الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

محاولات أردوغانية للتغلغل في إريتريا عبر "الأحزاب الإسلامية"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
محاولات أردوغانية للتغلغل في إريتريا عبر بوابة «الأحزاب الإسلامية» 
«العدالة والتنمية» يكرر سيناريو جيبوتى.. والمساعدات الإنسانية وسيلة الهيمنة والخداع الإخوانى
«الحزب الإسلامى» يغير اسمه ويدعى تبنيه الطرح المدنى.. و«رابطة العلماء» تفتتح فرعًا في تركيا 



كشفت التغيرات الأخيرة التى أعلنها «الحزب الإسلامى الإريترى للعدالة التنمية» بشأن تحوله إلى الطرح المدنى، وتغيير اسمه لـ «حزب الوطن الديمقراطى الإريترى» «حادى»، عن موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية بشأن دوافع الحزب لهذا الإجراء، ورغم مرور أشهر على هذا الإعلان إلا أن علامات الاستفهام لا تزال مثارة، لا سيما في ظل الدعم التركى والقطرى له على مدى السنوات الأخيرة، فهل هذه التغيرات نابعة من قناعات داخلية للحزب أم أن انقسامات وتشرذمات قيادية أفضت لهذا التغيير.
الحركة الإسلامية في إريتريا
بدأت نواة تأسيس «حزب العدالة والتنمية الإريترى» عام 1988، تحت مسمى «حركة الجهاد الإسلامى الإريترى» أثناء مقاومة الاحتلال الإثيوبى، لتشكل هذه الخطوة نقلة نوعية في مسيرة العمل الإسلامى والوطنى داخل إريتريا، كما يعتبر بمثابة بداية لتوجه الحزب نحو حشد الصفوف واستقطاب المريدين.
وفى أغسطس عام 1998، عقب المؤتمر الثالث، تم تغيير اسم الحركة إلى «حركة الخلاص الإسلامى الإريترى، في حين تم الاستقرار على مسمى «الحزب الإسلامى الإريترى للعدالة والتنمية» عام 2004، وأكدت الوثيقة التأسيسية للحزب أنه يعتبر بمثابة امتداد لمجاهدات المسلمين عبر الزمان.
في المقابل هناك اتجاه آخر يرى أن التاريخ السياسى الإرتيرى لم يشهد سابقة حقيقية وقوية لنشوء الأحزاب السياسية الدينية، حتى إن حزب «الرابطة الإسلامية» الذى نشأ خلال أربعينيات القرن الماضى، لم يجسد الإسلام السياسى بالمعنى الحقيقى، بل كانت الرابطة بمثابة حزب سياسى مستقل، يتخذ من العبارات الدينية شعارًا له ليس أكثر.
أما على المستوى الميدانى، لم يكن هناك أى علاقة بين أطروحاته وأطروحات الأحزاب الإسلامية الحالية، لذا لا يمكن الجزم بوجود تجارب سياسية ذات مرجعية إسلامية حقيقية متجذرة في إريتريا، ربما كانت تجارب في زى إسلامى إلا أن جوهرها وممارساتها لم تعبر عن ذلك مطلقًا.

المراجعات الفكرية للحزب
لم يكن المؤتمر السادس لـ «حزب العدالة والتنمية الإريترى»، الذى انعقد في سبتمبر 2019، المحاولة الأولى لتغيير جلده، فقد أجرى الحزب خلال السنوات الماضية محاولات للاندماج والانخراط مع الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، إلا أنه لم يكشف مسبقًا عن نيته إجراء تعديلات ومراجعات فكرية وإيديولوجية باستثناء إعلان تخليه عن الخيار العسكرى بعد إعلانه في بداية التسعينيات تحوله من حركة الجهاد الإسلامى الإريترى إلى الحزب الإسلامى الإريترى.
مما سبق، نصبح أمام عدة تساؤلات، فهل أجرى الحزب بالفعل مراجعات فكرية تستهدف الانفتاح على الآخر كما ورد في نص بيانه السادس، لا سيما في ظل مجتمع يدين غالبيته بالإسلام والمسيحية، أم أن محتوى البيان لا يعكس إلا تغيرات شكلية طفيفة للاستجابة إلى تغيرات محيطة بغية تحقيق مصالح خاصة في نهاية المطاف.
ولا بد أن نأخذ في الاعتبار الدورين التركى والقطرى فيما يحدث مؤخرًا من تطورات، فالجماعات الإخوانية الإريترية تحاول إعادة تنظيم نفسها من جديد عبر دعم تركى وقطرى، بغية تنفيذ أهداف وأجندات بعينها داخل هذه المنطقة، وهذا ما يفسره إعلان رابطة علماء إريتريا في أبريل 2019، بشأن افتتاح فرع لهم في تركيا، لتكشف الرابطة عن وجهها الحقيقى، وبشكل ضمنى، اتجاهها نحو توسيع نشاطاتها داخل وخارج البلاد، بدعم معارضيها من أجل زعزعة استقرارها وضرب التحولات التى تمت عقب عودة العلاقات الإثيوبية الإريترية.
في المقابل وجهت وزارة الإعلام الإريترية في بيان لها اتهامها «لحزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، ومركز الخدمات التشغيلية القطرى، بدعمهم المعارضة الإريترية لتنفيذ أجندات تخريبية خاصة بهم داخل البلاد، ومن الجدير بالذكر تشهد المحاولات العدائية التركية تصاعدا كبيرا بغية عرقلة محاولات السلام والتطورات الإيجابية بمنطقة القرن الأفريقي.
وفى سياق الحديث عن المحاولات العدائية داخل إريتريا، اتهمت حكومة «أسمرا» في مارس 2018، الحكومة القطرية، بالسعى نحو تنفيذ خطط لتنظيم أنشطة سياسية وعسكرية ضد حكومة الرئيس «أسياس أفورقى»، بينما كشفت تقارير تورط عناصر سلفية وإخوانية إريترية بالتنسيق مع تنظيمات إرهابية في الصومال واليمن والمغرب للقيام بعمليات تفخيخية بمنطقة القرن الأفريقي لإشعال التوترات والقضاء على أى محاولات لنشر السلام بالمنطقة. 


