الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورونا تكشف عورات البحث العلمى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعتقد أننى لم أكن وحدى الذى يعانى من الخجل بسبب انتظار بلاده لمن يكتشف لها مصلا ولقاحا يقاوم به الكائن الفيروسى «كورونا» الذى هدد كل إنسان في المعمورة.
مصدر خجلى أن بلادى ليست من تلك الدول التى تتسابق في ميدان البحث والعلم مثلها مثل عدد آخر من دول العالم ومن بينها دولة الكيان الصهيونى.
خجلى يتضاعف أيضا لأن دول العرب من المحيط إلى الخليج لم تشمر ساعديها للنزول إلى مضمار السباق أو حلبة الصراع لإنقاذ البشرية من الجائحة التى ألمت بها وتهدد وجودها.
خجول لأنى أنتمى إلى أمة استكانت ووضعت مقاديرها رهن أصابع الآخرين مصيرها مرتبط بما سيتوصل إليه باحث أو عالم في معمله في دول الغرب والشرق وليس من بينها دولة واحدة عربية أو حتى دولة إسلامية، وأصبحت الأمة التى انتمى إليها تكتفى بالانتظار في مقاعد المتفرجين القانعين بمراكزهم المستقرة في أدنى القاع.
خجلى أن وطنى الممتد من البحر إلى البحر عاجز عن مجرد المشاركة والبحث، ينتظر من يحدد له مصيره كمن أصابه عته في عقله أو عجز في تفكيره وأمره وقيادة كله بيد غيره، لا يملك من أمره شيئًا.
وطنى الممتد من البحر إلى البحر يمتلك من الثراء ما يجعله محطا لأنظار كبار العالم وأثريائه بما يملكه من منح ربانية لم يجهد نفسه في إنتاجها من نفط وغاز بل خلقها ومنحها له إله سخى أعطانا من نعمه وأجزل لنا العطاء بلا سبب ولا تعب.
ولكن بلادى ما زالت لا تحسن صيانة النعم ولا تتصرف بحكمة فيما أنعم به ربها عليها. وما زالت تتوجس من ملامسة آفاق العلم وتتهيب طرق أبوابه وتستمتع بمقعد المتفرج الذى ينتظر ما يؤديه فريق العمل على مسرح العلم مكتفيا بدفع الأجرة للأبطال والتصفيق لهم كلما أحسنوا العمل وأجادوا الإداء.
الاستثمار في العلم هو الذى جعل من أوروبا وأمريكا والصين واليابان دولا عظمى رغم فقرها في إنتاج البترول والنفط والثروات الطبيعية، وبالعلم فقط يمكنها أن تبيع دواء لا تتعدى تكلفته قروشا قليلة بآلاف الجنيهات، وتجد نفسها مجبرة على شراء هذا الدواء لأنه يعنى لها الحياة وبدونه لا يمكنها أن تتمتع بما كنزته من مال وعقارات.
بالعلم وحده تستطيع الدول أن تملك قوتها الذى تعتاش عليه، وقوتها التى تبطش بها، وتهدد بها العالم بأسره، وبدون العلم نظل هكذا تابعين خانعين قانعين بموقعنا في ذيل الأمم، قيادنا في يد غيرنا كما الأنعام التى يقودها سيدها وقائدها.
من حقى أن أخجل لأن بلادى عامرة بالعلماء وبمراكز البحث ذات الخبرة الطويلة في إنتاج الأدوية والأمصال واللقاحات وأسست من أجل ذلك هيئة المصل واللقاح المعروفة باسم «فاكسيرا» منذ الخمسينات، لكنها الآن شبه معطلة بسبب عدم الاهتمام بتمويلها ماديا وتوفير المواد اللازمة لتشغيلها. ما جعلها تكاد تكون شبه معطلة منذ عدة عقود وأصبحت تقوم بأعمال شبه روتينية. بتوفير بعض الأمصال واللقاحات المعروفة أبرزها لقاح الأنفلونزا الموسمية الذى يحرص كبار السن والمرضى على تناوله كل عام مع قدوم الشتاء.
ويجدر بنا هنا أن نوضح بشكل موجز الفرق ما بين المصل واللقاح وهو بحسب المختصين من أهل العلم هو فرق يقع بحسب طبيعة المادة المكونة لكل منهما حيث يتكون المصل من أجسام مضادة بينما يتكون اللقاح من البكتيريا أو الفيروس المسبب للمرض أو أجزاء منهما، فعند إعطاء اللقاح يتم تحفيز الجسم ليكون مناعة متمثلة بالأجسام المضادة ضد مسببات المرض، بينما عند إعطاء المصل لا يكون الجسم أجسامًا مضادة، لأن المصل عبارة عن أجسام مضادة جاهزة لمقاومة المرض. 
كما أن مفعول الحماية عند استخدام المصل فورى بينما يحتاج اللقاح إلى عدة أسابيع حتى يبدأ بتنشيط مناعة الجسم لتقوم بحمايته من المرض. ومفعول المصل قصير نسبيًا بالمقارنة مع اللقاح، حيث يستمر مفعول المصل من عدة أسابيع لعدة أشهر، بينما يكون مفعول اللقاح أطول ويتحدد بحسب نوعه وقد يستمر مفعول بعض أنواع اللقاح مدى الحياة.
وتعتبر هيئة المصل واللقاح المصرية هى أول مؤسسة بحثية علمية من نوعها عربيًا وأفريقيًا بل وشرق أوسطيًا ولكنها الآن تراجعت أمام الميزانية التى رصدتها لها الدولة على مدى العقود الثلاثة الماضية في الوقت الذى بدأت فيه دولة الكيان الصهيونى تنشط في مجال البحث العلمى حتى أصبحت الدولة الرابعة عالميا في تقديم الأوراق البحثية كما سبقتنا بعض الدول الأخرى في المنطقة منها دول أفريقية مثل رواندا وجنوب أفريقيا.
لا يمكن لأمة أن تعيش عصرها إلا إذا امتلكت أدوات هذا العصر وإذا لم تفعل ستظل خارج التاريخ على هامش الحياة. وهو ما لا نرضاه لأمتنا.