الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بين أروقة عالم وفيلسوف (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أتاحت لى دراستى بالكونسرفتوار منذ طفولتى، أن أبدأ المجال العملى مبكرا، وأخوض تجارب ربما لم تتوافر للكثيرين.. وإحدى التجارب التى أفادتنى كثيرا منذ صغرى، تعاقدى مع هيئة قصور الثقافة في المرحلة الثانوية، وتحديدا مع أوركسترا الثقافة الجماهيرية، والذى أسسه المايسترو د. شريف محيى الدين، وكان تحت إدارته وقيادته.. كانت تجربة رائدة ورائعة.. فكنا نتجول داخل القاهرة وخارجها، في المحافظات التى تتسع قصور الثقافة فيها، لاستقبال أوركسترا الحجرة المكون من بضعة وعشرين عازفا.. وكنا نعزف الموسيقى الكلاسيكية الرصينة التى تبتعد عن آذان الكثير من المصريين، ودائما ما كان يسبق الحفل محاضرة صغيرة يلقيها د. شريف من خلال الأوركسترا، حول الموسيقى الكلاسيسكية وكيفية تذوقها، والتعرف على أسماء الآلات وأصواتها.. ودورها في العمل الموسيقى الذى سيستمعون إليه.. كانت إحدى الحفلات التى قدمناها، في قسم النساء والتوليد بكلية الطب جامعة القاهرة.. وهذا اليوم تحديدا ترك أثرا كبيرا في نفسى.. كان موعد الحفل ظهرا بالكلية، وقد قمنا بالتجمع في أحد الأماكن حتى ننتقل سويا لمكان الحفل.. جاء الطبيب رئيس القسم بالكلية، والذى كان منظما للحفل، وقابل المايسترو. شريف بحرارة، وسلم علينا جميعا بحفاوة، وكأنه يعرفنا مسبقا.. كنا ثلاث بنات والباقى شباب.. وبرقة بالغة اعتذر للشباب لعدم سعة سيارته الخاصة للجميع.. واصطحب المايسترو والبنات التى كنت واحدة منهن.. كان رجلا وسيما لديه كاريزما طاغية، يرتدى أرقى الماركات العالمية، ويجمع بين الهيبة والتواضع والثقافة وخفة الظل.. أتذكر سيارته التى تتسم بالأناقة مثله، حيث كانت جيب شيروكى (زيتى) وكل ما فيها يدل على ذوق متميز.. ورغم أن المسافة لم تكن كبيرة حتى وصلنا للكلية، إلا أن حديثه العذب وكلماته التى لا أتذكرها، ولكنى أذكر عمق تأثيرها فينا جميعا، جعلتنى أتمنى ألا ينهى حديثه.. شخص يملأ كل من حوله بالطاقة الإيجابية والتفاؤل، وتجسد كلماته شخصيته المتزنة وثقافته الواسعة وعبقريته علميا وإنسانيا.. انتهت الحفلة، ولكن لم ينته حديثى عن دكتور. أسامة شوقى، والذى عدت إلى منزلى لأحكى لأمى الحبيبة تفاصيل لقائه وحديثه، وكلماته التى تمنح الطاقة لصنع المعجزات.. وصار له في عقلى مكانة، رغم أننى لم أقابله مرة أخرى حتى يومنا هذا.. ولكنه ظل تاركا أثرا عميقا في نفسى.. وبمرور الوقت، وبين خبرات النجاحات والإخفاقات، ومتاهات الحياة والصراعات التى تفرضها علينا، تاهت سيرة الدكتور أسامة وتوارت في العقل الباطن.. حتى جاء يوم تعرضت لحالة تتطلب تدخلا طبيا دقيقا.. ورغم أننى كنت تحت رعاية أحد كبار أساتذة الطب وخبرائه، وهو أ. د. عز الدين عزام، إلا أنه بتواضع العلماء وشرفه المهنى والأخلاقى، نصحنى بالتوجه للدكتور. أسامة شوقى باعتباره خبيرا رائدا في هذا التخصص الدقيق.. ودلنى على صفحته على فيس بوك، كى يطمئن قلبى، بعد أن أرى خبراته ونجاحاته حول العالم.. والغريب أننى لم أتذكر الاسم، ولم أربط بينه وبين الطبيب الذى قابلته منذ سنوات بعيدة!!.. حتى وصلت للصفحة، وشاهدت صورته، وفوجئت بأنه نفس العالم المثقف الفيلسوف الذى أبهرنا في ذلك الحين!.. ورغم أننى لم أستعن به طبيا، حيث اتصلت بعيادته، وأخبرونى بسفره للخارج، إلا أننى منذ ذلك اليوم، دخلت عالم العالم. أسامة شوقى.. وعرفت عنه ما كنت أجهله.. وصرت واحدة من بين متابعيه عن بعد.. أتابع بشغف كتاباته ومقالاته، وصفحته التى جعلها- رغم انشغاله- مكتبة ثقافية متنوعة.. يعرض فيها ما يقرأه من كتب في المجالات المختلفة بشكل مختصر وجذاب.. وينقل متابعيه للبلاد التى يزورها، لإلقاء المحاضرات وتدريب الأطباء عمليا على الجراحات الدقيقة.. فيتجول بهم في الأماكن الأثرية والمتاحف ومعارض الفن التشكيلى، ويقدم حلقات للتذوق بأسلوب أدبى ممتع.. والأجمل حرصه الدائم على بث التفاؤل والبهجة، والتحفييز للنشاط والنجاح وتحقيق الذات.. فقليل هم من على شاكلة د. أسامة شوقى، فهو خليط من الجدية والمرح والالتزام والتعليم والتربية والأصل العريق، دون الانفصال عن الشارع والثقافة الشعبية.. محب للحياة والناس، يتحدث بكل مشاعره، ويصدق كلماته فيصدقه الناس.. يشعر بآلام البشر، ويحاول بكلماته النقية التخفيف عنهم.. تهفو روحه للمثالية، ويتمنى الخير والنجاح للإنسانية.. ولأنه قامة علمية وإنسانية ملهمة، تستحق أن نتخذها قدوة.. فقد انتهزت فرصة ما نشره على صفحته التى تعج بالمتابعين من أنحاء العالم، لأنقل جزءا عن بدايات رحلته المبهرة، التى جعلت اسمه يزين الكتب العلمية والكتالوجات الطبية العالمية.. وللحديث بقية.