الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

حروب بيولوجية وعولمة الموت.. دراسة تحدد شكل العالم بعد كورونا

 الدكتور فتحي العفيفي،
الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فتحى العفيفى: الفيروس يضع نهاية للعولمة.. وينقذ العالم من السيطرة الأمريكية تعامل الصين وكوريا الجنوبية مع الوباء ينقل النفوذ الدولى إلى الشرق الارتباك والفوضى في أوروبا وأمريكا وراء أعداد الضحايا الكارثى العالم أقل انفتاحا وازدهارًا وحرية «كوفيد- 19» حركة تصحيح هيكلية في المجال الجغرافى التاريخى وتصويب لمسارات العولمة
أكد الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق، أن جائحة فيروس "كوفيد 19"، المعروف بـ «كورونا»، ستضع نهاية مأساوية للعولمة، مشيرا إلى أنه بانتهاء هذه الجائحة سيكون العالم أقل انفتاحا وازدهارًا وحرية، وسيؤدى الوباء إلى تقوية مناعة الدولة، وتعزيز القومية، وسينصاع الناس إلى ما تراه الحكومات من إجراءات طارئة.
وأوضح في دراسة أجراها بعنوان: « كورونا (كوفيد 19).. الحروب البيولوجية وعولمة الموت.. القوة القاهرة فوق القوة الظاهرة»، أن هذه الجائحة ستؤدي أيضا إلى ما وصفه بزحزحة النفوذ وقوة التأثير الدوليين، تجاه الشرق بفضل تعامل الصين، ومعها كوريا الجنوبية وسنغافورة مع الوباء بشكل أفضل، من الغرب الذي اتسم سلوكه سواء أمريكيا أو أوروبيا بالارتباك وضعف الفاعلية وقلة الإنجاز، والفوضى، ما أدى إلى كارثة في أعداد الضحايا.
وذكر «العفيفي» في دراسته أن من أهم نتائج الوضع المتأزم عالميا حاليا، هو أن العولمة ستشهد تحورًا أعمق، يغير شكل العالم، وينهي فكرة المنفعة المتبادلة، حيث سيتلاشى هيكل العولمة الاقتصادية التى سادت طيلة السنوات الـ١٢٠ الماضية، وستصعد بدلا منه المنافسة الجيوسياسية المفتوحة، بحيث يتم التخلي التدريجي عن النهضة التكنولوجية، والملكية الفكرية الغربية، لمصلحة لاعبين جدد قدموا للعالم حلولا ومساعدات عندما واجهت شعوبه جائحة مميتة.
ولفت «العفيفي» إلى أن العولمة من حيث كونها فكرة، ونظرية، وسياسات، وشركات، وقوانين، وهيئات، ستخرج من تحت السيطرة الأمريكية، وسيدرك الجميع أن كورونا، ما هو إلا حركة تصحيح هيكلية، في المجال الجغرافي التاريخي، وتصويب لمسارات العولمة، التي دقت أوتادها في كل بيت، عبر جيوش جرارة من الخبراء والفنيين والعاملين عليها، من أجل تجاوز القوميات والدول.
وشدد على أن عودة الرشد إلى الإيمانية المعطلة، سيكون من أهم النتائج أيضا إذ إن البشرية ستوقن عما قريب بأن حضارة العقل، هُزمت في معركة الوباء القاتل، أمام حضارة النص، وعودة المقدس إلى المجال العام، رغم تغييبه القسري. 
وأضافت الدراسة: "الرشد سيعود إلى الهويات النوعية لتلتئم من جديد بعد الاستهداف التاريخي بالتفسخ والتفكيك، وتمنح الأزمة جميع المعسكرات فرصة استثنائية لمناظرة الإستراتيجية الغربية الكبرى، وسيجد القوميون، والصقور الصينيون، والمناهضون للعولمة، وحتى الليبراليون الدوليون، دليلا جديدا على أن وجهات نظرهم هي الأكثر إلحاحًا ونفاذا، وعلى المدى البعيد ستخرج الديمقراطيات المحلية من قواقعها، وتتواصل نحو طراز جديد من الأممية البرجماتية".
