الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا بطرس فهيم يكتب "كورونا وما بعدها"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن وباء كورونا (كوفيد 19) الذي بدأ ينتشر مع بدايات هذا العام 2020، وفي خلال أشهر قلائل لا تتجاوز الأربعة، استطاع أن ينشر الخوف والرعب في كل بلاد العالم تقريبا. فكشف عن كثير من نقاط الضعف، وفي مجالات كثيرة، مما كنا نظن فيه أن العالم صار سيدا لذاته، واقوى من أن يهزه فيروس مثل هذا. وهذا يستدعي أن نتوقف عند بعض التساؤلات التي أراها ضرورية للتأمل في أوضاعنا، ونخلص منها بنتائج قد تضعنا على الطريق السليم.
أسئلة تفرض نفسها:
1. لماذا حدث هذا الوباء؟
كثرت التكهنات والتفسيرات منها ما هو علمي، ومنها ما هو غير علمي وغير منطقي. فقال البعض إن هذا الوباء هو جزء من حرب صراع على القوة. فإحدى القوى العظمي في مسيرة تطويرها لأنظمة وأنواع الأسلحة البيولوجية والكيماوية، طورت هذا الفيروس وسربته، بقصد أو بدون قصد، لترى ما هي نتائجه على البشرية. ولهذا نرى رئيس الولايات المتحدة يتهم الصين بالتسبب في هذا الوباء. ويطالب منظمة الصحة العالمية باتخاذ إجراءات عقابية ضدها. وهناك من يقول إن الفيروس طور نفسه كما هي عادة الكائنات الحية كلها. وهناك من ادّعى إنها ضربة وعقاب إلهي للبشرية الخاطئة. وهناك من قال هي نتيجة حتمية لاعتداء الإنسان على البيئة وعدم احترامه للطبيعة.
مهم أن نتحرى الأسباب ونعرف لماذا حدث ما حدث، لكي نتفادى حدوثه في المستقبل، وهنا يجتهد العلماء والخبراء والمتخصصون في أبحاثهم ليجيبوا عن السؤال لماذا؟ ولكن لا يقل أهمية أيضا السؤال: وما العمل؟ كيف نواجه هذا الموقف وهذه الأزمة؟ فلا بد من معرفة طريقة التصرف المثلى والأسلوب الأنجع في مواجهة هذه الكوارث على المستوى العلمي والاجتماعي والإنساني والأخلاقي والاقتصادي والسياسي والديني... الخ؟ وعلى مستوى الأفراد والعائلات والمجتمعات والدول وعلى المستوى العالمي.
فسيدنا يسوع المسيح أمام مظاهر الشر المتنوعة في أيامه، لم يفتح نقاشات فلسفية من ومتى ولماذا وكيف؟ بل واجهها مباشرة بما لديه من إمكانيات، فشفى المرضى، وطهر البرص، واخرج الشياطين، وهدئ العواصف، واشبع الجياع، وأقام الموتى... الخ. وعلم التواضع والصدق والمحبة والغفران والرحمة والإيجابية. وهكذا أعطانا المثال والقدوة لكي نتصرف نحن أيضا هكذا بدورنا أمام مشكلات الحياة وأزمات المجتمعات.

