الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

احتدام الصراع على قيادة اقتصاد العالم.. «واشنطن – بكين».. حرب تكسير عظام «ترامب» أطلق شرارة المعركة بإعلان فرض رسوم وضرائب على منتجات صينية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أصبحت الولايات المتحدة منذ عام ١٩٨٩ أكبر مستورد للسلع الصينية؛ وفى عام ٢٠١٥ أصبحت الصين أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة بدلا من كندًا، حيث وصل حجم تبادل السلع بينهما ما قيمته ٥٠٠ مليار دولار؛ ما يمثل ١٥٪ من إجمالى التجارة الأمريكية.

مع بدء العلاقات الرسمية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، شهدت العلاقات التجارية بين البلدين نموا سريعا، فبحسب الأرقام الأمريكية، كان حجم التبادل التجارى بين البلدين عام ١٩٧٩ نحو ٢.٧ مليار دولار، وصل في عام ٢٠١٠ إلى نحو ٥٠٠ مليار دولار، أي أنه تضاعف بأكثر من ١٩٣ مرة، خلال هذه الفترة الزمنية.

وبحسب تقرير أعده مركز العاصمة للأبحاث والدراسات الاقتصادية، احتل التبادل التجارى فى ٢٠١٠ مع الصين نسبة ١٤.٣٪ من حجم التبادل التجارى الدولى للولايات المتحدة، ودخل الطرفان في علاقات إستراتيجية تجارية عميقة إثر هذا التبادل الكبير، وكان هذا التعاون يأتى بثماره للطرفين؛ فتستورد أمريكا منتجات من الصين أكثر من أى بلد آخر فى العالم.

وقدرت قيمة ما استوردته أمريكا في عام ٢٠١٧ من الصين بـ٥٠٥ مليارات دولار وفقا لبيانات أمريكية حكومية، في حين أن الولايات المتحدة تصدر فقط بما تبلغ قيمته ١٣٠ مليار دولار من تلك المنتجات إلى الصين، ما خلق عجزا أو فارقا بـ٣٧٥ مليار دولار، وهذا ما خلق جزءًا كبيرا من العجز التجارى مع الصين.

قبل أن نبدأ تفاصيل تلك الحرب التجارية؛ تعتبر الرسوم الجمركية واحدة من تلك الوسائل التي تستخدمها الدول من أجل حماية صناعاتها من المنافسات الأجنبية من خلال حماية منتجاتها المحلية عن طريق رفع أسعار السلع المستوردة، مما يشجع المصنعين المحليين على زيادة إنتاجهم؛ ومن ناحية أخرى تحقق هذه الرسوم عائدات ضريبية تعود بالنفع على الدولة وتزيد من إيراداتها، فهى ضرائب تفرضها الدولة على الدول الموردة لها وتدفع أثناء عبور السلع للحدود دخولًا وخروجًا، وتسمى بالتراب الجمركى الذى هو الجزء الخاضع للدولة، بما فيه المياه الإقليمية والمجال الجوى والبرى.


انطلقت شرارة الحرب التجارية بين أمريكا والصين، فور إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب في مطلع ٢٠١٨ نيته في فرض رسوم وضرائب على منتجات من ضمنها وأهمها الألواح الشمسية والغسالات الكهربائية، فيما تتمثل واردات الألواح الشمسية من الصين في ٢٠١٧ نسبة ٨٪، وتتمثل واردات الغسالات فى ٢٠١٥ ما يقرب من ١.١ بليون دولار.

في ٨ مارس من ذات العام: أعلن ترامب فرض رسوم على واردات الحديد والألومنيوم من جميع الدول، بالعلم أن الولايات المتحدة تستورد ٣ ٪ من الحديد من الصين، ثم عاود لرئيس ترامب في ٢٢ من ذات الشهر، بإعلانه فرض رسوم بنسبة ٢٥ ٪ على واردات الفولاذ، و١٠ ٪ على الألومنيوم، اللذين تستوردهما أمريكا، على أن يطبق القرار على كل دول العالم عدا المكسيك وكندا اللذين استثناهما ترامب من قراره.

