الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت "121" .. عم صابر وسيزيف وفيشة العامود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنا أجدد معك العهد يا صديقي بأننا في كل حدوتة نحاول أن نٌفكر معا في إجابة عن السؤال المهم: ماذا كنا سنفعل في العالم بدون الحواديت؟ أنت تعرف يا صديقي أن أبطالنا لن يٌخلدوا في كٌتب التاريخ فرادى، ففي كل الصفحات يُذكروا مجموعا، إما ضحايا أو كومبارسات خلف بطل أو حتى معازيم في الأعراس دون تعريف،.. هم ديباجة كما يقول كتبة التاريخ، أو جمل حشو فضفاضة يستخدمونها لاستكمال المساحة، لكن حذفها لن يضر وإضافتها لن تفيد، إلا إذا لعب الحظ صدفته واستطاع أن يغير أحد من المجموع صفته وهذا من النوادر المخصص لها بابا في كتاب التاريخ
حدوتي اليوم لك من على الدائري وأرجو أن تتحمل معي عناء الوقفة تحت أشعة الشمس والزحام والغبار.. فإلى هناك.. 

وأنا أقف على الدائري انتظر زميل لي، فصل مني تليفوني «شحن»، فصل ومؤشر البطارية يقول كذبا 50%، خدعني كأشياء كثيرة ثم فجأة غاب عن الوعي في مكان ليس فيه ظل وتجري فيه السيارات كالفئران من القطط، فمهما أشرت له لن يراني، حاولت أُريح الهاتف قليلا ربما يكون من طول عشرته معنا أخذ منا بعض الأشياء اللامنطقية أو كما نقول بـ"البركة"، ربما فتح معي بالبركة، لكن لم تجد معه محاولات الرجاء ولا الغلق والفتح لا لإجراء مكالمة ولكن حتى لالتقاط الرقم.

للحظات حدثت نفسي ما جدوى أن أنتظر زميلي من الأساس؟ وما جدوى أن أذهب معه وأنا وهو ونحن نقطع نفس المسافات كل يوم دون جدوى، وكأننا نجري في أماكننا، حتى هذا الهاتف اللعين الذي فصل لم يعد ما يفعله مفاجأة لي، تدافع الأشخاص والسيارات والمباني أرقام الوفيات والثروات والثورات والحياة والممات كل هذه الأشياء فقدت لم يعد بها عنصر الشغف والمفاجأة.

قطع شردتي شاب يصعد على سلم الدائري محملا بكراكيب للحياة في يده وعلى أكتافه في نهاية الدرج يسقط منه شيء فيهبط ليأت به فيسقط آخر، ابتسمت وقلت له أنا سأساعدك يا «سيزيف» ولكن أيضا بلا جدوى، خرجت ابتسامته مبللة بعرق تساقط من جبينه على عينه وصولا لفمه ثم قال: يا أستاذ أنا صابر مش سيف، قلت له: يا حاج صابر سيزيف هذا واحد صاحبنا حصل له نفس الموقف على الدائري منذ مائة عام، تبسم مرة أخرى وفاجأني: هو الدائري ده بقاله 100 سنة يا أستاذ؟ إجابة مقنعة يا عم صابر فعلا، لكن يا رجل يا طيب مش ده الدائري اللي أنا أقصده لكن في كتير يا عم صابر حتى جوانا.

لا أعرف هل اطمئن عم صابر للجلوس معي أم أنه كان ينتظر أحدا، لكننا جلسنا أنا نقتسم ظل عمود كهرباء، وبفضول الصحفي بدأت اسأله عن حياتها، ونتبادل النكات والقفشات حتى نسى هو ما كان يحمله من كراكيب ونسيت أنا أنني كنت أنتظر صديقي.
قصص كثيرة رواها لي عم صابر وسألني عن أشياء كثيرة بحكم أنني ارتدي بذلة ونظارة وخلف كل إجابة كان يقول: أكيد يا بيه إنت عارف البير وغطاه. 

لكنه لم ينس ما قلته له في البداية فسألني: "هو مين بقى سيف اللي نادتني باسمه في الأول؟»، يا عم صابر اسمه سيزيف، شاب كده كان زي نوبة حالاتنا ونفس الدماغ كده قعد طول عمره يشيل صخرة من الأرض علشان يطلعها الجبل تقع منه ينزل يجيبها وقبل ما يوصل تقع منه". قاطعني عم صابر بشغف: "وفي النهاية طلعها؟"، ضحكت وقولت له روح اسأله، تعالت ضحكاتنا وعم صابر يكرر: يعني طلعها يا باشا؟ في النهاية أجبته: يا عم صابر لو كان طلعها إزاي بس وإحنا لسه بنجيبه من تحت الدائري وتقع مننا تاني!.

نفض عمي صابر التراب من على مؤخرة بنطاله في وجهي وأنا أقول له: "بقى دي آخرتها ده البنطلون ده عايز يروح مغسلة عربيات يا عم صابر، يودعني بضحكة وأنا أتمتم مقولة ألبير كامو: "أنا لا أبغض العالم الذي أعيش فيه، ولكن أشعر بأننى متضامن مع الذين يتعذبون فيه".

تذكرت أنني كنت أنتظر زميلي وأن تليفوني في ثبات عميق ولن يفيق إلى بجرعة كهرباء، فانتفضت أقف وإذ بعيني تلمح فيشة داخل عمود الكهرباء، كيف ومتى؟ «بالبركة»، ربما بائع شاي سريح صنعها لنفسه وربما كهربائي صاحب هاتف كان في نفس موقفي، وربما أنا دون أن أدري وضعتها أنا وعم صابر أثناء حديثنا.