الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إثيوبيا.. واللعب بالنار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشكلة مياه النيل.. ليست وليدة اليوم ولا الأمس.. ولكنها مشكلة تاريخية.. لها جذور ضاربة في القدم.. وتعود لقرون عديدة مضت.. إلا أنها تصاعدت وتطورت وتوترت خلال السنوات الأخيرة.. عندما استغل الإثيوبيون انشغال مصر بالأحداث التى تلت ٢٠١١.. ونفذت ما خططته هى وداعموها.. وأقامت مشروعها الضخم المعروف بسد النهضة على النيل الأزرق.. الذى يمد مصر بمعظم المياه.
وقد حرصت مصر في مفاوضاتها الأخيرة مع إثيوبيا.. على اتباع سياسة النفس الطويل.. والصبر على تعنت الجانب الإثيوبي.. ومماطلته ومراوغته وعدم جديته.. ورغم تدخل العديد من الأطراف الدولية الفاعلة ورعايتها للمفاوضات.. إلا أن إثيوبيا تصر على اللعب بالنار.. فالنيل هو قلب مصر النابض.. ومياهه هى الدم الذى يسرى في شرايينها.. وأى اعتداء عليه أو محاولة منعه من السريان.. هو اعتداء على حياة مصر ونمائها وأمنها.
لقد قامت حضارة مصر منذ آلاف السنين على ضفاف النيل..وقدسه الفراعنة وجعلوه إلهًا أطلقوا عليه اسم حابى أى السعيد أو جالب السعادة.. وأقاموا له الطقوس الدينية ورتلوا له الصلوات وقدموا له القرابين والأضاحي.. وكان النيل هو كل حياتهم.. حتى أن المؤرخ الإغريقى هيرودوتس عندما زار مصر ورأى ما يمثله النيل للمصريين.. أطلق مقولته الشهيرة «مصر هبة النيل» أى أنه لولا النيل ما كانت مصر ولا قامت حضارتها.
ولم يكن النيل سببًا في قيام حضارة مصر فقط.. وإنما كان سببًا في استمرارها.. ولولاه لجدبت أرض مصر وتصحرت.. وأيضًا لولا مصر ما كان النيل.. فهى التى روضته واكتشفت منابعه ونظمت سريانه.. بعد أن كان جامحًا يصعب السيطرة على فيضانه وجفافه.. ولذلك ارتبط النيل بمصر وليس إثيوبيا أو غيرها من دول المنابع.
وإذا كانت الحياة حقًا من حقوق الإنسان التى شرعتها الأديان السماوية وكفلتها المواثيق والأعراف الدولية.. فإن من حق المصريين أن يدافعوا عن حياتهم بأى وسيلة يرونها.. ليحافظوا على حياتهم.. وقد سلكت مصر سبلًا كثيرة لتجاوز هذه الأزمة وحلها حلًا منطقيًا بالطرق السلمية التى تحافظ على العلاقات التاريخية والطبيعية بين دول حوض النيل كافة وإثيوبيا خاصة.. إلا أن التعنت الإثيوبى يجرنا إلى ما لا نريده إلا مضطرين.
وتعنت إثيوبيا بهذا الشكل يؤكد أن مشروعها سياسى وليس اقتصاديًا.. يراد به الإضرار بمصر وتهديد أمنها.. لأنه لو كان مشروعًا اقتصاديًا كما تزعم إثيوبيا.. لسهل التوصل إلى حل مرضى لجميع الأطراف.. خاصة وأن مصر تعترف بحق إثيوبيا وكل دول المنابع في التنمية والتطور.. وتشارك في المشروعات المائية وإقامة السدود ببعض هذه الدول.. لتنظيم تدفق المياه وتوليد الكهرباء وإقامة المشروعات التنموية.
إن ما تفعله إثيوبيا.. لن يكون في صالحها ولا في صالح دول المنطقة.. خاصة السودان وموقفها المائع.. وستتحول المنطقة بأسرها إلى بؤرة صراع وحروب.. ومن يلعب بالنار.. سيحترق بها.. خاصة وأن السودان وإثيوبيا غير مستقرتين داخليًا وتمزقهما الخلافات العرقية والطائفية.. ويدركان جيدًا.. أن مصر لن تفرط في حقها حتى لو اضطرت لخوض حرب شاملة في المنطقة، وهو ما تتجنبه مصر بحكم دورها التاريخى، وفى النهاية سيخسر الجميع.. وأتمنى أن يغلب صوت العقل وترجع إثيوبيا ومن ورائها السودان عن غيهما وتثوبان إلى رشدهما.. ويعرفان مصلحتهما.. ويرضخان للحلول المنطقية التى تجنب المنطقة خرابًا ودمارًا شاملًا.. إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يرضى الجميع.. وعلى المجتمع الدولى.. أن يقوم بدوره.. إذا كانت نيته صافية ورغبته صادقة.. لحل المشكلة.. بدلا من العواقب الوخيمة التى سيعانى الجميع منها.. إذا تفاقمت المشكلة وتأزمت الأمور وانسدت السبل.
إن مصر لن تتنازل عن حقوقها المشروعة في مياه النيل.. وإن كانت قبلت التفاوض.. فإن ذلك يرجع إلى حرصها على استمرار العلاقات الطيبة مع كل الدول.. كما أن طلباتها ليست بالتعجيزية ولا تضر بمصلحة إثيوبيا ولا بمشروعاتها التى تزمع إقامتها.. فمصر تطلب إطالة فترة ملء خزان سد النهضة بما لا يؤثر على حصتها من المياه وألا يقل منسوب خزان السد العالى خلال سنوات ملء سد النهضة عن 165 مترًا.. وأن تقدم إثيوبيا 40 مليار متر مكعب سنويًا من المياه إلى مصر.. وهذه مطالب يسهل تنفيذها ولا تضر بأى طرف من أطراف التفاوض.
وعلى المصريين جميعًا أن يلتفوا حول قيادتهم.. ويقفوا خلف مفاوضهم ليشدوا من أزره ويدعموه في مطالبه ويمنحوه القوة والصلابة.. في مواجهة أحد أخطر التحديات التى تواجهنا في الوقت الراهن.