الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التواصل الاجتماعي إلى أين؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرف العالم أول مجموعات افتراضية من البشر لا تعرف بعضها مباشرة وتتواصل عبر وسيلة اتصال لأول مرة في خمسينيات القرن الماضي. كان ذلك مع ظهور مجموعات (phone phreak) التى تمكنت من اختراق خطوط الهاتف الأرضى، وعمل مجموعات تتواصل مع بعضها جميعًا في ذات الوقت، كما نفعل الآن في اتصالات الهاتف المكونة من أكثر من متصلين اثنين. تمثل السبب الرئيسى في تكوين هذه المجموعات في الاهتمامات المشتركة التى كانت مجموعات معينة من البشر يسعون للتواصل بشأنها. لم يطرأ جديد على تلك مجموعات التواصل الاجتماعي حتى سبعينيات القرن الماضى، حين ظهرت مجموعات (BBS) أى مجموعات لوحة الإعلانات، وكانت تتواصل مع بعضها عبر أجهزة كمبيوتر متصلة بمودم الهاتف الأرضى في مناقشات وألعاب مشتركة على نطاق محدود نظرًا لارتفاع أسعار الأجهزة والاتصال، لا سيما أن السبعينيات حملت للعالم البريد الإلكترونى ومعه نظام الدردشة لكنها لم تقدم للعالم غيرها. أطلت علينا مع التسعينيات شبكة الويب، وظهر الإنترنت بشكله الحالى للمرة الأولى ومعه أول شبكة تواصل اجتماعي (Classmates.com)، ثم توالت بعد ذلك الشبكات في الظهور ومنها ما نستخدمه اليوم (FaceBook، Twitter، YouTube) والكثير.
استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تقتحم حياتنا بشكل مرعب وفائق السرعة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، حتى أنها صارت حياتنا التى انفصلت عنا ففى بعض الأحيان كما تنبأ بذلك الفيلم الأميريكى «The Net»، الذى دار حول فتاة تعمل في مجال المعلومات استطاع أحدهم أن يخترق حياتها عبر اختراق شبكاتها عبر الإنترنت. إلا أننا اليوم في قمة نجاح للشبكات الاجتماعية نجد العديد من الأبحاث التى أجريت من أجل الإجابة عن سؤال واحد: «ماذا بعد؟» لقد توصلت الأبحاث إلى أن تلك الشبكات صارت تمثل عبئًا ثقيلًا على كاهل المستخدمين، فهى تستهلك طاقاتهم الجسدية والفكرية عبر إدمان استخدامها، وتتخذ قرارات كثيرة في حياتهم نيابة عنهم، بدءًا من اختيار الطريق الأقل ازدحامًا مروريًا هذا الصباح حتى نوع الحليب الذي تشربه قبل النوم، إذ صارت حياة المستخدمين موضع نقاش ومشاركة، كما أنها ألقت بالكثير من المعلومات للكثير من الأفراد بشكل يجب السيطرة عليه، وهذه السيطرة تحتاج للمزيد من المجهود، لذا أصبح المستخدمين منهكين بشكل دائم، وهو أمر محبط نسبيًا وغير مطلوب.
إن المستقبل القريب لشبكات التواصل الاجتماعي في الأبحاث التى تناولته يرى أنها ستتحول لمجموعة من السجلات عن المستخدم، تسهل له وعلى الجميع التعامل معه، حتى إنهم ضربوا مثلًا، لذلك بأن المرضى سيملكون فرصًا أفضل في الشفاء نتيجة لأن تاريخهم الصحى مسجل بعناية على إحدى شبكات التواصل، إلا أن هذه المواقع ستتغير وستدخلها تقنيات جديدة ترفع مستويات التشفير والأمان الخاصة بها، ومن تلك التقنيات تقنية البلوك تشين التى أسفرت عن عملات إلكترونية صرفة، فالبلوكشين هى تقنية لتخزين والتحقق من صحة وترخيص التعاملات الرقمية في الإنترنت بدرجة أمان عالية ودرجة تشفير قد يكون من المستحيل كسرها في ظل التقنيات المتوفرة اليوم، واعتمادًا على هذه التقنية ظهرت اليوم منصة اجتماعية اسمها STEEMIT” تتيح للمستخدم نشر مواد والتفاعل مع أخرى بشكل معقول، ويمكن التحكم به بعيدًا عن حالة الإنهاك والفوضى التى تعانى منها شبكات التواصل الاجتماعي، كما أنه يعمل على كسب عملات إلكترونية في معظم الوقت من خلال أنشطته المختلفة. يرى الكثير أن تلك المنصة تقدم المستقبل القريب. لكنها تحد من التواصل الاجتماعي كقيمة، إذ لن نكون مستعدين للتواصل بشكل كبير في المستقبل بعد تجارب الإنهاك واقتحام الخصوصية التى نمر بها الآن.
