الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كتاب "الاقتصاد السياسي لحزب الله" يكشف تناقضاته في لبنان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المؤلف يرصد دور المال السياسى فى بنية الحركات الإسلاموية جوزيف ضاهر: الحزب برجوازى يقف مع الجناح المناهض للثورات فى السياسة العربية
تحليل انتشار المنظمات الإسلامية الجماهيرية يحتاج المزيد من الدراسات الاستقطاب الكارثى لسياسات الشرق الأوسط يتمثل فى «علمانيات» و«إسلاميات سلطوية»
من الخطأ أن ينظر إلى إسلامية حزب الله وغيرها من الأحزاب على أنها مجرد أداة بلاغية
بل هى جانب أساسى من البرنامج السياسى والهياكل المؤسسية للحزب، والتى يتم تشكيلها من خلال هياكل الرأسمالية فى الشرق الأوسط

يرصد كتاب «حزب الله: الاقتصاد السياسى لحزب الله فى لبنان» لمؤلفه جوزيف ضاهر دور المال السياسى فى بنية حركات الإسلام السياسى بتنويعاته المختلفة وتعود أهمية الكتاب الذى راجعه عمر حسن ليس فقط للعمق التحليلى المبنى على دراسة امتدت لسنوات للحزب، بل أيضًا للإضافة التى وإن لم تكن جديدة لكنها نادرة فى حقل دراسات الإسلام السياسي، وهو استخدام اقتراب الاقتصاد السياسى فى دراسة الإسلاموية وحركاتها، هذا الاقتراب فى الحقيقة فى غاية الأهمية، ويسهم فى فهم الكثير عن حركات الإسلام السياسى بتنويعاتها المختلفة، شيعية كانت أو سنية، معتدلة كانت أو متطرفة، ففى النهاية يلعب المال دورًا بارزًا فى بنية هذه الحركات وتحركاتها، وتشكيل عقائدها، وفى ترجمتنا هنا للورقة التى كتبها الباحث عمر حسن، نأمل أن تتبعها ترجمات أخرى، لكتابات تستخدم ذات الاقتراب فى دراسة الظاهرة الإسلاموية.


يتحدث الكاتب فى المقدمة عن أن الأحزاب الإسلامية تزايدت شعبيتها على عدة أصعدة فى السنوات الأخيرة، سواء من حيث التأثير أو الانتشار، يبرر هذا بأسباب مختلفة، كفشل الدولة الوطنية العربية، وسياسات النيوليبرالية المتوحشة، مضافا إليهما فشل اليسار فى تقديم بديل فعال للمجتمعات العربية، التى لم تسلم من الآثار السلبية قصيرة المدى للهزيمة الشاملة لـ «الاشتراكية القائمة» آنذاك - التى تُفهم بشكل أفضل كستالينية، يمكننا أيضًا أن نضيف إلى هذه الصورة العامة أحداثًا إقليمية محددة، بما فى ذلك معسكرات التدريب التى رعتها الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان فى الثمانينيات. مضافا إليها الإرث الوحشى والطائفى الذى خلفه الاحتلال الأمريكى فى العراق، كذلك اشتعال التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية، ونتيجة لهذا هيمنت الأحزاب الإسلامية فى تركيا (حزب العدالة والتنمية)، والعراق (الدعوة)، وتتقاسم السلطة فى تونس (النهضة)، وفلسطين (حماس)، ولبنان (حزب الله)، وشكلت لسنوات أحزاب المعارضة الرئيسية فى دول أخرى كمصر.
على الرغم من هذه التطورات، كان هناك القليل من التنظير أو البحث الجاد حول هذه الحركات. وغالبًا ما تعتمد مناقشات المنظمات الإسلامية من قبل الأكاديميين والصحفيين المؤثرين على تحليلات مختزلة تجمع بين أطياف إسلامية واسعة من المنظمات والأيديولوجيات فى مجموعة واحدة يطلق عليها «الإسلام السياسي»، أو «الإرهاب».
