الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الدين للحياة".. حمدي زقزوق يقرأ هموم العالم الإسلامي ومشكلاته

الدكتور محمود حمدي
الدكتور محمود حمدي زقزوق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كتابه "الدين للحياة" الذي صدر ضمن مشروع مكتبة الأسرة في العام 2010، لمؤلفه الدكتور محمود حمدي زقزوق، أستاذ الفلسفة الإسلامية، الذي رحل عن عالمنا اليوم الأربعاء، يعرض زقزوق لمشكلات وهموم العالم الإسلامي التي ربما تنحصر في المفهوم الضيق والمحدود للثقافة الإسلامية الصحيحة، وعدم إدراك المعنى الحضاري والتاريخي لمفهوم الدين في حياة الشعوب في العالم.
كتاب زقزوق جاء بعد خبرة طويلة في تعامل الراحل مع المتشددين والمتدينين ومطالعة الحياة الفكرية الضيقة لهم، وخاصة القضايا الظاهرية التي تعد بجدارة ردة حضارية يعيشها العالم الإسلامي، فضلا عن رؤية زقزوق للأحداث المؤسفة التي وقعت بها مصر على يد المتطرفين وأصحاب الإسلام السياسي. 
يُعد الكتاب مجموعة من المقالات التي نشرت في الصحف والأبحاث التي قُدمت لمؤتمرات فكرية وفلسفية ومحاضرات في جامعات عربية، كتبت على مدى عامي 2008 و2009 حيث طبع الكتاب في العام 2010.
يتناول الكتاب في فصله الأول "الدين في حياة الأفراد والجماعات": التنوع سنة الحياة، الدين والتدين، الدين للحياة، ثقافة الأمل، أفلا يتدبرون القرآن، ردة حضارية، التأثير الديني على التشريع في مصر، مكانة القدس في حياة المسلمين، الأمة الإسلامية في مفترق الطرق.
في المقالة الأولى "التنوع سنة الحياة" التي يفتتح بها كتابه، يؤكد زقزوق على أهمية التنوع ودوره بهدف تحويله من عائق وحاجز في التعامل بين البشر إلى عامل مهم ودافع قوى لخلق حالة التعامل ومن ثم وجود قيمة التسامح والاستيعاب واحترام الآخر الذي يختلف عنا.
فهو بطريقة سلسلة يصف حالة الكون المتنوعة والتي لا تستقر على لون واحد، فصول السنة، الليل والنهار، الخير والشر، النور والظلام، الماء العذب إلى جانب الماء المالح، ألوان البشر وعقائدهم وعاداتهم ولغاتهم، وهكذا فإن التغير والتنوع يمكن اعتباره سنة في الحياة.
في مقالة "الدين والتدين" يفطن المؤلف للحالة التي مرت بها مصر عبر عقود طويلة، حيث فرضت الجماعات الدينية المتشددة معاني جديدة للدين والتدين، ليصبح الأخير حالة شكلية لا تمس الجوهر ولا تدفعه للتغيير، وهنا يقدم زقزوق المعنى الحضاري والتاريخي للدين عند كل الجماعات البشرية والشعوب، ثم يتناول مفهوم العبادة والتدين ليرى أن أداء العبادات الدينية مفهوم جزئي ولكن التدين الحقيقي في نظره "لا يأبه بالشكليات ولا يعول على المظهريات، والتقوى محلها الصدر"، ويتابع "التدين الحقيقي ينعكس أثره بشكل إيجابي وعملي في علاقة الإنسان بربه وبنفسه وببقية المخلوقات من بشر وكائنات حية وغير حية، والدين مفهوم جامع للعقيدة والشريعة والأخلاق والحضارة، وهذا العنصر الأخير للأسف الشديد هو الفريضة الغائبة في دنيا المسلمين".
يشير زقزوق إلى جماعات تحرص على التمسك بأمور شكلية لا صلة لها بجوهر الدين، "يفرضون على أنفسهم جوا مظهريا يوحى بالتدين، فاللحية تطول إلى أقصى حد والثياب قصيرة والمسبحة لا تفارق أيديهم، والبسملة والحوقلة تنساب من أفواههم بمناسبة ودون مناسبة، والتشدد المفرط في صغائر الأمور الدينية هوايتهم المفضلة"، ويتابع زقزوق في وصف قناعات تلك الجماعات حيث "الموسيقى حرام والغناء حرام حتى ولو كان في المدائح النبوية، واللهو البريء حرام، والتمثيل حرام حتى لو كان يحمل رسالة دينية أو أخلاقية أو اجتماعية، والنقاب للمرأة فرض لا يجوز أن يظهر منه إلا سواد عينيها وتتبارى بعض الفضائيات في هذا المجال، وقائمة المحرمات لا تنتهي".
يقول زقزوق إن هؤلاء جعلوا الحياة عدوا لهم، وجعلوا الدين عدوا للحياة، ويرجع سبب ذلك ضيق الأفق ومحدودية الثقافة الدينية لديهم وقلة الفقه بالدين، ويوضح رحمة الدين ودوره في إعطاء الإنسان حق التمتع بالمبهجات والطيبات من الرزق، كما أورد بعض المواقف للنبي ولصاحبته في التمتع بالطيبات والبعد عن التنطع والتشدد، وفي النهاية يعد زقزوق كل ذلك نوعًا من التدهور الديني.
