الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبارك: فصل من التاريخ (6)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما زلنا نسطر سيرة الرئيس الراحل حسنى مبارك التى لم أكن أعرف عنها شيئا قبل أن أشرع فى كتابة المسلسل الإذاعى سيرة ومسيرة، حيث توقفنا فى المقال السابق عند ترشحه للبعثة الدراسية الأولى فى روسيا سنة ١٩٥٩ حيث التحق بالأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية ليتدرب على القاذفة «اليوشن ٢٨» وذلك لمدة تسعة أشهر، وواقع الامر أن مبارك سافر إلى الاتحاد السوفيتى فى ثلاث بعثات دراسية متتالية،الأولى كما ذكرنا فى ٥٩ والثانية فى ١٩٦١ وذلك للتدريب على القاذفات الثقيلة والثالثة فى ١٩٦٤، وذلك للدراسة فى أكاديمية فرونز العسكرية والتى حصل منها على درجة الماجستير فى العلوم العسكرية، وخلال إقامته بروسيا اكتسب مبارك بعض مفردات اللغة الروسية، كما شاهد مسرح البولشوى عدة مرات، وهو من صرح بذلك فى أحد لقاءاته الصحفية، ويبدو أنه لم يفعل ذلك إلا فى البعثة الثانية التى رافقه فيها زميل دراسته محمد عبدالحليم أبوغزالة، فمبارك كان يميل إلى الحياة العسكرية الجافة، وكان ينكب على الدراسة النظرية والعملية وهو لا يهوى السهر ولا الصخب، ويميل إلى العزلة وينأى بنفسه عن المشكلات وعن كتبه التقارير فى زمن كان الأخ يكتب فيه تقريرا عن أخيه، وكان أعضاء البعثات الدراسية يتجسسون على بعضهم البعض، ويرسلون التقارير إلى منظمة الشباب والاتحاد الاشتراكى، ومن قبله الاتحاد القومى، أما أبوغزالة فقد كان اجتماعيا أكثر من مبارك، وكان محبا للخروج والتعرف على الثقافات المختلفة، ولذا فقد ترك أبوغزالة بعض المؤلفات العسكرية المهمة، وأيضا بعض الترجمات ومنها كتاب الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون «نصر بلا حرب» ذلك الكتاب الخطير الذى سبق وأن كتبنا عنه عدة مقالات فى هذه الزاوية، حيث يؤكد نيكسون أن الحرب بالمواجهة العسكرية صارت غير مضمونة، وذلك بعدما حدث لأمريكا فى فيتنام، وبعدما حدث لإسرائيل فى ٧٣، ومن هنا فكر نيكسون كما يذكر فى الكتاب مع وزير خارجيته الداهية هنرى كيسنجر فى وضع تصور جديد للمعركة أو للحرب التى لايمكن خسارتها فتوصلا إلى فكرة الانتصار دون حرب عن طريق أجهزة الاستخبارات واستخدام الإعلام وخلق الجماعات الموالية لأمريكا والمدعومة منها لإحداث الخلل فى الدولة التى يراد لها ذلك، وقد تحدث فى الجزء الأول من الكتاب عن الاتحاد السوفيتى وكيفية الانتصار عليه دون حرب حقيقية قد تؤدى إلى فناء البشرية، وفى الجزء الثانى تحدث عن الشرق الأوسط وعن ضرورة دعم الجماعات الأصولية لأنها تمثل تهديدا للأنظمة، وبعيدا عن هذا الكتاب الخطير وعودة إلى أبوغزالة فيبدو أنه من أخرج مبارك أثناء البعثة من وحدته التى كان يفرضها على نفسه وهو من اصطحبه إلى مسرح البولشوى، وأثناء البعثة الأولى لمبارك رزق بابنه الأكبر علاء، وذلك فى نوفمبر ١٩٦٠، والذى يكبر شقيقه جمال بثلاث سنوات كاملة، وما إن عاد من بعثاته الدراسية حتى وجد نفسه مشاركا فى حرب اليمن، وكان مبارك مميزا بقدرته على قيادة القاذفة ku-١٦ والقاذفة اليوشن، وهى من قاذفات القنابل بعيدة المدى، وكان مبارك ينطلق من مطار ألماظة محلقا فوق البحر الأحمر بعيدا عن المجال الجوى السعودى ووصولا إلى اليمن لتنفيذ الضربات والعودة مرة أخرى دون توقف فى مغامرة ورحلة خطرة تزيد مدتها على عشر ساعات، وفى إحدى هذه المرات تعرضت طائرة مبارك لهجوم صاروخى من قبل القوات الموالية للأمير البدر، وقد نجح مبارك بالهروب بطائرته والنزول فى أسوان، وتم إبلاغ الرئيس عبدالناصر آنذاك بالحادث فكانت من المرات الأولى التى يسمع فيها عن حسنى مبارك، وما إن انتهت حرب اليمن حتى حلت الكارثة أو النكسة والتى كتب عنها مبارك « فى هذا اليوم الأشد حزنا فى مراحل حياتى وقعت أعظم هزائمى الوطنية والشخصية، فقدت سلاحى أمام عينى، وخسرت بلادى سلاحها الجوى ومنيت بهزيمة عسكرية كبرى»، ويروى مبارك فى كتابه الوحيد «كلمة السر» تفاصيل ذلك اليوم المؤلم فيقول» بعد ليلة من النوم المتقطع هاجمنى خلالها أرق غريب، لم أدرك سببه على وجه التحديد، لقد أرجعت هذا الأرق إلى إحساس بتوتر الموقف العسكرى بيننا وبين العدو.. كنت منذ عودتى من بعثتى الدراسية إلى الاتحاد السوفيتى أتولى قيادة لواء القاذفات الثقيلة «ت ى ١٦» وهو منصب كان يجر على الكثير من المتاعب التى تخلقها الشللية التى كانت منتشرة بشكل مرضى على مستوى القيادة قبل ٥ يونيو، وكان سلاحى الوحيد فى مواجهة هذا الوباء الشللية- هو الانهماك فى العمل إلى الحد الذى لايسمح لى أنا شخصيا بالوقت الكافى للتفكير فى تصرفات الشلل المحدقة بى « كان الرجل يقيم فى بنى سويف حيث القاعدة الجوية التى يقودها، وكان كل شيء يبدو هادئا، ولم يلح فى الأفق ماينذر إلى احتمال وقوع الحرب، ويقول مبارك» لم يرد للقاعدة من القيادة فى القاهرة أى توجيه بمهام» فقرر مبارك القيام بطلعة تدريبية فى صباح الاثنين ٥ يونيو بمرافقة خمسة من طيارى القاعدة وفى الساعة التاسعة والربع صباحا وبينما مبارك يطير فوق سحاب منخفض لم يتجاوز ثلاثمائة متر اهتزت أجهزة اللاسلكى بخبر الكارثة «وللحديث بقية..