الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

في الذكرى 75 لإنشائها.. الوزير سامح شكري يكتب: إيمان مصري ثابت بتجديد شباب الجامعة

سامح شكري
سامح شكري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتفل مصر وأشقاؤها العرب هذا العام بمرور 75 عامًا على إنشاء جامعة الدول العربية، هذا الصرح الجامع الذي تأسس لقيادة مسيرة الشعوب العربية نحو الاستقرار والتنمية عبر عقود عملت خلالها الجامعة على خدمة المصالح العربية، ومواجهة التحديات المشتركة التي يواجهها عالمنا العربي، حتى أصبحت بيت العرب الذي يجمعهم ويوحد مواقفهم، لا سيما في أوقات الشدة.
ولا شك أن الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الجامعة العربية تأتي وقد أصبح الوطن العربي محلًا للعديد من الأزمات والتعقيدات والمؤامرات التي باتت تهدد أمن العديد من دولة، ما يثير التساؤلات حول الدور الذي يجب أن تضطلع به الجامعة العربية لمواجهة التحديات التي تعتري عالمنا العربي.
وانطلاقًا من الإيمان بأهمية العمل العربي المشترك، فقد أولت مصر أولوية متقدمة لعملية دعم آليات الجامعة العربية باعتبارها الضامن الأساسي للسلم والأمن والاستقرار العربي، حيث ترجع علاقة مصر بالجامعة العربية إلى ما قبل إنشائها، حينما بادر رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس باشا بدعوة أشقائه للتشاور حول إنشاء منظمة عربية تخدم مصالح الأمة العربية، ما أسفر عن توقيع "بروتوكول الإسكندرية" عام 1944 كخطوة أولى في هذا الاتجاه.
وبالفعل، فقد تم إقرار ميثاق الجامعة العربية بالقاهرة في مارس عام 1945، في خضم مرحلة حرجة من تاريخ العالم العربي بل والعالم أجمع، والذي كان لا يزال يتعافى من ويلات الحرب العالمية الثانية. ومن اللافت للنظر في هذا المقام أنه تم التوقيع على ميثاق الجامعة العربية قبل توقيع ميثاق الأمم المتحدة بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في شهر يونيو من نفس العام.
وبإمعان النظر في تاريخ العمل العربي المشترك، نجد أن مسيرة جامعة الدول العربية حافلة بالعديد من الإنجازات المهمة، حيث أسهمت الجامعة منذ نشأتها في دعم نضال العديد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية للتحرر من القيود الاستعمارية وانطلاقها نحو الحرية. ولعبت فيما بعد دورًا محوريًا في تقديم الدعم للدول العربية في أوقات الأزمات ومساندتها في تحقيق تطلعاتها كافة.
كما تقوم الجامعة العربية بتمثيل جميع الدول العربية في العديد من المحافل الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، وتُدافع عن مصالحها وتُنسق مواقفها. وفي إطار مواكبتها التغيرات على الساحة الدولية وحرصها الدائم على التطور، فقد شهدت الجامعة إنشاء العديد من الهيئات العربية خلال تاريخها العريق، فضلًا عن التوقيع على الكثير من المواثيق المهمة واتفاقيات التعاون العربي في العديد من المجالات.
وعلى الرغم مما أُحرز من تقدم على مدى سبعة عقود ونصف العقد، نحو تطوير العمل العربي المشترك، فإن السنوات الماضية قد حملت في طياتها العديد من الصعوبات والتحديات غير المسبوقة التي ألمت بمنطقتنا العربية، وعلى رأسها انتشار الإرهاب والجماعات الإرهابية بدعم مؤسف من بعض دول المنطقة، فضلًا عن ظهور مساعٍ تستهدف هدم ركائز وأسس الدولة الوطنية، وزعزعة استقرارها في البلدان العربية الشقيقة، والمساس بوحدتها الوطنية.
ولعل هذه التحديات بالغة التعقيد تعد أكبر دليل على ضرورة الحفاظ على الجامعة العربية، ومواصلة العمل نحو تطوير عملها. فدائمًا أكدت مصر أن الدول العربية وحدها هي التي تستطيع أن تعالج المشاكل التي تحدق بها، وشددت على أنه لا مفر من صياغة حلول سياسية من صنع العرب أنفسهم لتحقيق الأمن والاستقرار المنشود، فالتدخلات الخارجية التي نشهدها لم تؤد إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار وزيادة وتيرة العنف والإرهاب.
وهنا تبرز أهمية دعم دور الجامعة العربية وتطوير آلياتها المختلفة لتواكب التحديات الجسام التي تموج بها المنطقة العربية، وبما قد يُلبي تطلعات الشعوب العربية في قيامها بدور أكثر فاعلية. فقد آن الأوان لأن يستعيد بيت العرب دوره التاريخي في حماية مقدرات الشعوب العربية، مدفوعًا بعزيمة أبنائه القوية وإرادتهم الراسخة.
ومن هنا، فمن الأهمية بمكان التأكيد على أن إيمان مصر بدور جامعة الدول العربية ثابت ولن يتغير، وهو ما يدفعنا إلى التفكير العميق في سُبل تطوير عمل الجامعة بغية الاستجابة للتحديات المتشابكة، وذلك في أسرع وقت، وليس فقط من خلال تدعيم أطر التعاون القائمة، وإنما العمل أيضًا نحو استحداث آليات جديدة تحت مظلة الجامعة العربية، بالإضافة إلى تفعيل أطر واتفاقات التعاون المشترك، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والاستفادة من الإمكانيات والموارد الهائلة لإقامة تكتل اقتصادي قوي على غرار التكتلات الاقتصادية الناجحة في مناطق أخرى من العالم.
ولنا في نموذج الاتحاد الأوروبي مثال جيد، حيث لم يستطع الأوروبيون تحقيق التكامل السياسي بينهم بشكله الحالي إلاّ بعد الخوض في عملية تكامل اقتصادي جادة أولًا. ويضاف إلى ما سبق أهمية عدم إغفال أولوية صيانة الأمن القومي العربي، ومجابهة التحديات العديدة التي تحيط بنا اليوم باستخدام آليات الجامعة القائمة فعلًا وتلك التي يمكن استحداثها.
أود التأكيد مجددًا على أن مصر مستمرة في الاضطلاع بمسئولياتها، ودورها المهم بالجامعة العربية من أجل الدفاع عن مصالح الدول العربية، وتحقيق تطلعات وآمال الشعوب، كما سنستمر في بذل قصارى جهدنا للحفاظ على الجامعة العربية ومكانتها الخاصة كبيت للعرب يجمعهم في أوقات الشدة للدفاع عن مصالحهم والحفاظ على مقدراتهم، بل ودفع مسيراتهم نحو الرخاء والازدهار. فقد حان الوقت لكي تتكاتف الدول العربية تحت مظلة جامعتهم العريقة للاستفادة من مواردنا الطبيعية الشاسعة وقدرتنا البشرية الهائلة المُتمثلة في شبابنا العربي الواعد المستنير.
- هذه المقالة قد تم نشرها أولًا في العدد 1193 (21 مارس 2020) من مجلة الأهرام العربي.