الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورونا والعقاب الإلهي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع كل إعلان هنا أو هناك عن حدوث إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد تتصاعد المخاوف وتتزايد الإجراءات الاحترازية للحد من الانتشار المتنامى للمرض الذى وُصف بالوباء. 
كورونا الذى يُعتبر طاعون هذا الزمان حصد الآلاف في مناطق ومدن متفرقة حول العالم، وحتى هذه اللحظة لا يُعرف من أين أتى أو متى سينتهى أو نوع المصل الفعال للحد من تهوره المحموم. 
الإصابات المتلاحقة بالفيروس والوفيات التى نتجت عنه جعلت بعض أصحاب الهوى والعقول المتحجرة والمريضة والمتطرفة يروجون بين العامة أن الجائحة التى تعصف بالعالم هذه الأيام ليست إلا عقابًا إلهيًا على ما يقترفه البشر من آثام. وكما لا نعرف من أين أتى الفيروس المستجد.. لا نعرف أيضًا من أين أتى هؤلاء بهذا التفسير أو الحكم إن جاز لنا التعبير؟!
إن ما نعرفه عن الأوبئة التى عانى منها الإنسان منذ أن وطأت قدماه هذه الأرض لم تميز بين بار وفاجر.. صغير وكبير.. رجل وامرأة.. عرق وآخر.. جنسية وأخرى، أصحاب عقيدة ومخالفيهم. وإذا لم يكن ذلك كذلك فهل كان يُفرق الجُدرى بين ضحية وأخرى من بين آلاف الضحايا الذين حصدهم على مدى خمسة عشر عامًا خلال القرن الثانى الميلادي؟! 
هل كان يعلم الطاعون الذى اجتاح أوروبا في منتصف القرن الثالث عشر الميلادى أن ملايين الضحايا الذين سقطوا على يديه كانوا يستحقون العقاب الإلهي؟!
هل ما يزيد على خمسين مليون شخص أودى بحياتهم مرض الإنفلونزا الإسبانية في بداية القرن العشرين كانوا من العصاة الآثمين الذين يحق عليهم العذاب والآلم حتى الموت؟
هل السرطان الذى أودى وما يزال بحياة آلاف الأطفال مُكلف بمعاقبة هؤلاء الملائكة الصغار؟
الحق أقول لكم لم أجد مبررًا واحد ليتفوه هؤلاء بمثل هذه الترهات ويعملون على بثها هنا وهناك وكأنهم لا يعرفون أن كثيرا من الأنبياء والرسل قد ابتلاهم الله بشتى صنوف البلاء والشدائد فقد عانى نبى الله أيوب سنوات طويلة من مرض عضال وقد استقبله صابرا محتسبا حتى شفاه الله.. كما سبقه أبوالأنبياء إبراهيم عليه السلام حيث ابتلاه الله بالعقم ولم يرزقه بولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام إلا عندما بلغ من الكبر عتيا.
هل كان الله يعاقب نبيه يعقوب بفقده أعز أبنائه إلى قلبه، نبى الله يوسف عليه السلام عندما قام إخوته بإلقائه في غيابة الجب حسدا من عند أنفسهم وغيرة منه.. وعندما فقد الوالد بصره حزنا على ولده العزيز.. هل كان ذلك إمعانا في معاقبته؟!
هل كان الله يعاقب نبيه وخاتم المرسلين محمد عليه السلام عندما دخل عليه أحد أصحابه فوجده يتوعك، فقال له يا رسول الله إنك تُوعك وعكا شديدا، فقال النبى الخاتم إنى أوعك كما يوعك رجلان منكم، فقال له الصحابى إن لك أجرين، فقال المصطفى عليه السلام أجل. ثم قال ما من مسلم يُصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.
هل المجاعة التى أصابت الناس في السنة الثامنة عشرة من الهجرة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وكاد المسلمون يموتون جوعا وعطشا.. هل كانت عقابا إلهيا؟! هل الطاعون الذى وقع في العام نفسه في قرية عمواس القريبة من القدس ومنها انتشر في بلاد الشام والعراق ويُعرف بطاعون عمواس ووصفه أهل ذلك الزمان بـ«عم وآسى: أى اتسع وأحزن.. وذلك لكثرة من مات فيه»، هل كان ذلك الطاعون عقابا من الله ونحن نعرف أن من بين الذين ماتوا به أمين الأمة أبوعبيدة بن الجراح، أحد المبشرين بالجنة والصحابى الجليل معاذ بن جبل وابنه عبدالرحمن وآخرون.
الحق أقول لكم علينا ألا نلتفت لمثل هذه الأقاويل الحمقاء القائمة على التشفى وإصابة الناس بالذعر والهلع والحرص على إساءة العلاقة بين الناس وخالقهم بالمفاهيم المغلوطة والخاطئة، علينا أن نعلم أن أمر المؤمن بقضاء الله وقدره كله خير فإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.