الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدروس الفلسفية من الجائحة الكورونية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وجد العالم نفسه فجأة منشغلا بموضوع فيروس كورونا، وسخرت الدول وزعماؤها وحكوماتها عظيم اهتماماتهم وكامل إمكاناتهم لمجابهة هذا الفيروس اللعين. وبالتالي أصبح من المنطقي أن نأخذ العبرة من هذا الحدث المزلزل، حتى نستفيد منه مستقبلا في أحداث مماثلة أو في صياغة حياتنا بشكل أفضل. وحتى تكون الاستفادة عميقة وليست سطحية، فسوف نغوص في أعماق الدروس الفلسفية التي يمكن استخلاصها، وذلك بعيدا عن الدروس السياسية والطبية والصحية والتنظيمية التي هي محل اهتمام الاختصاصيين والحكام. ومن أهم تلك الدروس الفلسفية التي يمكن استخلاصها ما يلي [على سبيل المثال لا الحصر]:
1. أن نهاية العالم وفناء الدنيا حقيقة واقعة، وأنها أقرب الى الانسان من حبل الوريد. ويمكن أن تكون بأبسط الأسباب. وكان يمكن لهذا الفيروس أن يكون أشد فتكا بمئات أو آلاف أو ملايين المرات. وكان يمكن أن ينتقل في الهواء وفي الماء وفي الغذاء، وأن يجتاح البشر في أيام معدودات، ولا يبقي ولا يذر.
2. أن الدول القوية المتجبرة، يمكن أن يأتيها ما هو أقوى منها، ليس عن طريق تقلب في موازين القوى، أو نقص في الموارد وضعف في الاقتصاد، أو دول تصير أكثر قوة وأشد بأسا. ولكن عن طريق مخلوق متناهي في الصغر، يذل الكبير والصغير، والغني والفقير.
3. أن دوام الحال من المحال. فهذا العامل الذي يتكسب من عمله اليومي ما يستر ويكفي حاجاته وحاجات أسرته، وهو راضيا شاكرا، أصبح لا يجد قوته. لا بسبب اعتلال في صحته أو بوار في صنعته أو مهنته. بل بسبب مفاجئ لا دخل له فيه من قريب أو بعيد.
4. أن حكومات كثيرة في العالم الغني والفقير، اضطرت فجأة للاعتراف علنا بأن في بلادها ملايين من البشر، دون غطاء اجتماعي أو صحي أو غذائي. وأنها مجبرة على التعامل مع تلك الشريحة ومحاولة سد الكفاف، والا لتعرضت لثورة جياع وخلل في الأمن الاجتماعي والسياسي، سيكون أشد فتكا من الفيروس.
5. أن الانتهازيين سيظلون يعملون حتى يوم القيامة، ولن تعظهم جائحة، ولن تردعهم حاجة المحتاجين ولا فقر المظلومين. فرأينا حجم الغش في بيع مستلزمات طبية فاسدة ومطهرات مغشوشة وأجهزة معطوبة.
6. أن الجشع سيظل طبيعة إنسانية، لدى الغني ولدى الفقير. فقد أفرزت ظروف الجائحة الكورونية عن مضاعفة الأسعار وتخزين السلع، سواء كان البائع مؤسسة أو تاجرا غنيا أو كانت شركة صغيرة أو بائعا متجولا فقيرا.
7. أن ظاهرة من يملكون ومن لا يملكون، ستظل تستفحل مع الزمن. ولن توقفها جائحة ولن تقللها عظة أو يردعها درسا. ويكفي مطالعة مسلسلات رمضان، لنكتشف كم البذخ والتفاخر بالمال وحجم القصور السكنية والملابس المخملية والولائم النوعية والحدائق المرمرية، دون مراعاة أين نحن وبين من نعيش ومن يشاهد.
8. أن الأنانية ستظل أشد قوة من الايثار، وأن الخوف من المستقبل سيبقى أشد أهمية من العطف على الآخرين، وبالتالي لم نر من الأغنياء ما يسد رمق الفقراء إلا القليل النادر، وبقدر ضئيل لا يتناسب مع ما يملكون من مال. وتركوا الأمر للحكومات والتي لا يمكن لها الاستمرار في سد رمق هؤلاء الفقراء الا لأمد قصير وبقدر ضئيل.
9. إن مبدأ "نفسي ثم نفسي" ظهر في الواقع العملي، أنه مقدم على مبدأ "ما استحق أن يُولد من عاش لنفسه". وأصبح كل واحد منا [في الغالب الأعم] لا يرى غير نفسه وأبنائه. ولا يرى جيرانه أو أقاربه أو بني وطنه، وهل هم يعانون من جوع أو خوف أو مرض أو ديون أو ضيق.
10. أن النجاة من تلك الجائحة والتغلب عليها، ستفيد الدول في تطوير أنظمتها الصحية والاجتماعية، وستفيد المنظمات العالمية في تحديث وتطوير برامجها وتوسيع وتنويع أهدافها، لكن النجاة من الجائحة، لن يغير من سلوك البشر، وسيعودون كما كانوا قبلها ناسين العظات والعبر، وستتبدل الأحوال من دعاء لرفع البلاء، الى دعاء بكسب الأموال وزيادة النفوذ ورواج الأحوال.
ويبقى على الدول والحكومات واجبات حتمية، ومسؤوليات استراتيجية، وأهمها إحداث ثورات في التشريعات الضريبية وفي المسؤوليات الاجتماعية واللوائح العمالية ووضع المحددات للدخول اللا معقولية لفئات غير إنتاجية لا تضيف للدخل القومي ولا للإنتاج المحلي، بل أصبحت تستمد وضعها بواقع "وضع اليد" في غفلة من الجميع.
mohsennaggar@alum.mit.edu