الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

نجل المفكر الكبير يكشف أسرار حياته الشخصية.. عمرو السيد يسين: لم يترك الكتابة حتى يومه الأخير.. ويستمد سعادته من سعادة المحيطين به

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اشترى مدفنا قبل وفاته بـ6 أشهر وقال لصديقه: «هاركب واى فاى عشان أتابعكم على النت»
كان يزوغ من الحفلات.. ولا يجلس فى المنزل أيام الإجازات
كنت أتبادل الخطابات اليومية معه فى مرحلة الإعدادية.. وسخرت من عمله فى الابتدائية 




تختلف حياة الكاتب الراحل السيد يسين الخاصة كثيرا عن حياته العامة، وخلال هذا الحوار مع نجله عمرو السيد يسين، نحاول أن نكشف الكثير من الأسرار الخاصة بالجانب الإنسانى فى حياة المفكر الكبير.
«علاقتى بوالدى علاقة خاصة جدا».. هكذا بدأ عمرو السيد يسين حديثه لـ«البوابة»، حول ذكرياته مع الأب السيد يسين؛ وقال: كنت ذكيا جدا فى مرحلة الابتدائية، وكنت حريصا على إنهاء الواجبات المدرسية فور وصولى من المدرسة دون أن يطلب منى والدى ذلك، وكانت والدتى، رحمها الله، تقول له: «خلى عمرو بجوارك يعمل الواجب»، وكان دائما ما يرحب بى بجواره، شرط ألا أصنع أى ضوضاء، ومنذ تفتحت أنظارى على الدنيا أراه يجلس على مكتبه يعمل بالثمانى أو بالعشر ساعات، وكنت أسأله كثيرا فى طفولتى «بابا أنت شغال إيه؟»، فكان يقول لى أنا باحث علمي، وكنت أقول له عندما أكبر لا أريد أن أعمل مثلك، لأنى عندما أكبر لن أجد وقتا للخروج مع أصدقائى إذا كانت الحياة كلها شغل بهذا الشكل.
يتذكر «عمرو» أن والده دخل مرحلة جديدة من حياته عندما انتقل إلى مرحلة الإعدادية، فقد تولى رئاسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وبدأ يتغيب كثيرا فى المؤتمرات والسفريات الخارجية، وكانت والدتى أقرب لى كثيرا، خلال هذه الفترة، وهى التى تتولى كل أمورى الدراسية، ولم أكن أراه كثيرا، وعندما توفيت والدتى كانت كل علاقتى به تقتصر على تبادل الخطابات التى نتركها لبعضنا البعض على السفرة، لأننى أنزل المدرسة مبكرا ويكون هو نائما، وأعود من المدرسة وهو ما زال فى العمل، وأنام مبكرا ويأتى متأخرا، ولا أستطيع رؤيته، ولذا كنت أكتب له خطابات وأنتظر رده عليها.


ينتقل «عمرو» فى حديثه عن ذكرياته مع والده إلى مرحلة جديدة من حياته، حيث انتقل الأب إلى العمل فى الأردن أمينا عاما لمنتدى الفكر العربي، قائلا: سافر والدى الأردن وأنا فى المرحلة الثانوية، وقد تزوجت مبكرا وسافرت خارج مصر فترة، وعندما عدت كان أبى قد عاد للاستقرار فى مصر، وهى أطول فترة جمعتنا معا وكانت آخر 20 عاما من حياته، حيث عشت معه وابنى الأكبر، وكنا نعمل معا فى جريدة الأهرام، أنا فى إدارة الإعلانات وهو بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وأحيانا كثيرة نلتقى فى الجريدة ونأكل معا وجبة الغداء، ثم نعود معا للمنزل.
يكمل «عمرو»: كان دائما ما يمنحنى من خبراته بلا حدود فى جمل بسيطة، وكان يبث فىَّ الأمل بشكل دائم، وكنت أستمد منه الطاقة الإيجابية، ومن أهم الجمل التى ما زالت محفورة فى رأسى «لو وقعت تقوم تقف بسرعة متتسلبطش»، وهى جملة استمدها من مدرس التربية الرياضية فى بداية حياته، وتعنى أنك إذا وقعت على الأرض وأنت تمشى فى طريقك أو فى حياتك فقم بسرعة وأكمل المشوار ولا تتمسك بالبقاء فى الأرض ولا تتسلبط وتستموت.
وأضاف «عمرو»: كان والدى يستمد سعادته من سعادة المحيطين به، ولو أردت السيد يسين سعيدا أرسم البسمة على وجه المحيطين به، وقتها يكون فى قمة سعادته، وكان يعشق الأطفال الهادئين الأذكياء الذين لا يثيرون الضوضاء، وإنما يتحاورون معه بالعقل، ولم يكن يتحمل الدوشة، وكان حنونا مع الجميع وليس مع الأطفال فقط، ولا يحب أن يرى أحدا «متضايق» من أى شيء.
وأكمل: لا يمكنك إلا أن ترى أبى إلا من خلال ثلاثة أوضاع، إما أن يقرأ جريدة أو يقرأ كتابا أو يكتب مقالا أو كتابا، إما أن يقرأ أو يكتب، وكان نهما فى القراءة، وكان مرحا ويحب الضحك والدعابة إلى حد السخرية، وهو متفاءل دائما ويحب أن يحلل الموقف كله فى جمل بسيطة وليس من خلال كلام كثير، وكان أقرب أصدقائه الدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور على الدين هلال، ومن أهم تلاميذه الدكتور عبدالمنعم سعيد والغزالى حرب وغيرهم.