لم يُعف اليسار كليًا من هذا الفخ المفلس والعنصرى سياسيًا. خذ تحليل أولئك الذين يدافعون عن النظام السوري، والذين يشيرون بشكل متكرر إلى الثوريين على أنهم «جهاديون» و«متهورون»، ويرفضون التمييز بين المشاعر الديمقراطية التى حفزت الثورة الأصلية، وبقايا الجيش السورى الحر (FSA) والجماعات الإسلامية المعتدلة، وبين النصرة وتنظيم داعش. فأى إشارة إلى الإسلام فى البرنامج السياسى للحزب تجعل المرء رجعيًا، وفقًا لهذا الرأي.
فى هذا السياق، يكون من المفيد أن نقرأ كتاب جوزيف ضاهر الهام، حزب الله: الاقتصاد السياسى لحزب الله فى لبنان، الذى من الواضح أنه نتاج سنوات من البحث المضني، إذ يجمع النص كمية هائلة من الإحصاءات والخلفية التاريخية والمقابلات مع الجهات الفاعلة الرئيسية لإنتاج صورة مفصلة لأهم حزب فى السياسة اللبنانية.


الإسلاموية النيوليبرالية
الجدل الأساسى فى الكتاب هو أن حزب الله أصبح حزبًا تمثل سياساته مصالح الجزء الشيعى من البرجوازية اللبنانية، لدعم هذا الادعاء يوثق ضاهر الروابط الواسعة والمتنامية بين الطبقة الصاعدة من الرأسماليين الشيعة والتسلسل الهرمى للحزب.
فلفترة طويلة سيطرت الطبقة الرأسمالية المارونية والسنية، أما الثمانينيات والتسعينيات فقد شهدت صعود الطبقة الرأسمالية الشيعية التى ركزت بشكل أساسى على البناء والتجارة، وكانت إعادة بناء المناطق المدمرة والفقيرة فى الغرب وخاصة جنوب بيروت - وهى المناطق التى تتميز بوجود تجمعات كبيرة من الطوائف الشيعية - وسيلة للاستثمار المربح لطبقة من المستثمرين الشيعة، وبدعم كبير من التحويلات المالية من المهاجرين الشيعة الناجحين وأيضًا من تعويضات ما بعد الحرب، حيث مال هذا الاستثمار إلى التركيز على فرص السكن والسياحة للعائلات الشيعية ذات الدخل المتوسط والعالي.
وتم تنظيم هذه الاستثمارات بشكل عام على النمط الطائفى والزبائنى الذى يسود بقية الرأسمالية اللبنانية، وهذا يعنى أن حزب الله يستخدم مواقعه فى السلطة لصالح الشركات الشيعية التى يُدعم أنشطتها، بمنحها إعانات، وموافقات البناء والتغطية الإعلامية التفضيلية، فى المقابل، فإنه يتوقع الولاء المطلق، وهو على استعداد لسحق أولئك الذين يحاولون تشكيل وجود اقتصادى وسياسى مستقل فيما يعتبرونه مناطق نفوذ خاصة بهم.
على سبيل المثال، قامت إحدى الشركات الخاصة ببناء سلسلة من الأماكن السياحية الدينية فى جميع أنحاء جنوب لبنان، ومدرسة إسلامية يديرها حزب الله، وبرج إذاعى لمحطة إذاعة تابعة للحزب، والآن تحصل على عقود حكومية مربحة لمشاريع بناء فى العراق، ويسلط هذا الجانب الأخير الضوء أيضًا على الروابط الجوهرية بين رأس المال الإيرانى والشيعى اللبناني، وهى العلاقة التى تقابل علاقة أخرى تربط رأس المال السعودى برأس المال السنى اللبناني.
توسع حجم ونطاق مشاريع البناء هذه بشكل كبير بعد حرب إسرائيل على لبنان فى العام ٢٠٠٦، واستفاد المستثمرون المرتبطون بحزب الله من معونات حكومية كبيرة لإعادة الإعمار الاجتماعي، وقد أدى ذلك إلى بدء دورة فعالة من الاستثمار والإقراض والتجارة والمزيد من الاستثمار الذي، على الرغم من أنه لم يفد المجتمع الشيعى بأكمله، فقد رفع عشرات الآلاف إلى صفوف الطبقة المتوسطة والعليا.
