغمي
أطلق على الشيخ القاب كثيرة منها: "القارئ الفقيه، قارئ العبور، قارئ النصر، وأستاذ الوقف والابتداء والتلوين النغمي"، وتميز بقوة تهز المشاعر، وشدة إحكام وقفه الذي لا يخل بالمعنى ولا بالإحكام فيعطيك معنى جديدًا وكأنه يفسر القرآن تفسيرًا يتفرد به، ولقد أطلق عليه "القارئ الفقيه" لأنه يبتكر جديدًا في الوقف. 
قارئ العبور
عندما وقعت نكسة 5 يونيو 1967 م كانت أمنيته من الله أن يقرأ فجر اليوم التي تحارب فيه مصر العدو الصهيوني، وشاءت الاقدار أن يعتذر الشيخ "محمود البيجرمي" عن قراءة هذا الفجر لان حماه توفاه الله - رحمهما الله -، وتم الاتصال بالشيخ حصان وكان في إحدى الحفلات يقرأ لاخباره بان الشيخ محمود البيجرمي اعتذر عن القراءة وتم طلبه ليقرأ الفجر مكانه كان ذلك في عصر يوم 6 أكتوبر، ولم يكن يعلم الشيخ حصان حتى ذلك الحين أن مصر قد بدأت حربها على إسرائيل حيث إن وسائل الإعلام لم تكن منتشرة في ذلك الوقت ووافق الشيخ حصان وأصر على القراءة رغم صعوبة السفر والتنقل في تلك الاوقات، وبالفعل توجه الشيخ ليلا إلى المسجد الحسيني بالقاهرة وكان المسجد يكتظ بالمصلين وكان ذلك هو فجر يوم السابع من أكتوبر 1973 م الموافق الحادي عشر من رمضان 1393 هـ، وبدأ يقرأ من اواخر سورة الأحقاف وأوائل سورة محمد حتى ان السيدة صفية المهندس اتصلت بالمسئول عن الوقت لاتاحة المجال أمام القارئ ليقرأ أطول فترة ممكنة وعلى اثر هذا الفجر لقب الشيخ حصان بـ"قارئ النصر" و"قارئ العبور".
موقفه مع الشعراوي
شاءت الأقدار أن يشارك إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي في عزاء بمدينة المنصورة وكان من عادة"الشعراوي" أن يقوم بالسجود عند سماعه لآية من آيات السجدة في القرآن ولما كبر "الشعراوي" ولم يعد يستطيع السجود - وكان الشيخ "حصان" يقرأ في سورة السجدة لذا فقد أرسل للشيخ حصان طالبًا من أن يقرأ آية السجدة في سره لأنه لن يستطيع السجود فاستجاب لطلبه ا وقرأها في سره وأكمل ما بعدها في الميكرفون، قال إمام الدعاة للشيخ حصان في حضور الداعية الشيخ محمد بدر المستشار الديني لمحافظة كفر الشيخ: أراك يا شيخ حصان ممن يعبرون أثناء تلاوتهم تعبيرًا جيدًا حيث تتباكي عند آيات العذاب والوعد والوعيد وعند آيات الفرح تهلل تهليلًا أي "تبشر" ودعا له قائلًا: جعلك الله من المبشرين بالجنة إن شاء الله.
كانت الدعوات تنهال على الشيخ حصان كل عام من أجل السفر إلى دول العالم الإسلامي لإحياء الحفلات والمناسبات الدينية ولكنه كان قليل الاسفار فكان معظم هذه الدعوات يكون الرد عليها بالاعتذار والرفض مما اجبر اذاعة القران الكريم بدولة إيران ان تبعث اليه من يسجل له داخل مصر ولكن رغم ذلك كانت له جولات على المستوى الدولي وخاصة دول الخليج العربي مثل دولة الإمارات المتحدة بدعوة خاصة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والمملكة العربية السعودية التي تعتبر هي الوطن الثاني بعد مصر في قلب الشيخ حصّان لأنه كان يشعر بالحب والأمان بها ولم يشعر هناك بالغربة نظرًا لحسن المعاملة وشدة الإعجاب والتقدير لأهل القرآن ولصاحب مدرسة في فن التلاوة، ويُعد الوحيد من مكفوفي البصر بين القراء في القرن العشرين الذي سافر لإحياء ليالي شهر رمضان المعظم في القرن العشرين بدعوات رسمية وخاصة من معظم دول الخليج العربي.
رحل الشيخ حصان في ليلة يوم الجمعة الموافق 2 مايو عام 2003م وصلى عليه صلاة الجنازة في مسجد السيد أحمد البدوي بطنطا.