إن فكرة المساواة الاجتماعية في النشر والتفاعل هى التى جمعت يومًا ما كل هذه الملايين من البشر حول مفهوم التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، وفكرة التخمة المعلوماتية بلا أى حدود هى التى تكتب اليوم عددًا من السيناريوهات التى تنبئ بانهيار جزئى لهذا التواصل الإلكتروني. إن كلمة السر في الاتصال الشخصى بل والجماهيرى، هى «المصداقية» وكثرة المعلومات المتاحة عن حد معين يصعب على المستخدم تحمله يجعله عاجزا عن تصديق كل هذا الكم، ويجعله شاعر بالخطر باستمرار على معلوماته القليلة البسيطة، سيصبح يومًا ما غير قادر على رؤية علاقات خاصة صغيرة حميمة جميلة يبتسم من أجلها بينه وبين قلبه، وهو جزء أصيل من إنسانيته.
السينما مرآة للمجتمع تعكس الواقع وتطرح قضاياه، وهى أيضا إحدى أهم أدوات تشكيل الوعى في العصر الحديث.
وتعد مشكلات المرأة من أبرز إشكاليات المجتمع، حيث يكشف الفن السابع نظرة المجتمع للمرأة سواء أكان دورها هامشيا أم فاعلا ومؤثرا.
وهناك العديد من الأعمال السينمائية التى صورت المرأة باعتبارها فقط أداة لترويج الفيلم، عبر استغلال مفاتنها الجسدية، وتسطيح دورها، الذى اقتصر في كثير من الأفلام على أنها امرأة لعوب تجسد أدوار الإغراء، تقوم بأدوار -على سبيل المثال لا الحصر- راقصة، تاجرة مخدرات، امرأة طائشة، فتاة ليل، خائنة، جاسوسة، متمردة على الواقع، ما يسهم -في نظر بعض المنتجين- في ارتفاع نسبة المشاهدة، وبالتالى زيادة الربح، دون الغوص في أعماق الشخصية النسائية.
كذلك هناك العديد من الأفلام التى أسهمت في ترسيخ النظرة الدونية للمرأة باعتبارها جالبه للعار، وأعمال أخرى صورت النساء في قالب من السذاجة والضعف كالسيدة أمينة الخانعة في منزل «السيد عبد الجواد» في سلسلة الأفلام المأخوذة من ثلاثية أديب نوبل نجيب محفوظ، إلى جانب العديد من الأعمال التى وقفت أمام المرأة باعتبارها الأم الحنونة، والزوجة المظلومة، والحبيبة الخاضعة.
فيما غابت إلى حد بعيد عن السينما المصرية القضايا الحقيقية والإنسانية المتعلقة بالمرأة وهمومها وأوجاعها في ضوء الواقع المكبل الذى تحيا فيه النساء، ويحاصرها الظلم والتهميش من كل حدب وصوب.
بينما شهدت السينما المصرية تحولًا كبيرًا، جاء مصاحبا لثورة يوليو، حيث ظهرت في حقبة الستينيات سلسلة من الأفلام التى اقتحمت عالم المرأة ومشكلاتها، تناولتها السينما بروح تقدمية لم تكن متاحة في النصف الأول من القرن العشرين.
ومن الأعمال التى نادت بحرية المرأة وحرية الوطن في الوقت ذاته فيلم «أنا حرة» للأديب إحسان عبد القدوس، إنتاج عام ١٩٥٩، إخراج المبدع صلاح أبوسيف، وتدور أحداثه قبل الثورة، ويسلط الضوء على فتاة متمردة على أسرتها، وعلى عادات وتقاليد المجتمع، التى فرضت قيودا لا تعد ولا تحص على المرأة، وكبلت حركتها وتعاملت معها باعتبارها فاقدة الأهلية، قامت بدور البطولة الفنانه لبنى عبد العزيز.
كما ظهرت أعمال رفعت من قيمة المرأة ودافعت عن حقها في تقلد أعلى المناصب الوظيفية، كما في أحد أهم الأفلام المصرية «مراتى مدير عام» إنتاج عام ١٩٦٦. وقد طرح الفيلم في قالب كوميدى، إشكالية قدرات النساء ونبوغهن في إدارة شئون المؤسسات الكبرى والمصالح الحكومية المهمة؛ حيث يعمل الزوج مهندسا بإحدى شركات المقاولات، وتصادف أن زوجته أصبحت مديرته في العمل، الفيلم كتب له السيناريو والحوار باقتدار سعد الدين وهبة عن قصة عبدالحميد جودة السحار، ومن إخراج فطين عبد الوهاب، بطولة شادية وصلاح ذو الفقار، نال الفيلم جائزة المركز الكاثوليكى لأحسن فيلم. وفى الحقبة الناصرية أيضا أنتج فيلم «الباب المفتوح»، قصة وسيناريو الأديبة الكبيرة لطيفة الزيات، وإخراج هنرى بركات، الذى سلط الضوء على القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع وضرورة تغييرها من خلال فتاة من الطبقة الوسطى تثور على الواقع السياسى والاجتماعي، وترفض أفكار المجتمع الرجعية.
