الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوادث وقضايا

قطعة حشيش و«فيش جنائي» قادت المباحث لضبط متهم في «جريمة قتل»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جلس كعادته يحتسي «كوب القهوة» مشعلا سيجارته غارقًا في أوراق القضايا التي مازالت مليئة بالأسئلة التي تبحث عن إجابات، صوت جهاز اللاسلكي لا يتوقف عن إستقبال إخطارات الحالة الأمنية في الدائرة، التي تقع ضمن نطاق قطاع مباحث جنوب الجيزة وتضج بقضايا الثأر والمشاجرات والجثث المجهولة وقطاع الطرق، حيث لعبت الطبيعة الجغرافية والثقافة الاجتماعية دورها في تشكيل «وعي المواطنين » هناك، مرت عدة ساعات حتى قطع الصمت السرمدي صوت إشارة على الجهاز اخترقت سمع ضابط المباحث القابع على مكتبه في تلك الغرفة التي شهدت آلاف القضايا المعقدة، جاء الإخطار بالعثور على جثة مسنة مقتولة داخل منزلها بدائرة القسم، التقط الضابط سلاحه وانطلق مسرعًا قاصدًا محل العثور على البلاغ ودلف إلى الشقة الواقعة بالطابق الثالت بالعقار رقم 15، رائحة الدماء والقتل تفوح في المكان، طالما زكمت تلك الرائحة أنفه أثناء فحص ومعاينة الجثث، قادته قدماه إلى غرفة الصالون ليبصر جثة السيدة مسجاة على ظهرها وبها 14 طعنة في أماكن متفرقة من الجسد، تبدو الجثة وكأنها ممزقة من كثرة الطعنات، كما أن إختيار أماكن الضربات ينم عن يد خائفة تضرب بمنتهي القسوة وهدفها أخذ الروح من هذا الجسد ولا شيء آخر، انتهى ضابط المباحث من معاينته الأولية وحينها وصلت النيابة وشرعت في المعاينة لاستكمال الفحص والتحقيق.
وقف ضابط المباحث حائرًا يبحث عما يقوده لاسترجاع حق تلك المسكينة والقبض على قاتلها وتقديمه للمحاكمة، عيناه تجوب المكان من الأعلى إلى الأسفل لعله يبوح بأي شيء يقوده لفك لغز القضية، وقعت عيناه على «صينية» مشروبات وعليها كوبان، اتسعت عيناه ورحب بطرف الخيط وانطلق نحوه ليرفعه بحرص من مكانه ليحافظ على البصمات، الآن بدأت الرؤية تتضح قليلًا بعدما تبين له أن القاتل دخل الشقة بطريقة شرعية ومعه «دليل الاستضافة» أي أنه دخل وقدمت المجني عليها له المشروب وبعدها انتهز الفرصة وانهال عليها بالطعنات وأرداها جثة هامدة، رفع خبراء الادلة الجنائية البصمات من على الأكواب وتم إرسالها للمصلحة لرفعها ومضاهاتها ببصمات المسجلين خطر وذوي الجرائم بدائرة القسم والدوائر القريبة. 


وبالتزامن مع ذلك كان ضابط المباحث يفحص دائرة المشتبه فيهم وأنظاره تتجه إلى أبناء الضحية «ثلاثة فتيات» وازواجهن، لاسيما أن الضحية باعت حديثًا منزلها باحدي مناطق القاهرة القديمة وتحصلت على مبلغ «كبير» وهو سبب ربما كافيًا لقتل هذه المسكينة والاستيلاء على أموالها.


ووسط نوبات من الصراخ والبكاء المستمر بدأت رحلة ضابط المباحث لمناقشة الفتيات وتكثيف التحقيقات معهن لكشف خيوط الجريمة، كانت أقوالهن جميعًا شبه متقاربة،حيث شغلت الحياة كل واحدة منهن مع زوجها وأطفالها واهملوا الضحية ومن حين لآخر كانوا يزورونها لمدة ساعة أو أقل، ويوم الواقعة تلقوا اتصال من نجل خالتهم ويدعى « عيد » يخبرهم أنه اتصل كثيرًا على والدتهم ولكن هاتفها مغلق لأكثر من 24 ساعة وكان من عادته أنه يبرها ويتصل بها من حين لآخر ويسأل عن أحوالها ولا تخلو مكالماته من تذكيرها بأيام زمان ونقاشاتهم وسهرات الأسرة القديمة في بيت جدهم حتى أنها كانت تنتظر مكالمته وهي تنظر لهاتفها بتلهف وكأنه «العيد قادم» 


مر الآن أكثر من 48 ساعة ومازالت التحقيقات مستمرة ولا يوجد لدينا سوى بصمات على كوب المشروب لشخص مجهول وساءت الأمور بعدما ورد تقرير المعمل الجنائي والذي أكد أنه بمضاهاة تلك البصمات مع البصمات المسجلة كانت النتيجة «صفر» ولا يوجد أي بيانات لتلك البصمات لديهم.

