الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«كورونا» بين عبقرية القدماء وارتباك الحاضر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا صوت يعلو على صوت المعركة، ونحن الآن فى معركة ضارية مع فيروس «كورونا»، فلا صوت يعلو على صوت العلم والتنوير، ولا يوجد مكان لدعاة التخلف والرجعية وأصحاب العقول المنغلقة.
فى معركة كوفيد١٩ علينا أن نراجع أنفسنا ونأخذها بالشدة، كيف تسلل هذا الفيروس لمعظم دول العالم ونجح فى اختراق الحدود والقارات دون أن يجرؤ أحد على اعتراضه.
كيف وقف العالم المتقدم بجبروته وتقدمه العلمى والتكنولوجى، وبأسلحة الدمار الشامل التى يمتلكها عاجزا أمام وحش لا يرى بالعين المجردة؟!.
وما زال العالم يتخبط، وفى حالة صدمة وهو يلملم جراحه الغائرة وهو يحصد ضحاياه، على الرغم من مراكز أبحاثه الكبيرة التى تعمل ليل نهار، وهناك محاولات جادة فى العديد من الدول العظمى لمحاولة اكتشاف اللقاح القادر على الفتك بهذا المستجد الذى نجح فى شل حركة العالم وقيد حريته وأصاب اقتصاده بالسكتة الفجائية، وخلف دمارًا وحزنًا فى كل بقاع الأرض.
فيما وقفت المجتمعات العربية عاجزة، لا حول ولا قوة لها، واكتفت بترقب ما سوف يتم اختراعه من بلاد الشمال، بل وهناك فئات من شعوبنا قامت بمظاهرات ضد الفيروس من أجل سحقه والقضاء عليه، وفئات أخرى اكتفت بالدعوات لإنقاذ البشرية من جحيم كوفيد١٩.
ونسى العرب وربما تناسوا أنهم أصحاب حضارة وريادة، فقد علمت الحضارة المصرية القديمة البشرية الكثير من الفنون والعلوم، وأفادتنا المقتنيات والوثائق والبرديات التى عثر عليها، بأن قدماء المصريين هم أول من مارسوا الطب.
وقد اشتهر عند القدماء العديد من الأطباء فى ذلك الزمن البعيد، أبرزهم الطبيب العبقرى "أمحوتب" أحد الكهنة الكبار، ومؤسس علم الطب فى مصر القديمة، لدرجة أنه وصل لمرتبة القديسين، ثم منزلة الآلهة، فسمى "إله الشفاء"، حتى أقام القدماء معبدا باسمه ومشفى لعلاج المرضى. 
وكان الكهنة يدرسون الطب ويعالجون المرضى، ويعتبر كثير من العلماء أن تلك المشافى ما هى إلا نقطة البداية لفكرة الجامعات والمستشفيات الطبية.
وفى الإسكندرية وصل علم الطب إلى ذروته، فكانت الإسكندرية مركزا للعلوم والثقافة والطب خلال عصر البطالمة، وكان بها مدرسة لتعليم الأطباء، وأثرت إلى حد بعيد على الطب فى بلاد اليونان، ثم على الطب فى أوروبا كلها، فيما احتوت مكتبة الإسكندرية القديمة على مخطوطات بالغة الأهمية فى الطب، فقدناها كلها أثناء حريق الإسكندرية.
كذلك ظهر فى العصر العباسى الطبيب العبقرى "ابن سينا"، وهو أول من كتب عن الطبّ فى العالم، وأشهر أعماله كتاب "القانون فى الطب"، الذى ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسى فى علم الطب، حتى أواسط القرن السابع عشر فى جامعات أوروبا.
ونظرًا لأهمية "ابن سينا" أنتجت السينما الروسية فيلما يحمل اسمه، يتحدث عن الجائحة التى فتكت بالبشر وحصدت أرواحهم أسوة بوباء "كورونا" الذى نعيشة الآن، وفيه يوضح "ابن سينا" أن تلك الأمراض المعدية تنتشر من خلال الالتصاق باليدين والوجه والشعر والملابس، ولكى نتصدى لهذا "الموت الأسود" نصح "ابن سينا" الناس بعدم الخوف، مع عدم الاختلاط، أو التجمع فى المساجد والأسواق، كما طالب بغسل اليدين والوجه بالخل، ومن يعالج المرضى أيضا بأن يعقم أنفه بقطنة من الخل، وأن يمضغ فى فمه أوراق الشيح، لكن تعليمات "ابن سينا" استفزت الجهلاء، وخرج المعارضون ليكفروا السلطات التى أيدت غلق المساجد، وكفروا ابن سينا ووصفوه بالضال المضل الذى يحارب دين الله بفكرة إخلاء المساجد!، وقد أمر الخليفة المستنجد فى بغداد بإحراق جميع كتب ابن سينا وإخوان الصفا الفلسفية.
وفى ذات الاتجاه المؤيد للعلم والتنوير ظهر العلامة "ابن رشد" ذلك الفيلسوف الأندلسى الذى سبق عصره، وسبق كل العصور التى سبقته، وقدم للعرب ترجمة للأفكار والنظريات التى قامت عليها الحضارة الأوروبية، حيث دافع عن الفلسفة وصحح النظريات للعلماء والفلاسفة، لكن للأسف لا كرامة لنبى فى وطنه، فقد اتهمه أيضًا المعارضون بالكفر والإلحاد ثم أبعد إلى مراكش وتوفى هناك.
فيما أصدر الأمير أبو يوسف يعقوب المنصور أمرًا بإحراق جميع كتب ابن رشد إلا عددًا قليلًا منها فى التاريخ الطبيعى، وبالتالى احرقت أعمال "ابن رشد" وغيره من العلماء، وقد أجبر ابن رشد على مشاهدة أمهات الكتب لكبار المفكرين وهى تحترق وسط هتاف العوام وهم يصيحون الله أكبر.
وفى ذات التوقيت الذى حرقنا نحن نظريات العلماء والفلاسفة، تلفحت أوروبا بفلسفة ونظريات علمائنا، وبفضلهم خرجت من عصور الظلام، وتأسست النهضة الأوروبية، وأهمل الشرق هذه الفلسفة التى تقف على قمة الاستنارة والعقلانية، وقبعنا نحن فى عصر الانغلاق، وأخذنا نناقش بجدية العديد من القضايا المحورية منها على سبيل المثال: إرضاع الكبير، زواج الرضيعة، ودخول الحمام بالقدم اليمنى أم اليسرى، مضاجعة الزوجة المتوفاة، ونكاح الجن، وغيرها من الفتاوى المشينة للعقل الإنسانى.