جدير بالذكر، أن التركيبة الإخوانية المتلقية لأجندات خارجية تتآلف من أكثر التنظيمات الإرهابية تطرفًا وفتكًا كالجماعة السلفية الجهادية، وتنظيم القاعدة، وحركة الإصلاح، في حين تسعى هذه الكيانات لإشعال الصراع الطائفى القبلى في القرن الأفريقي لضرب أمنه واستقراره، تمهيدا لتسويق مشروعها.
ومن أبرز الشخصيات التى تتشكل منها الرابطة، رئيس حزب المؤتمر الإسلامى والعضو الحالى في مكتب التخطيط الاستراتيجى وجماعات المجاهدين، التى قامت بارتكاب جرائم ضد المواطنين غرب البلاد خلال السنوات الماضية، كما ينضم للرابطة عدد من قيادات وأعضاء حزب «العدالة والتنمية» الإريترى، وهو ما يثير علامات استفهام بشأن دوافع التطورات الإيديولوجية الأخيرة بشأنه. 

رؤى متعارضة 
تعددت التحليلات بشأن الإجراء الأخير للحزب الإسلامى الإريترى، ما بين رؤى إيجابية متشوقة لتجربة سياسية جديدة أكثر ثراء للحزب في ظل تجرده من الثوب المتشدد، وأخرى رؤى سلبية ترى أن توجه الحزب الأخير مجرد إجراء صورى يستهدف تحقيق مصالح خاصة، إلا أنه في باطنه متمسك بإيديولوجيته الدينية وما ورد في أدبياته السابقة.



التيار المتفائل
يرى هذا التيار أنه منذ تأسيس الحركة الإسلامية الإريترية في سبعينيات القرن الماضى، كانت شديدة التأثر والارتباط بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية والفكرية المحيطة، وهو ما يمكن ملاحظته في أدبياتها ومواثيقها السياسية، ومن ناحية أخرى لا يمكن تجاهل وجود صلة وثيقة بينها وبين الحركات المشابهة، ما يفسر جدوى تحررها واتجاهها نحو إحداث تغيرات خاصة بها، لا سيما أن تلك الارتباطات ترتكز على البعدين الفكرى والإيديولوجى.
وبناءً على ما سبق، يمكن توضيح ما جرى في المؤتمر السادس للحزب الإسلامى الإريترى للعدالة والتنمية، بأنه كان بمثابة محاولة لوضع حل لمعضلتين، تتمثل الأولى في محاولة فك الارتباط الإيديولوجى من جهة، ومن جهة أخرى العمل على فصل المؤسسات الدعوية والثقافية والاجتماعية عن العملية السياسية.

