الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل ستلهم "الكورونا" الأدباء كما فعل الطاعون؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عبرت الإبداعات الأدبية عبر الأزمنة المتلاحقة عن الأزمات التى عانت منها الشعوب من جراء الأوبئة والفيروسات التى انتشرت في تلك المدن وقتلت الملايين من البشر، وكشفت عن مدى هشاشة الإنسان وعجزه أمام تلك الألغاز الغامضة التى تواجهه.
وقد ألهم الطاعون والكوليرا والفيروسات القاتلة التى عرفها العالم على مر العصور، الكثير من الأدباء لتسجيل أحاسيس ومخاوف البشر.
مع انتشار فيروس «الكورونا» المستجد الذى اجتاح العالم مؤخرا وقتل الآلاف من البشر، سيطرت حالة من الهلع والذعر والرعب على قلوب كل شعوب الأرض، وهو ما ستسجله حتمًا الحركة الأدبية لاحقًا، لاسيما أن تلك الأوبئة تجعل المجتمعات تشهد تغيرات جوهرية في نمط سلوكها اليومى، كما تخلف قيمًا وأفكارًا ورؤى جديدة للحياة الإنسانية لم يكن لها وجود قبل المحنة.
يقول الكاتب إد سايمون في مقال في صحيفة «ذا مليونز» الإلكترونية إن أدب الوباء كان موجودًا دائمًا، لأن الأوبئة كانت موجودة دائمًا أيضًا، وما يميز أدب الوباء، الطاعون، والجائحة هو اكتشاف (إن لم يكن نوعًا من التفسير) المعنى المستخرج من التجربة الحية للذعر، الرعب، واليأس، الأدب هنا يسعى لإيقاف النزيف، مهما كان ذلك السعى يائسًا.
إن وجود أدب الوباء ليس مقصورًا على تحليل الأسباب التي أدت إلى ذلك الوباء - قد لا يكون ذلك حتى هدفًا رئيسًا من أهدافه، رواية القصص هى في حقيقة الأمر وسيلة للتذكير بأن العقل لا يزال موجودًا في مكان ما، وإن ثمة معنى على الأقل داخل الحكايات المخترعة، الأدب عملية إصلاح تواجه ما يمثله المرض، وتنتهى لأن العالم ليس لنا، حسب ما يقول الراوى في رواية «الطاعون» لألبير كامو. 
الرواية التى حازت على جائزة نوبل في الأدب، تدور حول الطاعون الذى انتشر بسبب الجرذان في مدينة وهران الجزائرية، ورغم أنها تغطى طبقات اجتماعية مختلفة من الطبيب إلى المطلوب لدى العدالة، إلا أنها ترصد وقع الوباء وقسوته على الطبقة الشعبية تحديدا، كما يوضح مؤلفها كيف تصدى له العاملون في المجال الطبي، وتطرح الرواية أسئلة حول ماهية القدر والوضعية الإنسانية، وكيف يمكن مواجهة هذا المرض الفوضوى، على الرغم من القوة التى تتمتع بها الدول والتطور التكنولوجى الكبير يأت مجرد فيروس أقوى من الأسلحة الفتاكة، يقتل كل من يدنو منه!.
من أبرز الإبداع الأدبى الذى أفرزه الطاعون أيضا رواية «الديكاميرون» للشاعر والروائى الإيطالى جيوفانى بوكاتشيو والتى تعد من أكثر الأعمال العالقة بالذاكرة، والديكاميرون هى كلمة يونانية مركبة وتعنى باللغة العربية أحداث الأيام العشرة.
والغريب أن هذا العمل الروائى المدهش تدور أحداثه أيضًا في إيطاليا وهى من أكثر الدول التى نال منها وباء الكورونا المستجد، حيث حصد آلاف الأرواح من الإيطاليين حتى الآن، وخيم شبح الموت على مدنها وبث الرعب في قلوب شعبها الطيب، وفى الرواية يسلط بوكاتشيو الضوء على سبع شابات وثلاثة شبان يقطنون بإيطاليا في فترة الموت الأسود عندما اجتاح الطاعون مدينة فلورنسا، وسيطر شبح الموت على المدينة بأكملها، ما دفع هؤلاء الشباب إلى الهرب في فيلا مهجورة بالريف لمدة أسبوعين.
