الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

«The Platform».. معركة البقاء للأقوى في زمن كورونا

الفيلم الإسباني «The
الفيلم الإسباني «The Platform»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زخرت السينما العالمية مؤخراً بالعديد من الأعمال السينمائية التي عكست الوجه القبيح للطبقية كل على حسب إطاره الثقافي والسياسي المحكوم به، وأيضاً باعتماد أساليب وتيمات فنية مختلفة. فبما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الصراع الأزلي استحوذ – بشكل ملحوظ العام الماضي - على المزاج العام لكثير من صناع السينما حول العالم، وهو ما يبرر الحضور القوي لموضوعاته في المحافل السينمائية الدولية كمهرجانات كان وفينيسيا وبالتأكيد جوائز الأوسكار.
ففي فيلم الدراما الأمريكي «Joker»، ناقش مخرجه تود فيليبس الطبقية من منظور سودوي بما يتناسب مع طبيعة المرض النفسي للبطل والمجتمع. وحرص الفرنسي لادج لي، في شريطه «Les Miserables» على طرح رؤية معاصرة للطبقية متأثرا برواية فيكور هوجو "البؤساء" والمعاناة التي عاصرها في الأحياء الباريسية الفقيرة منذ طفولته. أما الفيلم البرازيلي «Bacurau» للمخرجين كليبر ميندوزا فيلهو وجوليانو دورنيلز، تناول نفس الفكرة معتمداً على التجريب ودمج أكثر من نوع سينمائي، وهو ما فعله أيضاً الكوري الجنوبي بونج جون هو، في تحفته المتوجة بالأوسكار «Parasite»، لكنه يأتي في مرتبة متقدمة عن الأفلام السابق ذكرها بسبب الذكاء في توظيف عناصر السيناريو، ما جعل موضوعه غير مقتصراً على المجتمع الكوري وحسب وإنما يصلح لكل زمان ومكان.
ويأتي الفيلم الإسباني «The Platform» للمخرج الباسكي جالدير جازتيلو أورتيا، والفائز بجائزة تصويت الجمهور في قسم "جنون منتصف الليل" بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي العام الماضي، ليشكل لبنة أخرى في جدار البناء الطبقي المعقد للمجتمعات. ولكن إذا كان صناع السينما قد قتلوا موضوع الطبقية بحثاً خلال العام الماضي وبأنماط وقصص متنوعة، ما الذي يجعل هذا الفيلم مميزاً إذن؟ وهل ثمة رابط بينه وبين ما يشهده العالم حالياً من كارثة كورونا؟

الأخلاق وغريزة البقاء
يلعب الفيلم، الذي تدور أحداثه على مدار 94 دقيقة، على وتر القوة الكامنة للخوف والذي يعتبر محركاً أساسياً لغريزة البقاء عند الإنسان، وهو ما توصل إليه سيجموند فرويد بأن السلوك البشري أياً كان نوعه مدفوع بقوتين رئيسيتين هما غريزة الحياة وغريزة الموت. فما الذي قد تؤول إليه الأمور في حالة باتت غريزة البقاء موضع تهديد؟ هل سيتمسك الفرد بقيمه وسلوكه المتحضر؟ أم سينهار أمام رغبات الطمع والأنانية الكامنة في أعماقه؟
ربما الحديث عن فيلم ما تدور أحداث قصته داخل سجن أمر مألوفا لدى الكثير من المشاهدين، لكننا هنا أمام بناء افتراضي تحكمه قواعد صارمة، فالسجن مكون من طوابق لا نهائية تأخذ شكل عمودي، يحتوي كل طابق على مسجونين فقط يتغير مكانهما في هذا السلم الاجتماعي مرة كل شهر، تتحرك في منتصف البناء منصة أشبه بطاولة طعام تقف في كل مستوى يومياً لمدة دقيقتين تستطيع خلالهم أن تلتهم ما تريد من الطعام ولا يمكنك أن تحتفظ بشيء، فحينها سوف تحترق من شدة الحرارة أو ستتجمد من البرودة. فماذا سيحدث إذن؟ هل سيتحصل كل فرد على ما يكفيه من قوت يومه أم ستظهر غريزة الجوع وجهنا القبيح؟
في الواقع، لسنا بحاجة إلى التعرض للتاريخ الإنساني إذا ما أردنا الحديث عن السلوك ودوافع الفرد في أوقات الأزمات والشدائد، فنحن خلال الأيام القليلة الماضية عاصرنا مثالاً حياً للوجه الحقيقي لطبيعتنا البشرية، حين قام ألاف المواطنين ممن يمثلون خلفيات لمجتمعات متحضرة ومتأخرة، بالتهام السلع من الأسواق التجارية خوفا من التفشي السريع لفيروس كورونا وإجراءات الحجر الصحي التي فرضتها الحكومات للحد من انتشاره، ما سبب نقص حاد في السلع الأساسية واستحالة وصولها أو توزيعها بحصص عادلة بين الجميع، في حين إذا كان كل شخص قد قام بتحصيل ما يكفيه من احتياجات لظلت السلع متوافرة أمام الجميع.
هذه هي الفكرة الأساسية التي أعتمد عليها الفيلم إذن وهي بالطبع ما أكسبته قوة وتأثيراً واسعاً جعله من أكثر الأفلام مشاهدة حول العالم خلال الوقت الراهن، خاصة وأننا نعيش الأن في ظروف مماثلة لهؤلاء المساجين، الذين خرجت غرائزهم الحيوانية إلى النور مع أول اختبار حقيقي، وفقد الجميع القدرة على التواصل تحت رحمة العزلة، سلم اجتماعي لا يرحم فيه القوي الضعيف حتى وإن تبدلت الأدوار.