لإثبات ذلك، يقدم ضاهر البيانات التى تشير إلى أنه على الرغم من أنه لا تزال هنالك طبقة كبيرة عاملة فقيرة من الشيعة (كما هو الحال بالنسبة لكل الطوائف)، فإن المناطق الخلفية كمدينة طرابلس الشمالية تعانى من فقر أشد، وهى منطقة ذات أغلبية سنية، وشهدت فى الآونة الأخيرة تصاعدًا لنشاط منظمات إسلامية على غرار داعش بعد عقود من سيطرة النخب السنية الحضرية عليها.


الحزب البرجوازي
فى مقالته الرائدة فى العام ١٩٩٤ تحت عنوان « النبى والبروليتاريا»، جادل الماركسى البريطانى كريس هارمان أن التنظيمات السياسية الإسلامية جذبت الدعم من جميع الطبقات، لكنها ركزت بشكل أكبر على دعم الطبقة الوسطى الفقيرة، سواء كانوا تجارًا تقليديين، أو أصحاب متاجر ورجال دين أو حتى صغار موظفى الخدمة العامة، لذا كان هذا المقال إضافة مهمة فى الحجاج حول كيفية فهم الإسلاموية، وطرح تحليلًا يتجنب الإسلاموفوبيا ويتجنب كذلك التأييد الأعمى غير المنطقى للإسلاموية، وتبقى المقالة نقطة مرجعية مهمة لليسار فى التحليل والتعامل مع مثل هذه المنظمات.
وفى قسم هام وغالبًا ما يتم تجاهله فى بداية المقال، يشير هارمان إلى القواعد الطبقية المختلفة للحركات الإسلامية، بالإضافة إلى الطبقات التقليدية الحاكمة والطبقة المتوسطة والطبقات الحضرية الفقيرة، حيث يدرس طبقة من الرأسماليين الحقيقيين الذين يدعمون هذه الأحزاب:
ثانيًا، غالبًا ما يخرج من بين «الطبقة المستغلة القديمة»، بعض الرأسماليين الذين حققوا النجاح على الرغم من العداء من تلك الجماعات المرتبطة بالدولة، فى مصر، على سبيل المثال، شقّ الإخوان المسلمون طريقهم إلى النسيج الاقتصادى لمصر السادات فى وقت تحولت فيه أجزاء كاملة منه آنذاك إلى رأسمالية غير منظمة، عثمان أحمد عثمان، الملقب بروكفلر المصري، لم يخف هذا التعاطف مع الإخوان.
يوثق ضاهر باقتدار رحلة حزب الله فى هذا الطريق، حيث كان الحزب فى بدايته يعارض بشدة الهياكل السياسية الطائفية للمجتمع اللبناني، ودعا لتحديث ودمقرطة النظام الانتخابى الطائفي، كان هذا جزئيًا انعكاسًا لتوجهات الشرائح الفقيرة والطبقة الوسطى من الطائفة الشيعية، التى تعرضت للاضطهاد والاستبعاد من قبل المؤسسة اللبنانية، بالإضافة إلى ذلك، فقد اتضح موقفه من خلال تنافسه مع الحزب الشيوعى اللبنانى واليسار التقدمي، الذين تمتعوا لفترة طويلة بدعم قوى من الطبقة العاملة والفقراء من أبناء الطائفة الشيعية، اليوم، تخلى حزب الله كليًا عن هذه التوجهات مقابل حصة فى النظام الطائفى الفاسد للسياسة اللبنانية.
وعلى الرغم من الحزب يواصل جذب دعمه من جميع طبقات المجتمع الشيعي، إلا أن النخب الشيعية هى التى تشكل بشكل متزايد الجزء الأكبر من الكوادر القيادية فى الحزب، ويميل الجيل الجديد للحصول على مستويات أعلى من التعليم العالى والثروة بخلاف الأجيال السابقة من القادة.
يعكس هذا الاتجاه الطبيعة المتغيرة للمجتمعات الشيعية فى لبنان، والتى يتم تمثيلها بشكل متزايد فى الطبقات المتوسطة المهنية، ويوثق ضاهر كيف استولى المرشحون المنتمون إلى حزب الله فى العقد الماضى على نقابة المهندسين والمهندسين المعماريين، وعلى منصب نائب رئيس نقابة أطباء الأسنان، وتمثيلهم فى المجموعة الحاكمة فى نقابة الأطباء، وفشلوا فقط فى الحصول على نقابة الصيادلة بأقل من ٢٪ من الأصوات. وتنعكس هذه العملية فى التكوين الاجتماعى للجناح البرلمانى للحزب:
فخمسة من أصل عشرة نواب منتخبين من حزب الله يحملون شهادات الدكتوراه، وأربعة آخرون على الأقل يشتهرون فى مجال الأعمال بلبنان، فينحدر على عمار على سبيل المثال، وهو نائب حزب الله الأطول خدمة، من إحدى أغنى العائلات فى برج البراجنة.