أثناء تلك العزلة الإجبارية أخذ يروى كل فرد من المجموعة قصة مسلية لقضاء الأمسيات في كل ليلة، باستثناء يوم واحد في الأسبوع كان مخصصًا للأعمال المنزلية والأيام المقدسة التى لا يعملون فيها على الإطلاق، بالتالي كان هناك عشر ليال لسرد القصص على مدى أسبوعين. وهكذا، بلغ القصص التى رويت في نهاية الأسبوعين نحو مائة قصة.
تنوعت القصص في «الديكاميرون»، وكلها حكايات لم تكن تخلو من الطرافة والمقالب ودروس الحياة رغم قسوة الواقع والأحداث، حيث يُنصب كل شخص من العشرة ملكًا أو ملكة على المجموعة لمدة يوم واحد خلال الأيام العشرة، وتشمل هذه الصلاحية اختيار موضوع القصص لهذا اليوم، فكانت يوما عن قوة الثروة، ويوما آخر عن قوة الإرادة البشرية، وحكايات الحب التى تنتهى بشكل مأساوى أو تنتهى بسعادة، والحيل التى تمارسها النساء على الرجال والحيل التى يمارسها الناس على بعضهم البعض، وأمثلة أخرى عن الفضيلة. 
إلى جانب سرد مجموعة القصص المثيرة، مع رصد للأغانى الشعبية الإيطالية، إذ حاول بوكاتشيو أن يحبك الاختلافات وتقلبات الشخصيات، كذلك تشمل الحبكات الأساسية للقصص السخرية من شهوة وجشع رجال الدين، والتوترات في المجتمع الإيطالى بين الطبقة الغنية الجديدة والأسر النبيلة، ومغامرات التجار المسافرين والمخاطر التي يخوضونها، كما يقدم الكتاب أيضًا إلى جانب قيمته الأدبية وتأثيره، توثيقًا عن الحياة في تلك الفترة من الزمن.
هكذا باتت تلك الحكايات بمثابة المخدر أو المسكن الذى باعد بين هؤلاء الشباب وبين ما يدور من جحيم حولهم، وكأنهم اختاروا غض البصر عن البشر الذين تزهق أرواحهم على الجانب الآخر من المدينة المليئة بجثامين الموتى.
في السياق ذاته نجد رواية «الحرافيش» حيث تحدث الأديب العالمى نجيب محفوظ عن الوباء الذى استفحل في حارات مصر، وقضى على الأخضر واليابس، ويصف محفوظ الدمار والنعوش والأحزان التى كست الحارات قائلا «تفاقم الأمر واستفحل، دبت في ممر القرافة حياة جديدة، يسير فيه النعش وراء النعش، يكتظ بالمشيعين. وأحيانا تتتابع النعوش كالطابور، في كل بيت نواح، بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد! لا يفرق هذا الموت الكاسح بين غنى وفقير، قوى وضعيف، امرأة ورجل، عجوز وطفل. إنه يطارد الخلق بهراوة الفناء، وترامت أخبار مماثلة من الحارات المجاورة فاستحكم الحصار. 
كذلك رواية «المحطة الحادية عشرة» للكاتبة الكندية إيميلى سانت جون مانديل التى شهدت في أمريكا الشمالية نجاحًا باهرًا، وحصلت على جائزة الكتاب الوطنى، بعد أن باعت أكثر من نصف مليون نسخة وترجمت الرواية حتى الآن إلى 30 لغة، ومعظم أحداث الرواية تقع بعد بضع سنوات من تسبب «الإنفلونزا الجورجية» بقتل عدد ضخم من البشر، كما ذهبت الرواية إلى أن نهاية العالم ستكون على يد هذا الفيروس القاتل، ليظهر بعده عالم الأشباح المرعب، والذى سيكون عالمًا مظلمًا ومليئًا بالحيوانات المفترسة، حتى أن الناس سوف يعزلون أنفسهم داخل البيوت في محاولة للحفاظ على أرواحهم، مثلما يحدث في العالم الآن.