شجرة المخالطين
ويمضي الدكتور العفيفي في شرح نظريته قائلا: "من رحمة المعاناة خرجت الحكمة، حيث انتشر فيروس كورونا من شخص إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن مدينة إلى مدينة، ومن دولة إلى أخرى، وهكذا فيما اصطلح عليه عمليا بشجرة المخالطين، فتأثرت اقتصاديات المدن والدول والعالم والأفراد بذات الطريقة، طبقا لنظرية الأواني المستطرقة، وهو ما سينعكس حتما على طريقة التعامل والتعافي الاقتصادي، بداية من الإيمان بضرورة القبول بأرباح أقل مقابل استقرار أكبر، والقبول بتخطيط الدولة، فيما تعتبره أولوية الصناعات الإستراتيجية، مرورا بتعطل التنافسية وآليات السوق وفشل الدولة الرأسمالية الأولى (أمريكا) في اختبار الزعامة والقيادة،وصولا إلى خفض القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي بصورة جذرية، خاصة مع إغلاق الشركات والمصانع، ولجوء الدول إلى تسريح بعض من البيروقراطيين التابعين لها". 
قوة الروح
وتابع: "قوة الروح البشرية في مواجهة تحديات البقاء، ستخفف من حدة صدمة الوباء، الذي يهدد فعليا ٨ مليارات شخص حول العالم، إذ إن هذه القوة ستعزز التعاون والتكافل والالتزام الصارم غير المسبوق، والإحساس بالخطر الجماعي، مما يؤدي إلى خفوت العنتريات المذهبية، والطائفية، وغيرها في دروس مستفادة للحفاظ على السلالة البشرية، أمام ويلات وإخطار العقل والطبيعة في آنٍ معا، فالأول بتجلياته المفسدة، والثانية بدروسها العنيفة أثبتا طغيان التحدي لآجل البقاء على ما عداه، لذا يتنافس الجميع حاليا، من قادة سياسيين، ومواطنين عاديين، ورجال أعمال، وعلماء الدين، على الثبات والصمود والمثابرة والفعالية والزعامة أيضًا".
النزعة الإيمانية
ولفت «العفيفي» في دراسته إلى أن وباء كورونا أدى إلى استفاقة إيمانية بين الناس، بعد أن كادوا ينسوا ذلك تحت وقع صخب الحياة وضجيجها البراق وسحر العولمة والحداثة والاتصالات، "وتسبب ذلك في تشكك الناس في وجود الخالق الأعظم وعلت صيحات موجات الإلحاد في العالم، وفي الحد الأدنى اقتتلت الأديان وتناحرت، بل والمذاهب داخل الدين الواحد، كل يريد أن ينتصر للإله الذي يريده والإمام الذي يتمثله نبراسا للهداية، فتصاعدت حدة التوتر الديني والحروب العقائدية، والفلسفات التي نازعت الإله تدابيره، وعلا صوت العقل ليتطاول على النص، وهو ما جعل البشرية في حاجة إلى صدمة كبرى، تعيد إليها اتزانها ورشدها وتذكرها بعجزها وقصورها وتدني نقصانها إلى حد العجز الكامل والشلل التام عن معالجة خلل في أمر دنيوي اعتقدت أنها سيطرت عليه وأن بيدها مفاتيح الكون، وتجرأت على التشكيك في وجود الإله ذاته، واعتقدت أنها وصلت بعلمها وذكائها إلى السيطرة على كل شيء". 
وأشارت الدراسة إلى أن هذه القوة القاهرة للبشر، تستمد سلطانها من سنة الله في خلقه، لضمان التنافس والتطوير والتجديد، في مسألة حتمية، وقضية لا بد منها، مضيفا: "وإذا كان للباطل قوة تطغيه، فإنه يجب أن يكون للحق قوة تحميه، والواقف على التاريخ يرى صورا من هذا التدافع، واضحة بين الإمبراطوريات والقوى المتصارعة، كما حصل بين فارس والروم، وبين روما وقرطاجة، حيث تدفع كل قوة أخرى أكثر شراسة منها وظلما، وهذا ما حدث أيضا بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، كما شهد المسلمون دولا متدافعة فيما بينها، تأكيدا لقول الله تعالى (ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) (الحج-٤٠)".