2. ما هي صورة العالم أما نفسه وفي أعيننا اليوم؟ هل هي نفس الصورة كما كانت قبل كورونا؟ ما الذي تغير ولماذا؟
لا شك أن صورة العالم تغيرت. فقد ظهر العالم على حقيقته، ضعيف مهزوز، مكسور، فاقد الثقة في كل ادعاءاته العلمية والاقتصادية والطبية والاجتماعية... الخ. فقد ظهر عالم بلوني منتفخ بادعاءات كاذبة في كل المجالات، كرتوني لا يقوى على الصمود أمام فيروس، وقد كشف هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة مدى هشاشة الاكتشافات في المجال والنظام الصحي، والنظام العلمي، والنظم الاقتصادية، ونظم التضامن الاجتماعي، والاتحادات الدولية. ظهر العالم بصورة العاجز المختبئ المحتمي من الفيروس بالمنزل أو بالحجر في المستشفيات وأماكن الحجر الأخرى. ظهر الإنسان في موقف الدفاع وفي حالة المهزوم بدل أن يكون جاهزا ويبادر بالهجوم، على هذا الفيروس الذي يتربص بالبشرية ويقضي عليها بسرعة وصمت رهيب. ظهرت مظاهر الأنانية والضعف وقلة الحيلة وفي هذا تساوت كل الدول الغنية والفقيرة، المتقدمة والنامية. اختفت مظاهر الحضارة والتضامن والتكاتف الإنساني. وغابت كل القيم والمبادئ الروحية والإيمانية التي حاول العالم، الغربي خصوصا، اجتثاثها من فكر وقلب الناس على مر السنوات الماضية؛ فأنتج حضارة الاستهلاك والمنفعة، والخوف من الآخر، والأنانية والاستغلال والمادية. وأظهر العالم من القيم ما غذَّاه على مر أجيال وأجيال متعاقبة من انعزالية ولا مبالاة وفوضى وكبرياء وتعالي وغرور، سقطت كل هذه المنظومة منهزمة تحت أقدام كورونا. وأتمنى أن يكون العالم قد وعى الدرس وعرف كيف يقف أمام ذاته ويضع نفسه في حجمه الطبيعي. أتمنى أن يكون هذا الظرف فرصة ليراجع من يدعون أنهم كبار الأرض موقفهم، ويدركوا حدودهم. أتمنى أن يكون عالم ما بعد كورونا أكثر تواضعا، وأكثر تضامنا، وأكثر حقيقة، وأكثر احتراما للطبيعة وللإنسان ولله وللعقل البشري، وللفئات الفقيرة والمهمشة. أتمنى أن يراجع العالم حساباته ويعيد النظر في منظومة قيمه ومبادئه وأولوياته. أتمنى أن يكون عالمنا أكثر إنسانية وأكثر أخلاقا وأكثر إيمانا.

3. ما هي قيمة الإنسان في هذا العالم؟
قد ظهر أن الإنسان ليس هو القيمة العظمى في هذا العالم. فهو يسخر المليارات من الدولارات، ومن ساعات العمل، من أجل إنجازات علمية، في مجال التسليح وتطوير المنظومات الدفاعية والهجومية، من أجل غزو الفضاء، وتطوير تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات، وفي مجالات الصناعات المختلفة، وفي مجالات الطب والصيدلة وغيرها الكثير. وكان من المفترض أن كل هذه المجهودات والإنجازات تكون لصالح الإنسان، فتتدخل وتتكاتف كلها في لحظات، وبأسرع من البرق حين تصيبه أزمة أو مرض أو جائحة فتنقذه وتحميه. فلا يموت من بني البشر مئات الآلاف في أيام معدودة، مثلما كان يحث قبل ثورة العلم والتكنولوجيا. فما فائدة العلم والتقدم والتكنولوجيا إلَّم يكن لصالح الإنسان وخيره. فقد كشف هذا الفيروس أن التسابق المحموم في كل هذه المجالات، هو لأجل التسابق والتباهي وادعاء السيطرة ليس إلا، ولكن بدون جدوى ولا فاعليه حقيقية يجدها الإنسان لحظة يحتاجها، ولحظة أن تجتاحه الجوائح. هذا الإنسان صانع العلم والتقدم والحضارة، الذي غزى الفضاء، وسيطر على الهواء والأرض والماء، وادعى أنه يستطيع الاكتفاء بنفسه، والاستغناء عن الله، أين هو الآن؟ إنها لمفارقة كبرى أن نرى هذا الإنسان الذي يدعي كل هذه العظمة خائفا مرعوبا مختبئا من فيروس لا يكاد يرى. هل عرف الإنسان حقيقته؟ هل قدر نفسه حق قدرها؟ هل وعى بما له من عظمة وما له من صغر وضعف. هلا اتضحت صورته الكاملة أمام عينيه بكل أبعادها بلا رتوش ولا ظلال؟ هلا توقف الإنسان عن غيه وضلاله وظلمه لنفسه وللآخرين ولله نفسه. إنه عظيم بعظمة المخترع وصانع العلم والحضارة، عظيم بعظمة ابن الله، وهو صغير وضعيف ومهزوز وخائف لدرجة الاختباء أمام فيروس صغير. فلا ينبغي له إن يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي كما يقول القديس بولس (رو 12: 3)، أو بتعبير ابسط لا ينبغي للإنسان أن يغالي في تقدير ذاته، ولا أن يحتقرها في نفس الوقت.

