الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آيات القراءة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يعد العالم بكل ما فيه من أحداث وحوادث، وحروب ونكبات، وأوبئة ومخاوف، وصغار وصغائر، وأحقاد وضغائن، وقتلى بالآلاف بسبب ودون سبب مثيرا للدهشة أبدا.. بل بات مثيرا للغثيان والشفقة.

لا أحد فى هذا العالم يخبرنا بالحقيقة، لا أحد يبادر لينشر الحب والسلام بدلا من زرع الكراهية والحرب لنحصد الخراب والموت.. لا أحد يستطيع وسط كل هذه العتمة أن يقف على حقيقة ما يقع ويجرى، وحدها الكتب التى تذكر الحقائق دون تمويه، وحدها الكتب التى تفيض بالحب مع قطع النظر عن موضوعاتها ومحتوياتها.

وحدها الكتب التى تضع المسافات العادلة بين الأمى والمتعلم.. والمتعلم والمثقف.. والمثقف والأستاذ فى اختصاصه وحسب.

إن كل ما يحدث حولنا يؤكد ضرورة القراءة ووجوب عودتها كفضيلة من الفضائل الغائبة لنخلق أجيالا كفؤة ومحايدة، تنتصر للعلم والحق والعدل والذوق والقيم الرفيعة.

وقال أحمد بن حنبل: «الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب فى اليوم الواحد مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه».

وقيل فى الكتاب: إنه الجليس الذى لا ينافق ولا يمل ولا يعاتبك إذا جفوته ولا يفشى سرك.

وقيل لأرسطو: كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتابا يقرأ وماذا يقرأ.

وقيل للمأمون ما ألذ الأشياء؟ قال: التنزه فى عقول الناس. يعنى القراءة. وسئل نيوتن عن سر عبقريته، فقال: لقد وقفت على أكتاف العمالقة الذين جاءوا قبلى. يعنى قراءته لكتبهم.

خلق بلا عدد ماتوا منذ أن خلق الله الأرض حتى هذه اللحظة.. وبقيت الكتب، أمم هلكت وحضارات ومدن أبيدت، وبقيت الكتب. لذا يقول الجاحظ: يذهب الحكيم وتبقى كتبه، ويذهب العقل ويبقى أثره.

الكتب تؤدى إلى واحدة من هذه الغايات الأربع: إلى الحكمة أو التقوى أو المتعة أو الفائدة. كما قال جون دنهام.

ويقول ابن عبد ربه فى «العقد الفريد»: نعم الأنيس إذا خلوت كتاب.. تلهو به إن خانك الأصحاب.. لا مفشيا سرا إذا استودعته.. وتفاد منه حكمة وصواب.

ويقول الفيلسوف الصينى كونفوشيوس: مهما بلغت درجة انشغالك فلا بد أن تجد وقتا للقراءة، وإن لم تفعل فقد أسلمت نفسك للجهل بمحض إرادتك.

وقال الرافعى: دولة السيف لا تقوى ما لم تكن قد حالفتها دولة الكتب. وقال ألبرت هيوبارد: لن يكون هناك بلد متحضر حتى ينفق على شراء الكتب أكثر مما ينفق على شراء العلكة.

ويحكى أن أحد أمراء الفرس كلما سافر كان يصطحب معه مكتبته التى تحوى أكثر من مائة ألف كتاب على ظهر قافلة من الجمال مرتبة حسب الحروف الأبجدية لأنه لا يطيق الانفصال عنها.

ويقول الجاحظ فى كتاب «الحيوان»: قال ابن داحة: كان عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، لا يجالس الناس، وينزل مقبرة من المقابر، وكان لا يكاد يُرى إلا وفى يده كتاب يقرؤه، فسئل عن ذلك، وعن نزوله المقبرة؟ فقال: لم أر أوعظ من قبر، ولا أمتع من كتاب، ولا أسلم من الوحدة. فقيل له: قد جاء فى الوحدة ما جاء! فقال: ما أفسدها للجاهل وأصلحها للعاقل.

إن كان الزوال هو مصير كل الأشياء التى يحتفى بها الإنسان، فعلى الإنسان أن يحتفى بما لا يزول أى بـ«المثل العليا» كما قال أحدهم.. فهل تحوى الكتب سوى المثل العليا؟!