كان ينتقد كثيرا النظام التعليمى فى مصر وكانت أول تجربة فى تعليم الأطفال خاصة بنجلى الكبير، والذى تعلم فى الجامعة الأمريكية، وكان يرى أن التعليم فى مصر يقوم على الحفظ والتلقين، لا يعتمد على الخيال أو الفهم أو الإبداع، فضلا عن أن اعتماد منظومة التعليم فى مصر على الدروس الخصوصية، وكان يندهش من عدم ذهاب التلاميذ للمدارس فى الفترة الأخيرة، لأنه كان يرى أن انتظام الأطفال فى المدارس أمر يحثه على الانضباط والتنظيم وهكذا.
كان يحضنا على القراءة بأشكال مختلفة، ويرى أن القراءة هى مفتاح المعرفة، وكلما حضر أحد إلى مكتبته يخرج دائما بعدة كتب، وكان يعتز كثيرا بكتاب «التحليل الاجتماعى للأدب» ويعتبره من أهم كتبه، وكذلك كتاب «الشخصية العربية»، ولم تكن خلافاته فى العمل العام أو فى المجال البحثى تنعكس على حياته الخاصة، ولكنى أحيانا كنت أسمعه يتحدث تليفونيا أو مع أصدقائه عن مثل هذه الأمور، إلا أنه كان يفصل تماما بين عمله وبين حياته الخاصة. 
بعد أن ترك إدارة مركز الأهرام للدراسات، دفعه هذا الأمر إلى أن يكتب كثيرا بعدما أتيح له الوقت الكافى، فقدم كتبا كثيرة، نظرا لتفرغه الدائم للاطلاع والإبداع، وكان يقول على نفسه أنا «قارئ محترف وكاتب هاو»، وكان ينزل مبكرا يقضى اليوم فى المركز العربى للدراسات والأبحاث برئاسة النائب عبدالرحيم على، وكان لديه يوم الثلاثاء يوما مقدسا، وخلاله ينظم الاجتماع الأسبوعى لجميع الباحثين فى المركز كله ويرسم خطة العمل والإصدارات وهكذا، ولم يكن يحب أن يجلس فى البيت إطلاقا وكان نشيطا يبدأ يومه فى السادسة صباحا، حتى أيام الإجازات كان يجلس فى أى فندق أو أى مكان مفتوح، يغير جوا ويعود إلى المنزل بعد ذلك، وفى آخر أعوام من حياته كنت أقوم بتوصيله وأتركه ينطلق طوال اليوم وحينما يريد العودة يهاتفنى فأقوم بتوصيله للمنزل.


من عادته أن يقرأ الجرائد كل صباح ويتصل بالكتاب يعلق على مقالاتهم ،سواء بالسلب أو بالإيجاب، ويناقشهم فى أفكارهم، ولم يكن يحب الحفلات الصاخبة، بل كان «يزوغ من الحفلات» ونادرا ما كان يذهب لها، وكانت هناك مكالمتان يجريهما بشكل يومى بينه وبين شقيقه الأكبر اللواء فؤاد يسين، الأولى فى الصباح للاطمئنان عليه والثانية قبل النوم، وكان يحكى له خلالها كيف قضى يومه، ويستعرض ما لفت نظره خلال قراءاته المتعددة، وكان جدى قائد طابية فى سلاح خفر السواحل بالإسكندرية، ولذا فكلهم كانوا معتادين الحياة العسكرية المنضبطة، وكان دائم التواصل مع باقى أفراد الأسرة ويسعى إلى مساعدتهم وحل أى مشكلة يقع فيها أحد منهم.
فى آخر حياته، كانت فترة مرضه فترة صعبة وكان قد أيقن أنها النهاية، وكان متسامحا مع نفسه ومتسقا مع ذاته، وقبل وفاته بستة أشهر، أصر على أن يشترى مدفنا للعائلة، وكنت معه هذا اليوم وكان موافقا الثلاثاء، وهو يوم الاجتماع الأسبوعى للمركز العربي، فوجد أننا سنتأخر فى الإجراءات، فقال لى أكمل أنت الإجراءات وأنا سأمشى حتى لا أتأخر على الاجتماع، وعندما انتهيت وذهبت له فى «البوابة نيوز» مقر المركز، وكان الدكتور يسرى العزباوى موجودا فقال له «لقد اشترينا مدفنا اليوم وأوصيت عمرو أن يركب لى واى فأى به حتى أتابع آخر الأخبار من خلال شبكة الإنترنت»، وكان يسخر من المرض والموت بشكل دائم، ولم يترك الكتاب حتى آخر يوم فى حياته، حتى إنه كان يطلب منى أوراقا وقلما، ويكتب مقالاته وهو على سرير المرض فى المستشفى.