وأضافت الدراسة: "آفة كورونا أنه انتشر بين الأفراد، والمدن، والدول على طريقة الأواني المستطرقة، وهي الطريقة ذاتها التي تضرر بها الاقتصاد العالمي من الأفراد، والشركات، والمصانع".
وتابع: "كلما تكفلت حضارة العقل بالإبداع في مجالات السيطرة وهيأت لها الأسباب والمصانع والمبررات، وجعلتها عمودا من أعمدة اقتصادياتها، تدخل النص، لتطهير العالم من الشرور والآثام، وردع المتعالين لحملهم على الخيرية، فالعالم الذي نعيشه المغتر بحداثته، كما هو وليد ثورات الأفكار والمبتكرات العلمية والتكنولوجية، فهو أيضا رهن المباغتة بالكوارث والمحن المفاجئة، ولعل دليل ذلك ما ورد بالتاريخ عن (الطاعون الأسود ١٣٤٦- ١٣٥٣م، الذي راح ضحيته ما بين ٧٥ مليونا و٢٠٠ مليون شخص، وكان من الأسباب الرئيسية لانهيار الإقطاع في أوروبا، والأنفلونزا الإسبانية ١٩١٨- ١٩٢٠م، التي قتلت نحو ٥٠ مليون شخص حول العالم".
نظرية المؤامرة 
ويرى الدكتور فتحي العفيفي في دراسته أنه على وقع صدمة "كوفيد ١٩"، وهو الاسم العلمي لفيروس كورونا، جنح الجميع إلى نظرية المؤامرة، وانقسموا إلى فريقين، أحدهما اعتبرها حربا بيولوجية أمريكية غربية ضد الصين، لوقف تقدمها الاقتصادي الكاسح والمهدد للحضارة الأنجلوسكسونية بصفة عامة، وفريق آخر اعتبرها حيلة وخدعة كبرى لجأت إليها الصين للسيطرة على الاقتصاديات الغربية بالاحتيال البريء، بوصفه من قوانين العولمة الحاكمة.
وأضاف: "يستند الفريق الأول في صياغته إلى برنامج هارب الأمريكي، المعلن عنه في العام ١٩٩٠م على يد السيناتور الجمهوري تيد ستيفنز، عضو مجلس الشيوخ، ويعني قدرة الزلازل والأعاصير والسيطرة على الطقس على قيادة حروب بيولوجية مصنوعة ضد الأعداء، الذين يهددون القوة العظمى والوجود الأمريكي، أما الفريق الثاني فيرتكز على أن الصين خاضت مغامرة محسوبة كحرب استباقية وقائية، عندما تم التخطيط والسماح لشركة فرنسية بصناعة الفيروسات وتجريبها على أرض مقاطعة ووهان، ثم العزل الكامل وخوض الأزمة والإعلان عن التعافي وخلو الصين من الوباء، أو على الأقل خفوت حدته، التى تم تصديرها إلى دول العالم، وغاية الأمر أن الجزم بصواب فرضية دون الأخرى، أمر لا يساعد على الاستمتاع الجيد بالتحليل، فالفرضية الأولى تسمح بالقول إن النيوليبرالية ليست في حالة موت سريري، كما يعتقد البعض، وإنما تخوض معركة تصحيح كبرى عندما تريد الرأسمالية أن تجدد نفسها وفق الاعتبارات التالية: إرغام الدول على اللجوء إلى صناديق التحوط السيادية لمواجهة آثار الكارثة، لأن هذه الصناديق تعمل ضد قوانينها وتظل بعيدة عن فلسفتها المؤسسة "دعه يعمل دعه يمر" بتعبير آدم سميث، وبحسب النظرية الكنزية فإن كل الأزمات المالية العالمية تكون أزمات وتعويم مدى للرأسمالية، لا وجود فيها للمفاجأة، ولا مجال عندها لحدوث كارثة على نحو ما يتوهمه أو يتمناه البعض".