4. ما هي قيمة البيئة وكيف نتعامل معها ونحترمها؟
إن البيئة هي بيتنا الكبير المشترك، وهي المجال الحيوي الذي نعيش فيه مع كل الكائنات الحية الأخرى، من أرض وماء وهواء وغلاف جوي، هي النعمة التي وهبها لنا الله في تآلفها وتناغمها المشترك، من أجل الحفاظ على الحياة وتنميتها وتطويرها. وأوصانا الله أن نحفظها وننميها ونطورها، بما لنا عليها من سلطان، وأي إضرار بهذه البيئة وهذا المجال الحيوي يأتي بنتائج عكسية على كل أنواع الحياة والانسجام الكوني. ويتضح من الأبحاث البيئية العديدة والمتنوعة أن أسلوب الحياة العصري للإنسان، لا يحترم بما يكفي هذه البيئة ولا يحميها، بل يلوثها ويستنزفها ويدمرها، في كل عناصرها من تربة وأرض وماء وهواء وغلاف جوي. فبدأت البيئة تصرخ وتعبر عما أصابها من أمراض وأضرار، فاختل التوازن، وتغيرت خصائص المناخ، وزادت حموضة التربة، وتلوث الهواء، وتآكلت طبقات الأوزون؛ ونتج عن ذلك مشكلات كبيرة تؤثر سلبا على حياة الناس، وبقية الكائنات الحية وطبيعة الأرض نفسها. والبيئة بصراخها هذا تذكِّر الإنسان وتدعوه لاحترامها والحفاظ عليها. وإلا فإنه بدمارها يدمر الإنسان نفسه وأخيه الإنسان، وبقية الكائنات بذات الفعل. ومن يتحمل النتائج الأكثر ضررا وخطورة هو الإنسان الفقير والدول الفقيرة والطبيعة ذاتها. فينتج عن ذلك كله طبيعة فقيرة مشوهة، وإنسان مريض ضعيف، فيكون الضرر فادح على كل الأصعدة. "لأن الإنجازات العلمية الأكثر روعة، والمنجزات التقنية الأكثر إدهاشا، والنمو الاقتصادي الأكثر إبهارا، إن لم تكن مقرونه بتقدم اجتماعي وأخلاقي أصيل، فإنها، في نهاية المطاف ستنقلب على الإنسان" (راجع في سبيل ذلك رسالة البابا فرنسيس "كن مسبحا" ص 4).

5. ما هي مكانة الله والإيمان أمام هذا الوباء؟
أظهر هذا الوباء كل الديانات، وكل القيادات الدينية، وطبيعة الإيمان والتدين لدى البشر على اختلاف دياناتهم، على حقيقته. فرأينا مواقف وآراء وأساليب متنوعة في التعامل مع الموقف والتعبير عن الإيمان، وفي التعبير عما يراه الناس كأنه موقف الله. فهناك من قال إنه إنذار من الله ليتوب الناس ويعودوا لله ويخافوه ويعبدوه. وهناك من قال إن الله لا يسمح بالشر مهما كان السبب والهدف والغاية. وهناك من قال إن الله لا يتدخل في مثل هذه الظروف فلا يجب أن نلقي على الله كل تبعات أعمالنا وأخطائنا، فالموقف هو موقف بشري وطبيعي محض. بل هي الطبيعة التي تحذر الناس من عاقبة التعدي عليها وعدم احترامها. وهناك من قال إن الله هو سيد الحياة والتاريخ والكون، ولا يحدث شيء، ولا تسقط شعرة من رأس أي إنسان إلا بإذنه. فهو يعرف ويسمح بكل شيء، ولكن في كل ما يسمح به هناك خير للإنسان. وعلى الإنسان اكتشاف ما هي إرادة الله من وراء كل ذلك وعليه بالتالي تحمل مسئولياته.