في هذه الحالة يشار إلى أن الولايات المتحدة تعد أكبر مستورد للفولاذ فى العالم في حين أن الواردات الأمريكية تبلغ أربعة أضعاف ما تصدره واشنطن للعالم، وعندما اتضحت المعالم التنفيذية لقرار ترامب بشكلها الرسمى بإعلان البيت الأبيض فرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة تتخطى الـ٥٠ إلى ٦٠ مليار دولار بفرضية تقليل العجز التجارى الأمريكى الذى بلغ ٥٦٦ مليار دولار فى ٢٠١٧، منها ٣٧٥.٢ مليار دولار مع الصين- أكبر منتج للصلب والألومنيوم في العالم؛ حددت واشنطن أكثر من ١٣٠٠ منتج صينى فرضت عليه الرسوم.

في ٢ أبريل من ٢٠١٨: ردت بكين على واشنطن بالمثل، عن طريق فرض رسوم إضافية على سلع أمريكية بقيمة ٥٠ مليار دولار، وأعلنت وزارة المالية الصينية فرض رسوم إضافية نسبتها ٢٥ ٪ على ١٢٨ منتجًا أمريكيًا من بينها فول الصويا والسيارات والكيماويات وبعض أنواع الطائرات والذرة والألومنيوم بالإضافة إلى منتجات زراعية أخرى.

بعد ذلك، ولدفع المشهد المتأزم زار نائب رئيس مجلس الدولة وعضو المكتب السياسي وكبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس الصين، في ١٥ مايو، واشنطن لإجراء مزيد من المحادثات التجارية، ثم أعلن في ٢٠ مايو موافقة المسئولين الصينيين على الحد بشكل كبير من العجز التجارى الأمريكى مع الصين من خلال الالتزام بـزيادة كبيرة في مشترياتها من البضائع الأمريكية وخفض الرسوم الجمركية ورفع القيود.

نتيجة لذلك أعلن وزير الخزانة الأمريكى ستيفن منوشين وقف الحرب التجارية، في حين قال بيتر نافارو، مدير المجلس الوطنى للتجارة في البيت الأبيض إنه لم تكن هناك حرب تجارية، لكنها كانت نزاعًا تجاريًا عادلًا وبسيطًا.

ثم تصاعدت الأحداث مجددًا بإعلان ترامب أن الرسوم التي ستفرضها الولايات المتحدة بنسبة ٢٥ ٪ على ٥٠ مليار دولار من الصادرات الصينية ستكون على مرحلتين، سيبدأ ٣٤ مليار دولار منها في ٦ يوليو ٢٠١٨، مع ١٦ مليار دولار أخرى تبدأ فى وقت لاحق.


واتهمت وزارة التجارة الصينية الولايات المتحدة بشن حرب تجارية وقالت إن الصين سترد بالمثل بتعريفات مماثلة على الواردات الأمريكية تبدأ في ٦ يوليو. وبعد ثلاثة أيام، أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستفرض تعريفة إضافية بنسبة ١٠ ٪ على واردات صينية بقيمة ٢٠٠ مليار دولار أخرى، إذا قامت الصين بالانتقام من هذه التعريفات الأمريكية السابقة. وتم إصدار قائمة المنتجات المدرجة في هذه الجولة من التعريفات في ١١ يوليو ٢٠١٨، ومن المقرر تنفيذها خلال ٦٠ يومًا.

ليأتى انتقام الصين في ١٩ يونيو بإعلان رسومها الجمركية على ٥٠ مليار دولار من البضائع الأمريكية، وذكرت أن الولايات المتحدة شنت حربًا تجارية. في حين أن أسواق الاستيراد والتصدير في عدد من الدول تخشى أن تعطل الرسوم سلاسل التوريد التي يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء العالم.