بطل من ورق
"إن تخليص العالم من إحدى الحماقات بمساعدة أخرى لهي حماقة أكبر" 
هكذا تحدث الكاتب الإسباني بالتاسار جراثيان موراليس، عن رواية "دون كيشوت" للروائي الإسباني الشهير ميخائيل دي سرفانتس، والتي تعتبر علامة فارقة في فن الرواية الحديثة، إذ يقدم "سرفانتس" خلالها نموذجا للفروسية الزائفة من خلال بطله ألونسو كيخانو الذي يقرر يوما ما أن يصبح فارسا بعد أن بلغ الخمسين من عمره ويطلق على نفسه لاحقاً اسم "دون كيشوت" تيمنا وولعا بفرسان أساطير العصور الوسطى، ليخوض بعدها سلسلة من المغامرات الطريفة كان أبرزها محاربة طواحين الهواء التي توهم أنها شياطين لها أذرع هائلة تقوم بنشر الشر في العالم. ليدرك في نهاية رحلته البائسة أنه كان مخطئاً، آخذاً في لعن الفروسية قائلاً: "لقد كنت مجنوناً والآن صرت عاقلاً".
بالعودة إلى «The Platform» يستيقظ بطل الفيلم جورينج، يجسده الممثل إيفان مساجوي، في بداية القصة ليجد نفسه في الطابق الـ48 برفقة سجين آخر تيرماجاسي (زوريون إجويلور)، وما أن تتوطد علاقتهما بشكل تدريجي نكتشف أن سبب وجود تيرماجاسي في هذا المكان القاسي كان بسبب قتله شخصا ما عن طريق الخطأ، أما بطل حكايتنا جورينج فقد جاء بكامل إرادته، بعدما أبرم صفقة مع إدارة السجن بقضاء فترة 6 أشهر مقابل منحه درجة علمية مرموقة.
بالتأكيد هذا يفسر سبب تمسكه برواية "دون كيشوت"، التي أصر على حملها معه خلال فترة العقوبة، فهو يسير على درب تخيلات وتوهمات فارس "سرفانتس" غير العقلانية والتي ستقوده بلا شك في النهاية إلى الهلاك. ففي حين كان بمقدوره الحصول على درجته العلمية بطريقة أو بأخرى، فضّل جورينج محاربة طواحين الهواء والإرتكان إلى خيالاته وأوهامه، معلنا عن نفسه مخلصا يسعى لنشر العدل ومساعدة المستضعفين، غير مبالياً بقواعد هيراركية السلطة التي لا ترحم، تلك التي تدفع كل صاحب نفوذ لأن يطأ بقدمه كل من هو أضعف منه. فالشاهد هنا ليس الانتقام أو تحقيق المساواة بطبيعة الحال، إنها غريزة البقاء التي فطر عليها كل كائن حي.
إن بنية «The Platform» الدرامية وضعته في موضع مقارنات مع مكعب فينشنزو نتالي «Cube» إنتاج 1997، وقطار بونج جون هو «Snowpiercer» من إنتاج 2013، إلا أن ما يميز تلك القطعة الأصلية هو اخلاصها لنوعها من أفلام الرعب على الرغم من الرسائل الاجتماعية المنتشرة على طول الطريق، حيث أتى العمل بفكرة طازجة أبقت المشاهد في حالة خوف وتشويق حتى النهاية. عزز من ذلك البراعة في عملية تصميم الإنتاج بميزانية محدودة لم تتخطى 1.9 مليون دولار، وهي سمة أساسية اعتدنا عليها مؤخراً بأعمال «نتفليكس»، جعلت منه انعكاسا مرعبا للعالم الذي نعيشه اليوم.