أيا كان الموقف فنحن نؤمن بصلاح الله ومحبته الإلهية للبشر، ولأنها محبة إلهية فهي غير مشروطة وغير محدودة، وتفوق كل تصور وتعبير بشري. وفي صلاحه ومحبته الله يعرض على الإنسان، باستمرار، كل طرق الخير والصلاح، والمحبة والنماء والسلام، والتوبة والرحمة والعمل بمسئولية. ويدعوه دائما ليميز علامات الأزمنة ويتحمل مسئوليته عن ذاته، وعن أخيه الإنسان، وعن الكون كله. ويحترم الله الإنسان وحريته إلى اقصى درجة، ويدعوه كلما حادت هذه الإرادة والحرية عن طريق الصواب والخير والمحبة، للتوبة والعودة للحق والحب والخير والجمال والبناء والسلام. ليصنع حضارة المحبة والخير التي تليق بالإنسان ابن الله. فالله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدا (رسالة يعقوب 1: 13).

6. أما بعد... حياة جديدة
مهما كان الموقف أرى أن هذا الوباء، وكل ما تبعه من أحداث ونتائج، هي فرصة متاحة لنا لنراجع أنفسنا ومواقفنا وآرائنا، على ضوء الإيمان والقيم والمبادئ الإنسانية والإنجيلية، وعلى ضوء تراث وتعاليم الكنيسة الروحية واللاهوتية والاجتماعية، التي تمثل أنوارا حقيقة على طريق السلوك الإنساني في نور الله، والمحبة الأخوية، والالتزام الإنساني نحو الله والإنسان والطبيعة والكون كله. فالتوبة التي يدعونا الله والكنيسة إليها ليست مجرد توبة عن الخطايا، بل هي توبة عن الأفكار والآراء والأساليب التي نتبناها ونتبعها في تعاملاتنا كلها، والقرارات التي نتخذها، في مجمل علاقاتنا مع الله والقريب، وفي انسجام تام مع الخير العام وصحة وسلامة البشر والطبيعة.
أملي أن تكون هذه الأزمة فرصة ومناسبة حقيقة لمراجعة ذواتنا وأفكارنا ومبادئنا وقيمنا، ومواقفنا وإيماننا وعلاقاتنا وكل ما نعيش وما نعمل. خصوصا وإن نظام الحجر أتاح لنا مساحة من الوقت كافية، تسمح لنا بعمل مثل هذه المراجعات، في جو من الصلاة والتأمل والهدوء والصمت والعمق الكافي، لمثل هذه الخبرة الإنسانية الروحية القوية، والتي من شأنها أن تساعد في ولادتنا الروحية الجديدة على نور القيامة المجيدة، وبركات الخماسين المقدسة،وبإرشاد روح الله القدوس الذي نفخه السيد المسيح القائم على تلاميذه الخائفين المحبوسين في العلية خوفا من اليهود ومن الشر والموت، فمنحهم سلامه (يوحنا 20: 19 و21)، هذا السلام الذي يعطي الطمأنينة والثبات والقدرة على رؤية الأمور على حقيقتها، والتفاعل معها كما يليق برجال الله المؤمنين الأقوياء. فنعمة القيامة وهبة الروح القدس أعطت للتلاميذ نورا وقوة وتجديدا وثباتا لإيمانهم، وانطلاقة لرسالتهم الجديدة، التي استلموها مجددا من الرب القائم حين نفخ فيهم روحه القدوس وقال لهم: " خذوا الروح القدس"، "كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم" (يوحنا 20: 20 – 23)، "نلت كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (متى 28: 18 – 20). هو نفس الرب القائم الذي سار مع تلميذي عمواس على طريق خوفهم وألمهم، وخيبة أملهم وإحباطهم، وأخذ يسمعهم ليحكوا له معاناتهم ومأساتهم، وهو بدوره يشرح لهم الكتب، فتلتهب قلوبهم بالحماس للفهم الجديد للكتب وبالإيمان المتجدد، ويقبل ضيافتهم فيجلس معهم ويكسر معهم الخبر فتنفتح أعينهم ويكتشفوا حضور الحي القائم من بين الأموات في وسط الأزمة والمعاناة والآلام والإحباط. ساعتها تجدد إيمانهم، وتولدت فيهم طاقة وانطلاقة جديدة، عادوا بها لتوهم إلى أورشليم، لينقلوا بشرى الفرح وقوة القيامة لزملائهم (لوقا 24)، من أجل حياة ورسالة جديدة، لحياة وأمل ورجاء جديد، في العالم وللعالم، يحملوه من عمق رؤيتهم الجديدة للأمور، التي تعلموها واستلموها من القائم، رب الحياة والموت والرجاء.