وبعد حزمة من التصعيد تزامن معها عقد ١١ جولة من المحادثات التجارية رفيعة المستوى، أعلن الرئيس الأمريكي، في ٥ مايو ٢٠١٩، تعثر المفاوضات، وأن الولايات المتحدة ستزيد الرسوم السابقة البالغة ١٠ ٪ التي تم فرضها على البضائع الصينية بقيمة ٢٠٠ مليار دولار إلى ٢٥ ٪ فى ١٠ مايو، والسبب المعلن هو أن الصين تخلت عن الصفقات المتفق عليها بالفعل.

في ١٥ مايو، وقع ترامب أمر تنفيذى سعى إلى تقييد تصدير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأمريكية إلى خصوم أجانب وفقًا للأمن القومى؛ ولم يشر هذا الأمر إلى أى إشارات أو إلى شركات أو دول محددة، ولكن كان يعني ضمنيًا أن الأمر كان يهدف إلى دعم مزاعم الولايات المتحدة بالتجسس عليها عبر شركات الاتصالات الصينية، وأعلنت الولايات المتحدة في ٢٠ مايو مهلة ٣ أشهر قبل تفعيل هذه العقوبات.

في ١ يونيو: زادت الصين التعريفات الجمركية على السلع الأمريكية بقيمة ٦٠ مليار دولار، وأعلنت الصين إنها تعد لائحة سوداء بالشركات الأجنبية غير الموثوق فيها.

وبعد سلسلة من الأزمات المتتالية، والمفاوضات المتعثرة، جاء الاتفاق التجارى الجزئى الأولى، حيث أعلن ترامب في ١١ أكتوبر، أن الصين والولايات المتحدة قد توصلت إلى اتفاق مبدئي لـ«المرحلة الأولى» من الصفقة التجارية، مع موافقة الصين على شراء ما يصل إلى ٥٠ مليار دولار من المنتجات الزراعية الأمريكية، وقبول المزيد من الخدمات المالية الأمريكية في السوق، مع موافقة الولايات المتحدة على تعليق الرسوم الجمركية الجديدة المقررة في ١٥ أكتوبر.

وقال وزير الخزانة الأمريكى ستيفن منوتشين، إن ترامب وافق على عدم المضي قدما في رفع رسوم جمركية من ٢٥ بالمائة إلى ٣٠٪ على بضائع صينية قيمتها نحو ٢٥٠ مليار دولار والتى كان من المفترض أن يبدأ سريانها يوم الثلاثاء ١٥ أكتوبر ٢٠١٩.

ودومًا ما كان الرد الصينى بالنسبة لترامب ردًا غير متواضع ورأى فيه إن الصين لا بد وأن تعترف بأخطائها وتدفع ثمن ذنوبها فى المنطقة الغربية بدأً من اتهامها بسرقة حقوق الملكية الفكرية إلى الممارسات التجارية غير المشروعة التي أدت إلى تدمير آلاف المصانع وفقدان ملايين فرص العمل. لذلك كان دائم الإقتراح بفرض رسوم إضافية على الصين. القرار الذي استقبلته الصين بإعلان إنها تمتلك القدرة الكاملة في الرد على مثل هذه القرارات بشكل ملائم.

ليوقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فى ١٥ من يناير الماضى، مع نائب رئيس الوزراء الصينى «ليو هى» اتفاقا تجاريا مرحليا مرتقبا منذ وقت طويل وصفه بأنه «تاريخى»؛ وتعهدت الصين شراء بضائع أمريكية إضافية بقيمة ٢٠٠ مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، بموجب الاتفاق الذى يتضمن أيضا بنودا تتعلق بحماية الملكية الفكرية استجابة لمطلب أمريكى آخر.

واعتبر خبراء أن الاتفاقية هدنة مؤقتة يمكن أن تمهد لإنهاء الحرب التجارية المستعرة بينهما منذ سنتين، ومن شأن المرحلة الأولى من هذا الاتفاق أن تخفف من حدة النزاع التجارى بين البلدين.. لكن فى ضوء الصراع الراهن، واتهامات كلا الدولتين أنهما وراء ما يشهده العالم من شلل اقتصادى، ووفيات تتصاعد كل يوم، باتت سيناريوهات المستقبل مفتوحة لكل الاحتمالات.