ساد صمت رتيب في مكتب ضابط المباحث الذي غلب النعاس عيناه بعدما مر ما يقرب من ثلاثة أيام عليه بدون نوم، هاتفه لا يبرح الرنين كل دقيقة ومدير المباحث وكأنه تفرغ تمامًا لتلك القضية «عملنا ايه يا هاني »، يريد الحصول من الضابط على نتيجة سريعة وبشرى بالقبض على ذاك المجرم الذي قتل تلك السيدة بلا رحمة، وفجأة قطع ذلك الصمت صوت رنين هاتف إيمان نجلة الضحية أثناء استكمال التحقيق، طلب منها الضابط أن ترد على الهاتف بعدما أخبرته أن المتصل هو «عيد» نجل خالتها الذي يعمل في مدينة شرم الشيخ والذي سبق واتصل بها وقال ان هاتف والدتها مغلق وكان السبب في اكتشاف الجريمة، ردت على الهاتف وأخبرها «عيد» أنه جاء من مدينة شرم الشيخ ليقف معهم في محنتهم وجلب لهم طعام وملابس وأنه اقترب من قسم الشرطة وسيكون خلال دقائق أمامها، دخل نجل خالتها القسم ووصل إلى مكتب ضابط المباحث، بمجرد دلوفه داخل المكتب التقطته عيناي الضابط وطلب منه أن يخرج كل ما في طيات ملابسه وكانت المفاجأة أن قطعة صغيرة من مخدر الحشيش كانت عالقة داخل «جيبه» وقاده حظه العثر إلى مكتب ضابط المباحث الذي كاد أن يفقد السيطرة على نفسه جراء هذا الفعل، كيف تجرؤ على الدخول بمخدر الحشيش إلى مكتب هاني أ، وكان ضابط مباحث معروف عنه أنه صائد « تجار ومتعاطي » المواد المخدرة وعدوهم الأول، هو يرى أنهم السبب في كل جريمة والحلقة المفقودة في كل خراب، طرق جرس مكتبه واستدعى أحد أمناء الشرطة وطلب منه ايداعه داخل الغرفة المجاورة لحين الانتهاء من تحقيقات قضية القتل « مش فايقله دلوقتي»، كان هذا المبرر كفيل بالقاء حائز المواد المخدرة في الغرفة المجاورة مع مجموعة من المجرمين. 


التقط سيجارة من علبته الثالثة خلال ساعات قليلة وأشعلها ونفخ دخانه في وجه الفتاة متعجبًا، «ابن خالتك داخلي لحد هنا بالحشيش ده انتوا عيلة سوابق بقى »، لم يستطع الضابط التحكم في ذلك «الحدس» الذي كان يقوده بقوة أن القاتل هو احدى الفتيات ولكن من يعلم، فاضت عيناي الفتاة بالدموع وتذكرت والدتها وتقصيرها في حقها طوال السنوات الماضية.


تذكر «هيرو» الذي دخل القسم وفي «جيبه» الحشيش وارتسمت ابتسامة تعجب على ثغره واستدعاه ليستكمل التحقيق معه، دخل عيد المكتب ولاحظ الضابط أن يداه ملطخة «بحبر الفيش »، وعلم أنه أثناء أخذ بصمات باقي المتهمين في الغرفة قام أمين شرطة برفع بصماته تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاه وذلك لاتهامه بحيازة جوهر الحشيش المخدر، وتم إرسالها لمصلحة الأدلة الجنائية لاستكمال البيانات، صرفه الضابط من مكتبه بعدما قال له «مين عارف يمكن عامل مصيبة وهربان» 


خلد الضابط إلى النوم بعد مجهود مضاعف خلال ثلاثة أيام فقد فيهم طاقته وتركيزه واستيقظ في صباح اليوم التالى على رنين هاتفه وصوت مدير المباحث الجنائية يكاد يخرج من السماعة، يبحث عن أجوبة لتلك القضية، أخبره ضابط المباحث أن التحقيق مستمر، وطلب منه أن يمهله ساعات معدودة، أغلق الهاتف وشرد حائرًا متسائلًا كيف ستنحل تلك القضايا المعقدة التي تملأ مكتبه ورأسه، طرق الباب وإذا بأحد معاوني المباحث يسأله عن شخص يدعى « عيد عبد الرحمن سليم » كان الاسم مازال في أذن الضابط لأنه لم ينسى ما فعله صاحب الإسم ليلة الأمس بعدما دخل مكتبه بقطعة من الحشيش فاخرة النوع وآثار ذلك غضبه بالتأكيد، أجاب الضابط معاونه أنه على ذمة التحقيق في حيازته لمادة مخدرة وأن الكمية صغيرة والأمور على ما يرام، بدل الضابط نبرة صوته وبدأ يتحدث بشكل أكثر صرامة، يافندم تلقيت اتصال من الأدلة الجنائية الآن وأخبروني أن نتيجة مضاهاة بصمات «عيد» هي نفس البصمات الموجودة على كوب المشروب الذي عثرنا عليه داخل شقة القتيلة، اتسعت عيناي الضابط وفتح فمه متعجبًا مما يقوله معاونه ليذهب مسرعًا إلى غرفة الحجز وأخرجه منها وواجهه بنتيجة فحص البصمات وتقرير الأدلة الجنائية، وهنا خر المتهم باعترافات تفصيلية عن الواقعة، وتبين أنه نفذها بعدما نما إلى علمه أن السيدة باعت منزلها حديثًا وأنها محتفظة بالأموال في شقتها، جاء على الفور من شرم الشيخ واستغل ثقتها فيه ومحبتها له، وطرق الباب وما أن فتحت له وابصرته حتى انهمرت بالبكاء وحضنته وطلبت منه المكوث معها ليقطع هذا الصمت المميت، قدمت له المجني عليها المشروب،وذهبت لاستكمال تحضير الطعام، وما أن تحين الفرصة حتى انهال عليها بالطعنات وارداها قتيلة، وبعثر الشقة رأسا على عقب ولم يجد سوى 500 جنيه، وخاتم وسلسلة ذهبية،وانطلق في ستر الليل بعيدًا عن مسرح الجريمة، حرر الضابط محضر الواقعة بأقوال المتهم وتم إحالته للنيابة العامة والمحاكمة الجنائية العاجلة وقضت المحكمة بإعدامه شنقًا.