وواصل: الاعتبار الثاني هو التجريب في الحد من غلواء النصاب البيروقراطي في أجهزة الدول، والذي يقف حجر عثرة أمام التقنية والرقمنة والاتصالات والمعلوماتية وهي عصب الحضارة والاقتصاديات الغربية المعولمة، أما الثالث فهو إحداث صدمة عنيفة في الاقتصاديات الاشتراكية (الصينية- الروسية) وخوض معركة جديدة من الحرب الطويلة لزعزعة الثقة والحد من الصعود ثم اللجوء لمرحلة العقاب والحساب بعد أن تهدأ العاصفة وتحميل الصين خسائر العالم والاقتصاديات، ويتم تعقبها وتجريمها على نحو ما فعله قانون (جاستا عام ٢٠١٧) الذي جاء لمحاسبة الدول المسئولة عن أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١". 
وتابع: "بينما الفرضية الثانية لا تقل إشعاعية أو نفوذا في الصمود أمام التوغل الرأسمالي عبر ضرب عقيدة المجمع الصناعي الأمريكي في الصميم، وأن كل آليات العولمة (السلاح- الدواء- المافيا- الورق- الإعلام- البحوث) تقف عاجزة أمام غضب الطبيعة عندما تحركها تخطيطات إستراتيجية، أن العولمة ليست ذلك الغول الذي يخشي بأسه، وكذلك الزعم بأن الدولة، لا بد أن تتحول إلى خصم شريف وتترك آليات السوق والتنافسية لتعمل عملها بهدف سحق النظرية الاشتراكية لهو زعم باطل، فالدولة يجب أن تتدخل في كل شيء في ظل عجز السوق عن إنقاذ أرواح الناس، والصين بذلك قد ضربت العقيدة النيوليبرالية في عمق كبرياء سويداء قبلها". 
واستطرد: "هناك أيضا زعزعة الثقة بالاقتصاديات الغربية التي لا تعرف سوى تجارة السلاح والقتل والتدمير تحت داعي البحث عن الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، فإذا بها فلسفات عاجزة بائسة أمام تحد الموت، وعلى العالم أن يجرب الفهم الصيني الاشتراكي للخلية وآليات عمل الخلية لا أن يظل يخدم على الملكة (الأمريكية) ومن لف لفيفها".
التاريخ الوبائي 
وتعرضت دراسة الدكتور العفيفي إلى تاريخ الحرب بالأوبئة والأمراض، على مدى القرون الماضية، ويرى أن حروب الأوبئة مع البشر ليست من مستجدات حوادث التاريخ، مضيفا: "تواريخ ما قبل الميلاد شهدت مثل هذه الحروب، فوفقا للأساطير الدينية، فإن الآلهة الشريرة سخمت، من المعبودات المصرية، هي ربة الطبيعة المنتقمة الشريرة المدمرة، وإليها يُعزى محاربة الخصوم والأعداء عن طريق نشر الأوبئة والأمراض القاتلة بين عواملهم وجيوشهم على حد سواء، وهي السيدة المتجاوزة لكل الخطوط الحمراء (١٣٧٢- ١٤١٠) ق.م في عصر أمنحتب الثالث، ويجسدها تماثيل أنثى الأسد". 
وتقول الدراسة: "أشيع أنه إذا أصيب أحد بعارض يقال عنه هذا رسول سخمت، أي مقدمة جيوشها من الأوبئة والأمراض، وإليها ترجع أيضا مقولات: (سخام البرك) و(سخام الطين) في الموروثات الشعبية، التي تتداول حتى اليوم".
وطبقا للأسطورة، فإنه عندما سُئلت "سخمت" عن سر لجوئها لهذا السلاح الغريب، قالت: "إنه أقل كلفة وأشد فعالية، ورادع ومخيف"، وعرف عنها أيضا نفخ النار في وجوه أعدائها، لذا أطلق على رياح الصحراء الساخنة "أنفاس سخمت"، وما زالت معابد الكرنك في الأقصر تحتفظ بشواهد هذا التاريخ العجيب.
