الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خارطة الطريق للقضاء على خفافيش الظلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من آن لآخر يطل علينا الإرهاب بأنيابه المفترسة ووجهه اللعين ليبث الذعر في نفوس البشر، ولعل آخر جرائمه مع الأمن الوطنى في منطقة الأميرية شرق القاهرة، التى راح ضحيتها المقدم الشاب الشهيد محمد فوزى الحوفى، كما خلفت العمليات الإرهابية المئات من الأبرياء من الضحايا والمصابين، ليعم الحزن ويخيم الحزن في نفوس وقلوب المصريين.
ما يجعلنا نتساءل هل يمكن للفن أن يكون أحد الخطوط الدفاعية لمواجهة هذا الإرهاب الغاشم؟ خاصة أن الفن طاقة تنويرية، وكلما إنتشر النور إنحصر الظلام. 
"الفكر لا يواجه إلا بالفكر" قالها الراحل يوسف شاهين في فيلمه المتميز "المصير" مشيرا لأهمية أن يتصدى الإبداع للفكر المتطرف الذى يسعى لتدمير المجتمع، فالإبداع عموما والفن على وجه الخصوص هو القوة القادرة على مجابهة التطرف لما يملكه من قدرات ومؤثرات قويه على العقول والوجدان. 
فيما يرى المفكر والفيلسوف مراد وهبه، أن إعمال العقل يجب أن يكون بلا حدود، لمنع دخول الأسطورة إلى العقل وحتى نحقق التقدم، خاصة أن الثوابت الدينية تعد بمثابة تحديات تواجه الفلاسفة والمثقفين، وهؤلاء يكون إغتيالهم على يد المتطرفين لأنهم عبثوا في الثوابت، مثلما حدث لسقراط وعدد من مفكرى العصر الحديث أمثال الدكتور فرج فودة. 
لذلك يجب أن يكون لدينا خطة عمل من أجل التصدى لموجات العنف التى يشهدها المجتمع، وفى تقديرى يقع على كاهل المثقفين عبء ثقيل في التصدى للخرافات والأباطيل التى يحاول المتطرفون بثها في عقول المواطنين للإستحواذ على أرواحهم وأفئدتهم، خاصة أن المجتمع يعانى من ارتفاع نسبة الأمية بصوره يندى لها الجبين، ما يوفر بالطبع بيئه صالحه ومناخ خصب يسمح بأن ينمو ويترعرع فيه الإرهاب والتطرف، نظرا لأنهما يتحركان في مساحات الجهل والتخلف، ما يعزز الحاجة لتشكيل مناخ ثقافى لمواجهة الإرهاب يقوم على تجفيف منابعه عبر خطاب ملتزم يقوم على التسامح والمحبة، إلى جانب إطلاق منابر ثقافية وفنية لمواجهة هؤلاء المتطرفين.
المؤكد أن مشكلة كبرى بحجم الإرهاب بما تحمله من خلفيات فكرية، والتى تفاقمت في صورة إحتقانات وتفجيرات دموية، لايمكن أن تحل إلا عن طريق إصلاح شامل على مختلف الأصعدة، عن طريق تفعيل القوه الناعمة، بإنشاء المسارح ودور العرض السينمائية في كل المحافظات وبالأخص محافظات الصعيد البعيدة تماما والمحرومة من أية خدمة ثقافية أو ترفيهية، لدينا العديد من قصور الثقافة المغلقة داخل مصر، وهناك ضروره ملحة لإعادة نشاطها من جديد، باعتبارها أحد الأدوات الثقافية المهمة، إلى جانب انتشار القوافل الثقافية من أجل إيصال الثقافة لكل المواطنين، لدورها في نشر الوعى والتصدى للعقول المظلمة.
من ناحية أخرى يجب أن تحمل الأعمال الفنية كالأفلام السينمائية أو العروض المسرحية أو الدراما التلفزيونية التى سيتم إنتاجها لمواجهة الإرهاب، نوايا جادة لبلورة رؤية فنية حقيقية تستطيع توجيه العقول والتأثير في قضايانا المهمة. 
هناك أيضا أهمية بالغة تحديدًا في المحافظات النائية لفتح نوافذ ثقافية جديدة بإنشاء المكتبات ونوادى الأدب ودور العرض السينمائية، حتى يتصل أهلها بالمدينة الأم ويتبدد إحساسهم بأنهم خارج نطاق الخدمة ولا تشملهم أى رعاية ولا تقدم لهم أى خدمات ثقافية أو فنية، إضافة إلى أن هذه النوافذ من شأنها إنعاش السوق السينمائية عبر الإيرادات التى ستحصدها الأفلام أو العروض المسرحية، ومن ثم يمكن لعجلة الإنتاج أن تندفع نحو الأمام ويتم إنتاج المزيد من الأعمال الفنية، علمًا بأن أزمة عدم وجود دور عرض، لا تتعلق بالمحافظات النائية فحسب ولكنها تمتد أيضا للأحياء الشعبية في القاهرة الكبرى، إذ لم نعد نهتم إلا بدور العرض الكبرى في "المولات" والتى تتجاوز أسعار تذاكرها إمكانيات العدد الأكبر من شعبنا خاصة مع التضخم الاقتصادى الذى نعيشه والذى يجعل إرتياد دور العرض رفاهية لا يقدر عليها الا القله القليله.
كذلك ضرورة ترميم دور العرض الموجوده والتى أغلقت لأسباب لا يعلمها أحد، على أن تسهل الدولة الإجراءات ليتمكن أى متحمس من إنشاء أو تطوير هذه الدور والتى حتما ستلعب دورا هاما في حياة المواطن، مع إنتاج أعمال فنية مهمتها كشف الإرهاب وفضح وسائله لتوعية الجميع من إخطاره.
مرة أخرى، الثقافة والفنون هما السلاح الأقوى في مواجهة الإرهاب، لذا لا بد من تفعيل آليات الثقافة من أجل تنوير العقل النقدى وقطع الطريق على الفكر المتطرف من الانتشار، كما يقول الأديب الكبير توفيق الحكيم "تُقاس قيمة الأفراد والشعوب وقوتها، بمقدار حركة الفكر فيها".