دولة داخل الدولة
على الرغم من هذه الطبيعة البرجوازية للحزب، فإن قادته قلقون للغاية للحفاظ وتوسيع قاعدتهم الجماهيرية فى المجتمع الشيعي، ولهذه الغاية، أنشأ الحزب سلسلة من منظمات المجتمع المدنى التى تنشر الطابع الخاص بالمنظمة من أيديولوجيات سياسية واقتصادية ودينية.
ويبدو الحزب فى بعض النواحي، مشابهًا للحزب الديمقراطى الاجتماعى الألمانى (SPD) فى أوائل القرن العشرين، على الرغم من أنه أكثر استهدافًا للربح، ويدير سلسلة متكاملة من المؤسسات، بما فى ذلك المدارس والتليفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المطبوعة والعيادات الصحية والصناعات السياحية والترفيهية والمساجد والبرامج الكشفية وأكثر من ذلك، فهو يقدم بطاقات تسوق مخفضة لاستخدامها فى المتاجر المعتمدة (المدعومة من حزب الله، المملوكة للشيعة)، والرعاية الصحية المدعمة لأعضائه، ورعاية أسر القتلى فى العمليات العسكرية للحزب، وما إلى ذلك.
تتجسد فى بنية وخطاب كل هذه المؤسسات علامة مميزة إسلامية شيعية شاعها آية الله الخمينى لأول مرة فى الثورة الإيرانية، تشدد على ضرورة الطاعة الكاملة للهيئات الدينية العليا، والالتزام بقواعد التواضع والامتثال الصارمة، ومقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها.
ويشرح ضاهر كيف نفذ الحزب استراتيجية طويلة الأمد تسعى إلى تديين الطائفة الشيعية فى لبنان، وهو ما يعتبره الحزب وسيلة لتعزيز سيطرته، وقد تزامن ذلك مع مواقف رجعية للغاية انتهجها الحزب تجاه النساء والمثليين والمثليات ومزدوجى الميل الجنسى ومغايرى الهوية الجنسانية وحاملى صفات الجنسين - وفى المناطق التى يسيطر عليها الحزب، يُفرض الحجاب بشكل أو بآخر على النساء، ويتم فرض حظر على الكحول وغيرها من الأعمال «الحرام» بشكل صارم، وقد تبنى الحزب أيضًا موقفًا أكثر طائفية تجاه الجماعات الطائفية الأخرى، ويشارك الآن مع المؤسسة الأمريكية تركيزًا هوسيًا تقريبًا على تهديد التكفيريين، أو الجماعات الإسلامية السنية المتطرفة.
وكان تدخله فى الحركة النقابية من أكثر الجوانب الشنيعة لممارسته السياسية - وأحد الأجزاء الأكثر أهمية فى كتاب ضاهر، ففى التسعينيات، كانت الحركة جزءًا من النظام الليبرالى الجديد المؤسس من قبل رفيق الحريري، ودعمت الخصخصة الوحشية لأصول لبنان، فى حين أن حزب الله بدأ وجوده على دعوى أنه يدافع عن مصالح الفقراء والعمال، لكن فى الحقيقة كان الحزب الأكثر تحالفًا مع المستثمرين ورجال الأعمال.
وعندما واجهت مقاومة نقابية قوية، تدخلت الحكومة مباشرة فى شئون الاتحاد العام للعمال اللبنانيين (CGTL) من أجل هزيمة اليسار وفرض السلبية على الحراك، وتم ذلك من خلال الاستفادة من الخصائص الدستورية غير الديمقراطية للاتحاد، والتى أعطت حقوقًا متساوية لجميع النقابات بغض النظر عن حجمها، وحينها شكل حزب الله، إلى جانب الأحزاب الحكومية الأخرى، عددًا من النقابات الطائفية المزيفة من أجل تكديس المجلس والحفاظ على سيطرتهم على الصناعات الرئيسية، ولم يكن اليسار قادرًا على مقاومة هذه الهجمة المنسقة، وما تزال الحركة النقابية تعانى من نتائج هذه الأزمة حتى الآن.