بينما غابت صورة المرأة المناضلة إلا فيما ندر، كفيلم «جميلة بوحريد» للمخرج الكبير يوسف شاهين عام ١٩٥٨، ومن تأليف ثلاثة من كبار العمالقة: عبد الرحمن الشرقاوى، نجيب محفوظ، على الزرقانى، يروى قصة كفاح الشعب الجزائرى ضد الاستعمار الفرنسى، من خلال المناضلة جميلة التى أسهمت في مقاومة الاحتلال الأجنبي، وتعرضت للتعذيب وقاومت ببسالة وشجاعة، وتمسكت بكامل حقها في الحرية وتخليص بلادها من نير الاحتلال.
وفى السبعينيات طالعتنا سلسلة من الأفلام المهمة لعل أبرزها فيلم «أريد حلا»، للمخرج سعيد مرزوق، إنتاج عام ١٩٧٥، حيث تعرض الفيلم للحقوق القانونية للمرأة، مشيرا إلى واحدة من أخطر القضايا في القرن العشرين، مسلطًا الضوء على الوضع الكارثى للمرأة التى تنفصل عن زوجها، وما يتبع ذلك من معاناة وظلم، وما تلاقيه من مآس سواء في بيت الطاعة أو المحاكم، جسدت دور المرأة القوية التى لم تتوان في المطالبة بأبسط وأهم حقوقها الفنانة القديرة فاتن حمامة، وكان لهذا العمل المهم دورا جوهريا في تعديل قانون الأحوال الشخصية، حيث منحت المرأة الحق في خلع زوجها طالما لا تطيقه زوجًا، ويعد ذلك بما لا يدع مجالا للشك انتصارا في مجال حقوق المرأة.
وتبقى مسئولية مصداقية صورة المرأة مرتبطة بمدى وعى الكُتّاب بالتطور الذى حققته المرأة في كافة مناحى الحياة، وفى محاولة لتغيير الصورة النمطية الموروثة عن المرأة، هل علينا المؤلف المتميز تامر حبيب بفيلمه «تيمور وشفيقة» ٢٠٠٧، ليقدم صورة للمرأة مغايرة لما هو متعارف عليه في السينما المصرية، خاصة بعدما تقلدت المرأة أعلى المناصب الوظيفية، قاضية، محافظ، ووزيرة أيضا، وتدور أحداث الفيلم في إطار إثبات قدرات النساء على التفوق والنبوغ رغم أنف رؤية الرجل التقليدية للمرأة، من خلال قصة حب قوية تنشأ بين تيمور الذى يعمل في الحراسات الخاصة لكبار المسئولين وشفيقة التى تحصل على الدكتوراة، وبعد ذلك تُعين وزيرة، ويكون ضابط الحراسات هو نفس الشخص الذى تحبه ويحدث بينها خلافات كثيرة بسبب نظرة الرجل السطحية والتقليدية للمرأة.
المؤسف أن صناع السينما لم ينجحوا في رسم الشخصيات النسائية كما ينبغى، حتى تكون قادرة على تجسيد واقع المرأة القوية المتمكنة من إدارة حياتها وحيوات الآخرين، وغالبا ما يتم حصر المرأة في إطار نماذج إنثوية وداخل عوالم ضيقة، باستثناء بعض السينمائيين الذين أدركوا أن المرأة سر الحياة، تعاملوا معها بوعى واستنارة، فظهرت المرأة في أعمالهم حرة وقوية متألقة قادرة على المواجهة والصمود.
المؤكد أن السينما المصرية لها سطوة كبيرة على العقول، ولها تأثير واضح في تشكيل الأبعاد الوجدانية والفكرية لدى قطاع كبير من الجماهير، لذلك فالصورة التى تقدمها السينما المصرية عن المرأة تؤثر سلبا أو إيجابا في الرأى العام، ومن ثم يمكن أن تقود الأعمال الإبداعية الجماهير نحو التقدم والتنمية والرقى الأخلاقى والحضارى، ويمكن أن يحدث العكس وأن تسهم في تخلف المجتمع والمرأة معا.