في مقالته التي حملت عنوان "أفلا يتدبرون القرآن" يوضح زقزوق مكانة العقل عند الإنسان، ودعوة القرآن للمؤمن أن يقرأ القرآن ويتدبره، ثم يشرح الفرق بين التدبر والتفكر، "فالتفكر يعني تصرف العقل بالنظر في الأدلة والظواهر الإنسانية والكونية، بينما التدبر يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو تصرف العقل بالنظر في عواقب الأمور، وهذا يعني أن التدبر تأمل عميق ونظر دقيق وتقليب الأمر على وجوهه المختلفة، والبحث عما يؤول إليه في عاقبته ومنتهاه" كما يشرح المؤلف معنى "أولى الألباب" التي تتكرر في القرآن الكريم، وهم الذين يبحثون عن جوهر الأشياء وواطنها ولا يقفون كثيرا عند المظاهر والقشور.
في "ردة حضارية" يعلن زقزوق أن الذين قالوا عن العالم الإسلامي "أمة حائرة في عالم محير" باتوا صادقين، وذلك لأنه –وفق ما يقوله- يطالع في الصحف منح جائزة نوبل لسيدات من أمريكا وألمانيا وإسرائيل بينما قنوات التلفزيون في العالم الإسلامي مشغولة بمعركة حامية الوطيس حول نقاب المرأة، ليكون العالم مشغولا بالتقدم والنهضة ونحن نتردى ونتراجع إلى أقدم العصور الحجرية، وقبل تعرضه للقضية يقول زقزوق إن قضية النقاب قتلت بحثا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد رجال شرفاء ناضلوا من أجل تحرير المرأة، ويعرض في إيجاز شديد لوجوب كشف المرأة لوجهها، مؤكدا أنه "لا يجوز أن يفهم من نقاب المرأة على أنه شكل من أشكال الحرية الشخصية، إنه بالأحرى إساءة استخدام لهذه الحرية، وافتئات على حق المجتمع في ضرورة الإفصاح عن شخصيات أفراده، ضمانا لأمنه واستقراره".
في الكتاب تناول زقزوق عرض وجهة نظره في زيارة بيت المقدس للمسلمين وعدم وقفها، كما عرض للاتهامات التي وجهت إليه عقب تلك الدعوة.
أيضا في "الأمة الإسلامية في مفترق الطرق" يعرض لأهم المشكلات التي تهم العالم الإسلامي مثل إهمال العلم والحضارة، اختزال الإسلام في عدد من الشعائر الشكلية، ظواهر التشدد والتطرف، فقدان التضامن، غياب النقد الذاتي، نتائج التراجع الحضاري، كذلك يتناول سبل الخلاص.
الفصل الثاني يتناول فيه زقزوق القيم في ضوء متغيرات العصر: القيم والسلوكيات، العدل وحقوق الإنسان، السلام الاجتماعي والتوتر الطائفي، الحرية الدينية في الشريعة.
"الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية" بحث يقع ضمن عناوين الكتاب، قدمه زقزوق لمجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة عشر بإمارة الشارقة أبريل من العام 2009، وخلاله شرح مفهوم الحرية بشكل عام، وذكر القاعدة الإسلامية التي تحكم العلاقات الإنسانية وتحفظ الحريات وهي "لا ضرر ولا ضرار"، واعتبر الحرية الدينية جزء من الحرية العامة، وأشاد بمبدأ الإسلام "لا إكراه في الدين" الذي يثبت الحرية الدينية وحرية الاعتقاد، ثم يتناول قضية نسخ الآيات، وآراء العلماء في قضية حديث الردة، وهل العقوبة أخروية أم دنيوية؟ وبعد بحث طويل ينحاز زقزوق للتعددية الدينية وكفالة حرية الاعتقاد أمام البشر.
في الفصل الثالث يتناول الدكتور زقزوق عددا "من قضايا الفكر الإسلامي": الإنسان في الفكر الإسلامي، تجديد الفكر الديني، التراجع الحضاري بين التفسير التآمري وإرادة الأمة، الإسلام وهرم الأولويات المقلوب، الموروث والوافد في الثقافة الإسلامية.
وفي الفصل الرابع "الإسلام والغرب وقضايا الحوار": الحوار الحضاري واستعادة الثقة بين الإسلام والغرب، زيارة أوباما، الإسلام والغرب حوار وتواصل، الخلفية الفكرية للتصورات السلبية عن الإسلام في الإعلام الغربي، الحوار بين الأديان، دور زعماء الأديان في بناء التسامح والاحترام المتبادل.
وفي الفصل الخامس " من قضايا الفكر الفلسفي الإسلامي": الفكر الإنساني بين الحقائق والأوهام، أزمة النقد في حياتنا، التيار النقدي في الفلسفة الإسلامية، الدور التنويري لفلسفة ابن رشد، مناهج العلوم وفلسفتها من منظور إسلامي.