الثورة والثورة المضادة
كما هو الحال فى السياسة فى كثير من الأحيان، فإن التأثير التراكمى لتوافق حزب الله التدريجى مع الوضع الطائفى الراهن يمكن أن يصبح واضحًا تمامًا تحت ضغط الأحداث الحاسمة، وهكذا يختتم ضاهر كتابه بتحليل رد فعل حزب الله على أهم حدث فى الشرق الأوسط منذ عقود –ثورات ٢٠١١.
حاول حزب الله عمومًا، مثل العديد من المنظمات التى تندرج وتدخل فى حرب العصابات فى المنطقة، الحفاظ على موقف الحياد تجاه السياسة الداخلية لمختلف الأنظمة العربية، ويعتمد هذا الموقف الخاطئ على حاجة مثل هذه الجماعات إلى تلقى تمويل خارجى وأسلحة من الجهات الحكومية المتعاطفة، حيث تعتمد استراتيجية حرب العصابات على البراعة العسكرية بدلًا من النضال الجماعى السياسى أو الاقتصادي، وحتى عام ٢٠٠٩، كان زعيم الحزب حسن نصر الله قد أعلن أن حزب الله «ليس لديه صراع أو مشكلة مع أى شخص، أو نظام سياسى عربى فى هذا البلد أو ذاك، سواء كان ديمقراطيًا أو ديكتاتوريًا أو ملكيًا أو سلالة أو دينيًا أو علمانيًا أو قانونيًا أو غير قانوني... بغض النظر عن الوصف لا نتدخل فى مثل هذه الأمور».
ومع ذلك، فعندما بدأت الاحتجاجات فى تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين، اتخذ الحزب موقفًا مبدئيًا لدعم هذه الحركات، بحجة أن «انتفاضات السكان العرب هى فرصة حقيقية لاستعادة حرية القرار، والعودة إلى روح الموقف العربى الرافض للهيمنة الأجنبية».
ومن المثير للاهتمام أن نصرالله بدأ بإدانة نظريات المؤامرة التى كثرت حتى منذ الأيام الأولى:
أى اتهام يدعى أن أمريكا هى من تقف وراء هذه الثورات، وحرضتها وقلبتها، وهى تقودها يمثل اتهامًا زائفًا وظالمًا لهذه الشعوب... هذه أنظمة تتبع أمريكا وتنسجم معها قدمت وما زالت تقدم خدمات للمؤامرة الأمريكية، ولا تشكل أى تهديد للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط الداعمة لإسرائيل.
ولكن مع اندلاع الثورة فى جميع أنحاء سوريا، أصبح حزب الله متناقضًا بشكل متزايد بشأن الثورات، ويوضح ضاهر كيف أن معايير الحزب لدعم الحركات الاحتجاجية وموقفها مع إسرائيل واستعدادها للإصلاح طبقت بشكل انتقائى ومنافق، ففى الواقع، كان الحزب معاديًا تمامًا للثورة فى سوريا لأن الأسد كان حليفًا مقربًا للنظام الإيرانى ومصدرًا مهمًا للموارد والدعم السياسي.
ومع إطلاق الحكومة السورية العنان للقمع الوحشى ضد الثوار، انضم حزب الله بكل ترحيب إلى ذلك القمع، وشارك فى الحصار والغارات والتفجيرات والقتل الجماعى لأهداف مدنية فى جميع أنحاء البلاد، كما ساعد فى تدريب ميليشيات شيعية أجنبية نظمتها إيران، ولعبت دورًا حاسمًا فى استعادة الأراضى من المتمردين فى غياب الجيش العربى السورى المفكك إلى حد كبير.
