الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرابحون من الأزمات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كل أزمة يسعى الانتهازيون للتربص بها والتربح منها بالالتفاف عليها، والبحث عن منافذ الضعف فيها، والنفاذ منها لتحقيق مصالح غير قانونية بل وغير أخلاقية.
وهي أزمات تنتج أثرياءها كما تفعل الحروب، ويمكن أن نطلق على هؤلاء مسمى «أثرياء الأزمات» على نمط «أثرياء الحروب»! وهو ما يجري حاليا بشأن وباء كورونا، الذي بدأ يتخطى حدود الدول، وينتشر انتشارًا بسرعة البرق في أنحاء الكرة الأرضية.
والمنتفعون من أزمة كورونا محليون ودوليون في نفس الوقت، إلا أننا هنا سنعني بالشأن المحلي المصري، الذي يعاني كثرة الانتهازيين من «أثرياء الأزمات»، فسرعان ما وجد هؤلاء مبررًا لرفع أسعار السلع والأجهزة الإلكترونية، خاصة تلك المستوردة من الصين بحجة عدم وجود سلع جديدة مستوردة بسبب توقف حركة الاستيراد.
وفي ظل غياب المنطق، وحضور الطمع، وعدم الرقابة، يسطع نجوم بيزنس الأزمات بشكل كبير، ويبدعون في كيفية جمع المال والتربح السريع دون مجهود لأنهم يجيدون أصول لعبة «الفهلوة» المصرية التاريخية التي ازدهرت بعد منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأصبح لها جذور ممتدة في كافة مناحى حياتنا، وأصبح لها أبناء وحفدة يرعون ما زرعه السلف من قواعد الالتفاف على القانون واستغلال ثغراته وانتهاز الفرص لجمع الملايين المشبوهة.
الانتهازية لها صور عديدة ولها أدواتها المختلفة تحددها طبيعة الأزمة. فما أن صدر قرار تعويم الجنيه في عام ٢٠١٦، وتضاعف سعر الدولار حتى بادر نجوم الأزمات باستغلال الظرف وضاعفوا أسعار السلع التى يتاجرون فيها فورا، رغم أن تلك السلع كانت مكدسة في المخازن منذ عدة أشهر وربما سنوات، ورغم تراجع أسعار الدولار الذى كان قد قفز إلى نحو ٢٠ جنيها بعد أسابيع من تعويمه ثم تراجع واستقر لفترة عند حدود ١٨ جنيها، إلى أن وصل حاليا إلى ما يزيد قليلا على الـ ١٥ جنيها، إلا أن السلع التى ارتفعت فور صعود الدولار لم تشهد انخفاضا ملموسا بعد أن تراجع أكثر من ٣ جنيهات تقريبا الآن.
ارتفاع الأسعار كانت له آثاره السيئة على حركة البيع والشراء في الأسواق، ما أدى إلى زيادة حالة الركود التى كانت تعانيها الأسواق بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، إلا أن منطق التربح السريع كان صاحب الكلمة العليا في الأزمة، ولم يتزحزح سلوكه. رغم ما تعانيه الأسواق من ركود ورغم تباطؤ حركتى البيع والشراء، وهو منطق يجافى قوانين التجارة الحرة، ولكنه للأسف يتسق مع منطق مص دماء المستهلكين وإفقارهم بصرف النظر عن مبادئ الرحمة أو حتى قوانين التجارة الحرة. لكن زعماء بزنس الأزمات لا يفهمون إلا من أين تؤكل كتف المستهلك فقط.
ما دمنا ارتضينا أن نجرى في فلك التجارة الحرة وقوانين العرض والطلب، فيجب أن نلتزم بآلياتها التى لا تجعل المستهلك فريسة سهلة لضعاف النفوس فلا يمكن أن نترك الأساليب الاحتكارية مسيطرة على الأسواق بهذا الشكل الذى لا يخدم سوى مصالح فئات بعينها وأعداد قليلة جدا من أباطرتها.. فالعاملون في مجال البيزنس يعرفون أن كل نوع من السلع يقع تحت ولاية عدد محدود جدا من أباطرة المال لا يسمحون لغيرهم بالاقتراب منه. وبالتالى يتحكمون في أسعاره دون رحمة.
هؤلاء الأباطرة موجودون بشكل واضح في سلع معينة منها السيارات والأجهزة المنزلية أو الكهربائية أو أجهزة التكييف وغيرها دون حصرها والأرباح في معظمها تتجاوز الـ ١٠٠٪ وهو أمر غير موجود في معظم دول العالم حتى عتاة الرأسمالية.
وهنا يجب أن تتدخل الدولة لضبط الأسعار ما دامت آليات السوق الحرة لا يتم تفعيلها كما يجب، وما دام هناك عوار واضح في منظومة السوق. وأحسنت الدولة عندما تدخلت فيما جرى في أزمة ألبان الأطفال التى شهدتها البلاد منذ سنوات قليلة، لولا تدخل الجيش المصرى لحل الأزمة. وكذلك ما قامت به الدولة من نشر مئات السيارات التى توزع المنتجات الغذائية بأسعار مخفضة أدت إلى ضبط هذه السوق بشكل واضح، وانخفضت أسعار كثير من السلع بسبب هذا الإجراء.
لذلك فأنا من هؤلاء الذين يرون أن رفع الدولة يدها بشكل كامل عن السوق وتركها تخضع لقوانين العرض والطلب، أمر يجافى الصواب، خاصة أن كثيرا من التجار تنقصهم الرشادة في ظل وجود كثير من أصحاب المصانع والشركات من الجنسيات الأجنبية، وأبرز صور ذلك شركات الأسمنت التى تم بيعها لمستثمرين فرنسيين وإيطاليين وغيرهم استطاعوا احتكار هذه الصناعة عدة سنوات وضاعفوا أسعار الأسمنت بشكل كبير فور امتلاكهم معظم مصانعه. قبل أن تتدخل الدولة فيما بعد بالترخيص لمصانع جديدة أدت لتراجع أسعاره بشكل واضح الآن.
بالتالى يجب تقنين أدوات جديدة لكى نعيد للسوق رشادته وحتى لا يتحمل المستهلك وحده وزر أى عبء يفرضه الإصلاح الاقتصادى، خاصة أن الدول التى تعتبر نفسها راعية للنظام الرأسمالى بدأت تتراجع عن الكثير من قوانينه وتفرض قوانين جديدة تكبح جماح السوق الحرة وتعيده لجادة الصواب.