الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وسائل التواصل.. والأزمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ شيوع وسائل التواصل الاجتماعى والمعروفة باسم "السوشيال ميديا" وكم الانتقادات حيال الجوانب السلبية فيها فى حالة من التنامى، تتفق وكم المشاركين فيها وطبيعة موضوعات المشاركة التى لم تترك شاردة ولا واردة إلا لمستها. وأحسب أن هذه الوسائل قد أتت فى أعقاب التوسع فى البث الإعلامى الفضائى ليصبح العالم عبارة عن بحيرة افتراضية من البث الفضائى والإلكترونى لا شطآن لها ولا مرافئ بحيث لا يدرى الفرد منا متى يأتيه الخبر ومن أى وجهة جاء.
ولست هنا بصدد الحديث عن قضية وسائل الاتصال من هذا المنظور ولكننى أتناولها فى ضوء متابعتى لأسلوب التعامل مع أزمة وباء كورونا العالمية. فمنذ الوهلة الأولى لتصدر الخبر المشهد الإعلامى وقوافل التعامل الشخصى والعام تتسابق فى حجز موطئ قدم لها للتواجد فى (ساحة كورونا) بالتهوين تارة وبالتهويل تارات أخرى. ولم يقتصر الأمر على الطرح المحلى بل تعداه إلى عالمية بلا حدود. بمعنى أنك قد تجد شخصًا يتناول الأمر الخاص بإيطاليا أو إسبانيا وهو ربما لا يدرى موقعهما على الخريطة. أو يقتصر أمره على مشاركة (التشيير) للخبر أو الصورة ليتسع مداها وفق كم الصداقات الخاصة بصفحته أو حسابه الشخصى على مواقع (السوشيال ميديا). وفى المقابل نجد بعض بنى الوطن من المقيمين فى الخارج وقد تركوا واقع الحال فى موطن الهجرة ليقدموا دروسًا عن الوضع في مصر، داعمين الأمر بإحصائيات وأخبار قد تكون ملفقة أو غير دقيقة ظنًا منهم –حال حسن النية- أنهم يؤدون لوطنهم عملًا جليلًا تأكيدًا لانتماء لم تغب شمسه.
وعلى الرغم من وجود مواقع للجهات الرسمية تتناول أولًا بأول أخبار الأزمة وتقدم النصائح والأخبار المتعلقة بها فى حدود المصلحة العامة ومرئيات العمل السياسى، إلا أنها تجابه شعبًا اعتاد على تركيبة ذهنية ونفسية معينة لفترات طويلة جعلته نهبًا لسريان الشائعات أو تكذيب كل ما هو رسمى من منطلق المبدأ العقيم (كلام جرايد). وهنا تكمن أول مؤشرات الخطر، فأنا لست مع من يتلمسون الخبر واستمراء شيوعه إذا كان من شأنه النيل من الحالة النفسية العامة للشعب. هذه النقطة تمثل حالة غاية فى الحساسية ينبغى تناولها بحرفية عالية من الجهات الرسمية بحيث تصبح الأرقام المعلنة نذير خطر على المجتمع دون أن تفقده الأمل فى تحسن الأحوال أو تضفى عليها سوداوية تنال من صحته النفسية.
أما على مستوى الأفراد فقد أصبح الحبل على الغارب فى التناول، وكم رأينا من صور مزيفة بلغت حد إظهار بعض البلاد وقد تركت الناس يموتون فى الشوارع تاركين الجثث وكأنها قد طفت فوق سطح الماء. أو بعض الفيديوهات لمرضى يتحدثون عن أوضاعهم فى الحجر الصحى وما يعانونه من ألم المواجهة. فضلًا عن الصور والفيديوهات والتعليقات التى تتناول سلوكيات بعينها مثل صور التزاحم فى المواصلات والتى تشى بحالة من اللاوعى مقابل عدم التنظيم المجتمعى بين المصالح اليومية وساعات الحظر. وكذا نزعة التخزين غير المبررة للمواد الغذائية فى مقابل استغلال البعض للأزمة لتحقيق أكبر عائد في أقل زمن، وذلك باهتبال فرصة لا تتكرر إلا بمباعدة الأزمنة. أضف عليها البعد الفكاهى الذى يؤكد أن روح الدعابة لدى بنى البشر تمثل أحيانًا واحدة من وسائل الدفاع الإيجابى للمواجهة حيث لا تعد فى حد ذاتها سخرية من الوضع ككل ولكنها داعم نفسى فطرى عرفته البشرية ضد مخاطرها منذ كان الإنسان البدائى يرسم على جدران الكهوف صورته بحجم أكبر من صورة الحيوانات المهددة له كنوع من الطمأنة الذاتية فى قدرته على مواجهتها والتغلب عليها.
أما أخطر ما استفزنى فهى تلك الإطلالات غير المسئولة من بعض محدودى الأفق من رجال الدين، الذين منحتهم هذه الأزمة فرصة للحضور القوى بما يملكون من مفردات التأثير سواء على بعض فاقدى الوعى بعظم المشكلة أو من تملكهم اليأس بسهولة. فباتوا يبثونهم ما من شأنه نسف أية جهود حقيقية للمواجهة بعدما أصبحوا مسلوبى الإرادة والتفكير حيال ما يسمعون، وارتباطه بالتواكلية وحديث الجنة والنار والعقاب الإلهى.
والواقع فإن التفعيل الإيجابى لوسائل التواصل حيال هذه الأزمة إنما يتطلب متابعة إعلامية جادة تقضى على الشائعة فى مهدها، فى حين يصبح دور النخبة الحقيقية هى فى إزكاء الوعى حيال فيضان (البوستات) اليومى، استنادًا على قاعدة (ليس كل ما يعرف يقال، كما أن ليس كل ما يقال صحيح بالضرورة). إنها درجة من الوعى تستلزم عقلية مدربة على الفرز والنقد والقدرة على ضبط إيقاع المعلومة فى ضوء المصلحة الوطنبة والمعرفة العامة... وهو دور لو تعلمون عظيم.