لكن الحزب دفع ثمنًا باهظًا لهذا التدخل، حيث فقد أكثر من ١٣٠٠ جندى بالموت أو الإصابة الخطيرة، والأمر الأكثر أهمية على المدى الطويل هو فقدانه لهيبته فى العالم العربي، التى حازها مع العام ٢٠٠٦ كأول قوة هزمت إسرائيل منذ عقود، وكان نصرالله الزعيم العربى الأكثر شعبية فى المنطقة آنذاك، بين كل من السنة والشيعة. وحصل مقاتلوه ومؤيدوه على مأوى من جميع الطوائف اللبنانية خلال الحرب، واعتبروا على الخط الأمامى للمقاومة العربية الشاملة لإسرائيل، هذه السمعة فى حالة يرثى لها الآن نتيجة للتدخل الطائفى المضاد للثورة فى سوريا، ومن الصعب التكهن بكيفية إعادة بنائها.
من الواضح إذا أن حزب الله يعارض الآن أى حديث عن تغيير النظام فى العالم العربي، باستثناء البحرين حيث تتكون الحركة (غير الطائفية بوعي) إلى حد كبير من الشيعة بسبب التركيبة السكانية للبلاد، وكانت موجهة ضد مؤيدى السعودية، من الطبقة السنية الحاكمة.


سياق تاريخى
الحجة التى قدمها ضاهر تشير بوضوح إلى أن حزب الله هو حزب برجوازى يقف مع الجناح المناهض للثورات فى السياسة العربية، مثله فى ذلك مثل العديد من المنظمات الإسلامية الأخرى التى وجدت موطأ قدم لها فى عالم الرأسمالية العربية الفاسد. والقوة الدافعة لهذا التطور ليست الدين فى حد ذاته على الحقيقة، ولكنه المشروع المهيمن العام لقطاع من رأس المال الشيعي، حيث يعمل الدين هنا كإطار اجتماعى وسياسى موحد ومنضبط. لذا فإن كونك جزءًا من كتلة جيوسياسية معادية لأمريكا لا يعنى أن فريقك تقدمي، كما ينعكس ذلك فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية الرجعية للحزب. ومع أن هذا التحليل لحزب الله لا يستبعد التعاون والقيام بأنشطة مشتركة فى مجالات معينة - على سبيل المثال فى معارضة غزو إسرائيلى آخر - فإنه يصل بنا إلى توجه مختلف نوعيًا لتوجه الحزب الشيوعى اللبنانى ورفاقه. وهذا يعنى أيضًا أننا بحاجة إلى نهج مختلف جذريًا عن نهج النائب اليسارى السابق جورج غالاوى وغيره من اليساريين الغربيين المتأثرين بالستالينية والذين يرون حزب الله كداعم رئيسى لمحور المقاومة فى الشرق الأوسط. إذ يظهر فشل هذا الاعتقاد فى تنصل حزب الله المتزايد من الخطاب «المعارض»، وميله المتكرر للصراع - بما فى ذلك مع منافسيه المفترضين فى تحالف ١٤ مارس -.
الكتاب إذا لا غنى عن قراءته لأولئك الذين يسعون إلى فهم سياسات الشرق الأوسط. فهو يوفر تفاصيل وسياقا تاريخيا مطلوبين بشدة لفهم صعود أحد أهم الأحزاب السياسية فى المنطقة، ويبدأ عملية تعميق وتحديث عمل كريس هارمان السابق لتوفير إطار ماركسى لفهم الإسلاموية بشكل عام. لأنه كما يقول ضاهر فى استنتاجه، سيكون من الخطأ أن ينظر إلى إسلامية حزب الله وغيرها من الأحزاب على أنها مجرد أداة بلاغية. بل هى جانب أساسى من البرنامج السياسى والهياكل المؤسسية للحزب، والتى يتم تشكيلها من خلال هياكل الرأسمالية فى الشرق الأوسط وبالتالى تشكيلها. وسوف يتطلب الأمر زيادة فى الصراع الطبقى وتطوير المنظمات السياسية للطبقة العاملة غير الطائفية بوعى لتحطيم الواقع الاجتماعى والسياسى للطائفية فى المنطقة. أثناء ذلك، يجب بذل جهد حقيقى لتحليل انتشار المنظمات الإسلامية الجماهيرية والعمل على كيفية بناء قطب يسارى مستقل تنظيميًا، لمحاولة فهم وتقويض الاستقطاب الكارثى لسياسات الشرق الأوسط إلى «علمانيات» و«إسلاميات سلطوية نيوليبرالية». لذا فكتاب ضاهر يعد مساهمة فكرية فى هذا التحدى السياسى الأوسع.