الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فن البقاء وصناعة العدو (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عام 1989 قال أرباتوف المستشار الدبلوماسي للرئيس غورباتشوف للغرب:" سوف نسدي إليكم أسوأ أنواع الخدمات، سنحرمكم من وجود عدو". 
هذه الجملة علينا أن نعيد النظر إليها بتأن خلال أزمة وباء "كورونا"، فالحرب الباردة المتقدة التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيدنا إلى اللعبة الدبلوماسية "صناعة العدو" فقد أدى اختفاء العدو السوفياتي إلى ثغرة في العلاقات الدولية لهذا تنشغل أجهزة المخابرات ومراكز الفكر والتخطيط الاستراتيجي وصناع الرأي بصنع هذا "العدو" وفقا للباحث والدبلوماسي الفرنسي بيار كونيسا. 
في سياق مخاوف جماعية وحالة لايقين تامة في العالم، يعيد ترمب صياغة اللعبة للخروج من مأزق أزمة كورونا فيلقي اللوم على الصين، فيتجه الرأي العام الأمريكي نحو الشرق للعدو الصيني بديلا عن العدو القابع جنوبا يصدر للمجتمع آفات جمة!! وهي لعبة أشار لها عالم الاجتماع إميل دوركهايم" حين يعاني المجتمع، يشعر بالحاجة لمن يعزو إليه ألمه، يستطيع أن ينتقم عبره لخيبات أمله".
هناك طرق أيضا لتفكيك العدو ومحوه فقد محت أمريكا الصورة الذهنية عن العدو الإيراني في لحظات حينما كشفت ضعف الدولة الإيرانية مؤخرا، لتأتي هذه الحرب الباردة الجديدة(الأمريكية-الصينية) تزامنا مع ارتباك حاد في المشهد السياسي العالمي، فقد ظننا كشعوب أن الأولوية ستكون سباق تسلح طبي، لكن على قدم وساق هناك تهافت دولي على شراء المقاتلات والغواصات فيما تنشر روسيا غواصات نووية وتدعم أسطولها في منطقة الشرق الأوسط، مع تصريحات تشي بتغيير نحو دعم النظام السوري!. 
الاتحاد الأوروبي وفقا لبيار كونيسا شيئا سياسيا غير محدد، كيان من دون عدو، فهل يمكن بناء دفاع مشترك دون عدو؟ فكانت حرب العراق الاستباقية للقضاء على العدو وتحالفت مع أمريكا دول أوروبية وغير أوروبية، ثم ظل خطر "الإسلاموية" العدو الذي يلوح ضده الاتحاد الأوروبي، وجاءت عاصفة كورونا لتربك زعماء أوروبا وتعيد حساباتهم عقب أزمة " بريكسيت"، لذا سنجد غالبا حلفاء أوروبيين في لعبة ترامب ضد الصين، فرنسا تلعب صوت الضمير الإنساني وماكرون بالرغم من صغر سنه إلا أنه يدرك الخطر المحدق من لعبة ترامب. 
المشكلة أن شعوب الدول المتقدمة المنغلقة ثقافيا على ذواتها تعتقد دائما في الخطر المحدق عليها من خارج أسوار بلادها، رغم أن كل يوم هناك حوادث قتل عشوائي مثلا في أمريكا يموت جراءها العشرات سنويا إلى جانب حوادث السير والجرائم وغيرها. 
اللعبة الخطيرة الآن تصاغ بقواعد التمييز العرقي إلى جانب تعزيز المخاوف الجمعية العالمية، مع إحالات للصين بأنها مصدر للأوبئة عبر التاريخ، فقد سميت الصين في التسعينيات "الخطر الأصفر"وقبلها كانت " رجل آسيا المريض"، الخوف من الخطر الأصفر الذي يستوعبه جيدا زعماء العالم هو خطر رأس المال البشري فالصين أكبر كثافة سكانية تمتلك مقاليد الصناعة في العالم يتجه إليها العالم لاستجداء مستلزمات طبية حيوية، تعني حياة أو موت شعوب، إلى جانب تملكها لمقاليد وزمام اللعبة الإلكترونية، اللعبة الآن أشبه بالكراسي الموسيقية من يتسيد كرسى قمة العالم، وهنا تضيع الدول والدويلات الشعوب غير المنتجة التي لا وزن لها دوليا. 
الفرصة سانحة الآن لأمريكا، لكن الصين كالكتاب المغلق لا يمكن لأحد التكهن برد فعلها، لنعود لبلورة التاريخ ففي عام 1840 قذفت بريطانيا موانئ الصين بالقنابل لتجبرها على فتحها أمام حركة التجارة العالمية حيث كانت الصين تعيش في رخاء وازدهار بينما تسود العالم مجاعات، ووصلت حملة عسكرية إلى الصين عام 1960 فرنسية إنجليزية بقيادة الكونت دوباليكاو وضعفت هيبة الصين. 
وضع العالم الآن أشبه بحقبة ما بعد سقوط جدار برلين، الثقة في المنظمات الدولية تمت زعزعتها فالعالم وصل حد الكمال والرفاهية.. شمالا، بينما الجنوب يرزح تحت وطأة الاستهلاك. مصائر الشعوب الآن ستحكمها التحالفات الجديدة، إلى من ستنحاز للصين أم أمريكا؟ وهل سينجو الحياديون في زمن الطوفان؟ هل لعالمنا كعب أخيل جديد؟!. أما السؤال الذي يشغلني حاليا: ماذا لو كانت هيلاري كلينتون هي التي تتسيد أمريكا وتقود العالم الآن؟ هل كانت لتصنع من الصين عدوا؟! للحديث بقية..