التيار المتشكك 
يرى هذا التيار أن الحزب لم يعلن صراحة تبنيه العلمانية، فسيناريو الانقطاع والانعزال تماما عن الولاء والبيعة أمر مستبعد، فالحزب يسعى لتحقيق أهداف معينة منها تحقيق مزيد من الحشد عبر اختيار اسم عام وأشمل يقلل من حدة التناقض مع الطرف المغاير، وتجاوز إشكالية الفرز السياسى التى يقوم بها المجتمع الدولى والإقليمى.
فكما نرى حاليا يشهد الوضع الإريترى حالة من الزخم لا سيما مع استمرار السجال بين التيارين العلمانى، والذى يدعو للفصل التام بين الدين والسياسة، وتكمن مشكلة هذا التيار في الازدواجية بين أفكاره المعلنة وممارسته الواقعية، فنجد مثلا أن النظام السياسى الإريترى على مدى ثلاثة عقود، يكرس سيطرته ومركزيته على المؤسسات الدينية والعمل على تجريدها من كافة صلاحياتها واستقلاليتها.
في المقابل يرفض التيار الآخر المبادئ العلمانية، ويشمل هذا التيار كافة الحركات الإسلامية وبعض المؤسسات الدينية، بما فيها المسيحية، ويبدو أن المستجدات الدولية والإقليمية وكذلك المحلية ليست لصالحه، وربما يفسر ذلك أسباب تخلى الحزب الوطنى عن إفراطه في الجمود.
وهناك قراءة أخرى لا يمكن تجاهلها بشأن التحول الأخير في الحزب، فربما يعبر هذا التحول عن ضرورة سياسية أكثر من كونه تحولا ممنهجا، فبالرغم من ادعاءات قادة الحزب أن هذا التغير نتاج نقاشات مطولة وقناعات داخلية، فإنه بقراءات كتابات المنتمين للحزب نجد أنهم لا زالوا متمسكين بنفس مفرداتهم في خطاباتهم وأحاديثهم كإسلاميين.
فالحزب على مدى السنوات الماضية عمل على تأهيل كوادره أكاديميًا على أساس ثابت وإيديولوجية إسلامية رصينة، ومن ثم فإن التخلى عن الإيديولوجية يعنى ضمنيًا انهيار الحزب، ووفقًا لهذه الرؤية فإن الإعلان عن تبديل إيديولوجية الحزب يحتمل معنيين؛ أولا في حالة الجدية؛ فإن عواقب ذلك ستكون انهيار الحزب تمامًا، والمعنى الآخر أن الحزب يدعى تبديل الإيديولوجية بغية تحقيق أهداف معينة، إلا أن جوهره يحتفظ بالمبادئ الدينية التى بنى عليها بالأساس. 
لذلك من المرجح أن الإجراء الأخير للحزب لا يعكس القناعات الداخلية له، فمن الصعوبة المطلقة أن يجرى الحزب قطيعة فكرية حقيقية، لا سيما أن الانتماء للحزب مبنى بالأساس على مبدأى الولاء والبيعة، وهى السمات الأساسية التى تبنى عليها الأحزاب العقائدية، ومن ثم ستكون أبرز عواقب إعلان تحول الحزب الأخير، عدم قدرته على استيعاب أشخاص جدد لم يخضعوا لتربية تنظيمية، وحتى لو حدث ذلك؛ فإن المنتمين الجدد لن يشعروا بالانتماء العميق له، خاصة أن الحزب يدّعى فتح أبوابه لجميع الإريتريين مسلمين ومسيحيين، وهو أمر غير قابل للتحقيق.
ويعزز من الدور التركى ما سبق وأشرنا له من حيث فتح جميع الأبواب لاستقطاب المعارضة الإسلامية الإريترية، وفتح أبواب لها كما حدث في أبريل 2019، لنجد بذلك أن حزب «العدالة والتنمية» التركى، يحاول تكرار سيناريو جيبوتى مرة أخرى، فبعد أن تمكن من اختراق تلك الدولة عبر بوابة المساعدات الإنسانية والغذائية؛ لإحكام القبضة على ثرواتها الطبيعية الهائلة، وعلى رأسها النفط والنحاس والذهب، يحاول تكرار السيناريو ذاته في إريتريا إلا أن الحكومة في «أسمرا» أفشلت جل المخططات التركية.


وربما هذا ما دفع أردوغان لتفعيل منهجية جديدة للتوغل داخل إريتريا عبر آليتين، الأولى من خلال استغلال الإريتريين المقيمين في تركيا، خصوصًا من يعتنقون أفكار جماعة الإخوان المسلمين، لذلك قامت الحكومة التركية بتأسيس رابطة خاصة بهم تتخذ من مدينة إسطنبول مقرًا لها، وارتكز هدفها الأساسى على الترويج لأفكار العثمانيين الجدد، كذلك شن هجوما على حكومة «أسمرا» عبر رفع شعارات دينية بغية حشد واستقطاب الفقراء، والأفارقة المقيمين في تركيا، وفى الداخل الإريترى.
أما البعد الثانى، فيتمثل في إجراء عدة تغيرات هيكلية لدى الأحزاب الإسلامية كما حدث مع حزب «العدالة والتنمية» الإريترى، لفتح الأبواب وتهيئة الأجواء لمزيد من التغلغل التركى عبر تلك البوابة.