فنحن كمسيحيين لا يمكن أن نؤمن بالقيامة ونعيشها، ويظل ما بعد القيامة مثل ما قبلها. وعلى ضوء القيامة والإيمان بالقائم واختباره، لا يمكن أن يكون ما بعد زمن كورونا مثل ما قبلها، والآن ونحن نعيش في عمق الأزمة لا يجب أن يكون موقفنا مثل باقي الناس في خوف ورعب مبالغ فيه، أو لا مبالاة تنم عن غياب الإحساس الإنساني الحقيقي، أو استهتار غير واقعي يشير إلى عدم تقدير الموقف قدره الصحيح، أو برود لا يليق بإنسان ناضج ومؤمن. إن قراءة الأحداث على ضوء الإيمان هي واجب مقدس، والتفاعل معها بروح المسيح هي من أساسيات إيماننا، وتحمل المسئولية الإنسانية والضميرية هي رسالتنا التي لا يصح أن نتخلى عنها. ودعم أخوتنا والتضامن معهم، وتشجيعهم على عمل الخير، ومساعدة المحتاج في كل الظروف والأوضاع هي تعبير الإيمان الأول. الصلاة وبث روح المحبة والرجاء، هي ما ينتظره منا العالم، وما يكلفنا به المسيح القائم كرسالة إيمان ورجاء ومحبة يحتاجها عالمنا كل الاحتياج في هذه الأيام. خصوصا وأن الوضع في مصر مازال يتفاقم ويزداد عدد الإصابات والوفيات أكثر من ذي قبل، ولذلك نهيب بكل المواطنين المصريين بتوخي أساليب السلامة والحماية، بالبقاء في المنازل واتباع تعليمات الجهات الرسمية والصحية والطبية المختصة، فيما يخص مسافات الأمان والتعقيم وارتداء الكمامات وتفادي كل ما من شأنه نقل العدوى، حفاظا على السلامة العامة. إلى أن يعبر الخطر بإذن الله، بتجاوب وبتعاون وتضامن كل المواطنين.
إن فرصة المكوث بالمنزل، وخبرة معايشة زمن الأزمة هذا بكل ما حمله إلينا من أوقات راحة، وابتعاد عن أماكن العمل وأماكن العبادة، وقلة الاختلاط وتوخي الحذر... إلخ
دعانا ولا شك إلى التفكير والتأمل والتقييم لكل ما كنا نعيشه وتقييم الأمور والعلاقات والحياة نفسها من منظور مختلف. فبدأنا نقدر ما لم نكن نقدره بما يكفي، ونعمق ما كنا قد تعودنا عليه بروتين، ونضع كل شيء في مكانه الصحيح، ونشتاق لما كان يسبب لنا الملل، ونقدر مجهود ومواقف أناس كانوا يعيشون بيننا ويقدمون لنا خدمات لم نكن ننتبه لها أو نقدرها. لا شك أن هذه الخبرة السلبية في ظاهرها تحمل في أعماقها وطياتها الكثير من الإيجابيات لحياتنا وعلاقاتنا. وهكذا هي الحياة لا شيء فيها أسود كله أو أبيض كله ولا شيء فيها شر كله ولا خير كله ففي كل شيء أنوار وظلال، شر وخير، حياة وموت. والإنسان الحقيقي، والمؤمن الحقيقي، هو الذي يكتشف حضور وعمل الله في كل شيء، ومع كل شيء، ورغم كل شيء. فلا صليب بلا قيامة ولا قيامة بلا صليب. وهكذا فزمن كورونا يدعونا لحياة جديدة. من له أذنان فليسمع ما تقوله حكمة الحياة للأحياء، وما يقوله الإيمان للمؤمنين، وما تقوله الآلام والظروف والأوضاع المختلفة لكل الناس، وبالأخص ما يقول الله، وروح الله، وكلمة الله على كل أحداث وظروف الحياة، فهو سيد الحياة والتاريخ والناس.