الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المسحراتي.. مشاهد احتجزتها ذاكرة الطفولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أذكر فيما أذكر ، بعدما استدعت نقرات طبلة المسحراتى وتصفيق إيقاع الحنين المتناغم لها، وهو يمضى من تحت شرفتي ، ناقرا نقرتين على طبلته مردّداً ”اصحى يانايم وحد الدايم..رمضان كريم“ ، ليستدعى معه أطيافا من عالم الطفولة، انبعثت معها نسائم من عبق مخيلتي، فتذكرت أنني كنت أفتّش عن المسحراتى وأنا طفل صغير ، كما يفتش الليل على النجوم ، لاقتناعي التام بأنه أحد أبناء هذا الشهر الكريم ، والذى كان يسير معه خطوة بخطوة ويستمر معه فى اخر الطريق ، فكم كنتُ أتمنّى حينذاك أن أكون من هؤلاء الاطفال الذين يحظون بمناداة أسمائهم على واقع دقات الطبلة الشعبية التى باتت لازمة له، ليتحولوا حتى اخر الشهر إلى نجوم ومشاهير قى الحي الشعبي.
كان مشهد المسحراتي وابنته الصغيرة، بجلبابها البلدى الفضفاض الذي كانت تغزوه الغرز الفلاحي زاهية الالوان ، وعلى رأسها ذلك المنديل ذي الترتر والخرز والزخارف فلا يستر رأسها كلها ، فدائماً ما كان يتسرب منه بعضاً من خصلات شعرها الذهبية التى كانَت أشبهُ بشلالِ الشّمس ، بعد ان يفَرَغوا من مهمتهم المقدسة التي لا يتوانون عنها ليلة واحدة فى إيقاظ النّاس للسّحور ، ثم يمضون فى جوف الليل مؤرقين بأسئلة النهار ، يثير شجوني دوماً ، فأجدني أغوص إلى أعماق روحي ، أتلمس تفاصيل ذكريات عابرة.
ومع بدء العد التنازلي ، لتوديع الضيف الكريم ، الذي تعلقت به قلوب المحبين ، وهفت إليه أفئدة الورعين ، وقد مضت أيامهُ الساهرة العامرة في استعجال ، واستبدلت نفحاتة ونسماتة بروائح كحك العيد ، يطوف ”المسحراتي“ متشحا بغيمة حزن عميق ، يجوب الحارات والأزقة رافعاً نداءه ، بقولٍ مع السلامة مع دقاته على الطلبة فتنهال عليه ابواب البيوت بالعطايا وتهرع إليه الاولاد بالكعك والبسكويت.