رعب 2006 ـ 2008
وأضاف الدكتور فتحي العفيفي في دراسته: "عام ٢٠٠٦، ساد العالم رعب من نوع الأوبئة الفتاكة، عُرف بأنفلونزا الطيور، حينها خرجت الضجة الإعلامية التي تؤكد أن العالم قبل هذه الأنفلونزا، شيء وبعدها سيكون شيئا آخر، وبالغت التقديرات إلى حد قول إن أزمة الطيور الموبوءة، ستفني نصف الكرة الأرضية، وهو ما مثّل حينها فخا من فخاخ العولمة".
وقال: "في سبتمبر ٢٠٠٨م، أصيب العالم بفيروس اقتصادي معولم أسموه الأزمة المالية العالمية، وحينها بيّنا أن ما يجري هو حركة ممنهجة ومدروسة عندما تريد الرأسمالية، أن تجدد نفسها للمزيد من الاستحواذ، والتراكم، والسيطرة على البناء المالي العالمي، وإحكام القبضة على مفاصله.
وانتهت الدراسة إلى تأكيد أن عالم ما بعد كورونا لن يكون أبدا، هو نفسه ما كان قبلها، فالدروس الأولية المستخلصة والفورية والتي سيًبنى عليها مستقبل البشرية ربما ترتسم ملامحها في دور الدولة الحازمة القوية المتدخلة، ومدى انعكاسه على الأداء السلوكي للشعوب بعيدًا عن الغوغائية الكاذبة والتخلف المستند إلى "الحريات المطلقة"، "والدولة الحارسة"، "والخصم الشريف غير المتدخل" إلى آخر هذه المقولات التى قتلت أصحابها بمثل هذه الشعارات في إيطاليا، وإيران، وفرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وساعد هذا الدور القوى، وذلك الانضباط السلوكى الصين واليابان على تجاوز الأزمة سريعًا...!!! قوة الدولة المصرية ظهرت في تطبيق حظر التجوال بإحكام وانضباط حتى لا يكاد يسمع للبشر صريرا. 
وهناك أيضا الترهل البيروقراطي في الأجهزة الحكومية الذي بقى يعمل مع التطور التكنولوجي جنبًا إلى جنب فعطل بعضهما البعض، وأصبح الإنفاق الحكومي على جانب دولاب العمل هو في حقيقته إنفاق على الهدر في الوقت والجهد وليس إنفاقًا على الإنجاز، ومن ثم كان المردود سلبيًا على كل القطاعات- سيدخل العالم حكمًا بعد هذه التجربة من العزل في البيوت إلى ضرورة الاعتماد على تكنولوجيا العمل عن بعد لتقليل الازدحام وما يرتبط به من تلوث بيئي، وأمراض وسلبيات اجتماعية وهدر اقتصادى ودائما النظرية الاقتصادية تقوم على نظرية (البجعة السوداء) وأن "الحاجة أم الاختراع"... لا بد من اللجوء إلى اللوجستيات الحديثة لتطوير الأداء في المجال العام، لقد كانت تجربة تجريب اضطرارية لكنها مفيدة وكاشفة، وسيكون لها بالإضافة إلى إعادة صياغة مفاهيم العلاقات الاقتصادية والسياسة الدولية التى لم تعرف تاريخيًا سوى "الردع النووي" و"عسكرة النزاعات" وهدر أممي في منظمات الأمم المتحدة وهيئات مراقبة الشفافية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحل المشكلات بالطرق السلمية، كل هذه القناعات القديمة قد سقطت عمليًا تحت أقدام " فيروس صغير يغزو العالم" موقعًا آلاف الضحايا فيما كل هذه الأدبيات لم تعرف له حلولا ولا إلى وقفة من سبيل.
واختتم الدكتور فتحي العفيفي بالقول إن هذا الهجوم غير التقليدي لوباء كورونا ستكون الخشية كل الخشية من ورائه، في أن يستخدمه المتطرفون والإرهابيون في حروبهم القادمة، إذ إنه بدلا من البحث عن التداوي والشفاء، فقد يشهد العالم بيع الأمراض في نفس زجاجات ليحل الموت محل الحياة.