الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

كيف واجه محمد على باشا وباء الطاعون؟

محمد علي باشا
محمد علي باشا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كتابه "دمياط في التاريخ الحديث 1810 – 1906 م" تناول الدكتور راضي محمد جودة حادثة انتشار وباء الطاعون في مصر في القرن التاسع عشر وكيفية محاربته، والإجراءات التي اتخذها محمد على باشا، والي مصر، للحفاظ على حياة المصريين.
وجاء في الكتاب:
يُعد الطاعون من أخطر الأوبئة التي أصابت البلاد، بل كان السبب الرئيس لمعظم الوفيات في مصر في تلك الآونة، وتؤكد إحدى الدراسات أن الطاعون لا يأتي مطلقًا من داخل مصر، ولكنه يظهر أولًا على شاطئ الإسكندرية، ومنه إلى رشيد ودمياط والقاهرة، ويسبق ظهوره وصول بعض السفن القادمة من سوريا، وإستانبول لنقل الملابس الصوفية ولوازمها، حيث يكون الطاعون شديدًا في إحدى مدنها خلال الصيف.
وقد تصدت الإدارة المركزية لهذا الوباء بإقامة المحاجر الصحية، فعندما انتشر الطاعون في مصر بشكل وبائي في يناير 1813م وصف "الجبرتي" طرفًا من ذلك حيث ذكر:" أنه عندما جاءت الأخبار بوقوع الطاعون الكثير بإسلامبول فإن الأطباء قد أشاروا على محمد على بعمل كورنتيلة بالإسكندرية على قاعدة صلاح الإفرنج ببلادهم، فلا يدعون أحدا من المسافرين الواردين في المراكب من الديار الرومية، يصعد إلى البر إلا بعد مضى أربعين يوما من وروده، وإذا مات بالمركب أحد في أثناء المدة استأنفوا الأربعين". وعندما بدأ ينتشر بالإسكندرية في الشهر التالي (فبراير 1813م) وتوفي على إثره الكثير من أبناء الإسكندرية أمر الباشا بعمل محاجر صحية بدمياط ورشيد وغيرها وعبر عنها "الجبرتي" بقوله: "... زاد الأحقاف بحصول الطاعون، وواقع الموت منه بالإسكندرية، فأمر الباشا بعمل كورنتيله بثغر رشيد ودمياط والبرلس وشبرا، وأرسل إلى الكاشف الذي بالبحيرة بمنع المسافرين المارين من البر، وأمر أيضا بقراءة صحيح البخاري بالأزهر، وكذلك يقرءون بالمساجد والزوايا سورة الملك والأحقاف في كل ليلة، بنية رفع الوباء فاجتمعوا إلا قليلا بالأزهر نحو ثلاثة أيام، ثم تركوا ذلك وتكاسلوا عن الحضور".
وعندما انتشر مرة أخرى في عشرينيات القرن التاسع عشر القادم من سوريا وآسيا الصغرى، أقامت الإدارة المركزية المحاجر الصحية في الإسكندرية عام 1828م ودمياط 1829م ورشيد 1831م.
وظهر الطاعون مرة أخرى في دمياط عام 1831م، وذلك عن طريق سفينة آتية من بيروت إلى الإسكندرية بقيادة القابودان "حسين"، ومرت على دمياط فصدرت الأوامر إلى محافظ دمياط لحجر المدينة حَجْرًا صحيًا مثل الإسكندرية منعًا لتسرب الوباء، ووضع القادمين إليها من الأناضول وعكا في المحجر الصحي، إلا أن الوباء انتقل إلى دمياط على الرغم من الأوامر الصحية الصادرة للمحافظ باستقباله البعض منهم في مسكنه، وكان من نتائج ذلك وفاة ثمانية أشخاص من عائلة المحافظ؛ بينما سقط العديد من الضحايا من مختلف العائلات في المدينة.
اضطرب المجلس الصحي لهذه الحادثة. ولما كان يخشى انتشار الوباء، فقد أشار على الحكومة بأفضل الوسائل التي تكفل وضع حد له، كما بعث إلى دمياط بالدكتور" فرانشسكو جراسي" grassi، وهو أحد أعضائه فكان أول ما عمله أن أقام سياجًا صحيًّا حول دمياط والقرى المجاورة، وبدأ بسلسلة من الإجراءات من بينها فصل الأصحاء عن المصابين، وتبخير المدينة وحرق المتعلقات الشخصية للمصابين بالطاعون، وبعد هذه الإجراءات وخلال الفترة بين يوليو وأغسطس 1832م مات300 شخص من السكان الذي يبلغ تعدادهم 20 ألف نسمة.
وفي عام 1834م، انتشر مرض الطاعون بمصر وتفشى بدمياط وبذل "كلوت بك" جهدًا كبيرًا في مكافحته ووضع رسالة عن علاجه.
ولم ينقطع ظهور وباء الطاعون في السنوات التالية، ولعل أخطر انتشار له كان في عام 1835م عندما اجتاح القاهرة وبلاد الوجه البحري بشكل عنيف، وقضى على الكثير من السكان ومنها في دمياط. 
وفي شهري سبتمبر وأكتوبر عام 1836م، ظهر الطاعون مرة ثانية في دمياط. غير أن الوباء لم يلبث أن قُضي عليه، لا في المدينة فحسب، بل وفي خمس وسبعين ومائة من القرى التي ظهر فيها، وذلك بفضل نشاط الدكتور" جراسي" وسرعة ما اتخذه من تدبيرات.
وكان محمد على يتابع عن كثب ما يحدث بدمياط في حالة ظهور هذا الوباء مع المحافظ فعندما علم بخبر ظهور الطاعون عام 1844م بالمحافظة طلب منه إرسال بيان بأسباب ظهوره وما درجة الضرر الواقعة على الأهالي ويستفسر منه هل انقطع أم مازال منتشرًا وهل طبق الحجر الصحي أم لا ؟.
وتشير الوثائق أنه في حالة ظهور المرض بالإسكندرية كان يرسل مجلس كورنتينة الإسكندرية لناظر كورنتينة دمياط أمرًا باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة ذلك، فيشير ناظر كورنتينة دمياط "انه ورد له من مجلس الكورنتينة بالإسكندرية بخصوص مرض الطاعون يطلب منه نظافة المحلات التابعة للثغر وترتيب النظافة بالمحافظة باخلاء المييتة..... وتبييض جميع المحلات من الداخل وكذلك الخليج يرغب في نظافته بازالة الزبالة ومنع الروائح الكريهة لما به بمياه بكثرة وبها رائحة كريهة والذي سببا للطاعون بالثغر والتنبيه على مشايخ الشطوط ومن يلزم لهم التنبيه بإجراء تنضيف المحلات والنواحي المذكورة والشطوط وكذا سهول بتصرف مياه الخليج ونظافته....".
ووافق محمد على على نقل مكان الحجر الصحي بعيدًا عن الأهالي من البر الغربي للبر الشرقي. كما وافق أيضًا على ترتيب جراية للفقراء الموجودين تحت الحجر الصحي، أما الأغنياء فكانوا يدفعون مقابل لذلك حسب ما تحدده اللائحة المنظمة لذلك.
كما انتشر في عام 1905م في بورسعيد، وانتقل منها إلى دمياط وأودى بحياة الكثير من أهل دمياط.