الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"البط الفرنسي" يشعل أزمة بين المستوردين والحكومة.. سعر الكتكوت 70 سنتا.. التجار يطالبون بالتوسع في الاستيراد.. والخدمات البيطرية تحذر من "المولار".. 50 مليون بطة استهلاك مصر سنويا والسماسرة يتحكمون

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تُعانى مصر منذ سنوات عديدة من فجوة غذائية خصوصا في إنتاج البروتين الحيواني، تتزايد هذه الفجوة بفعل الانفجار السكانى الذى تعانى منه البلاد، وتسعى الدولة جاهدة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من البروتين وسد العجز الذى يصل إلى أكثر من 10% في الدواجن، و35% من اللحوم.

ولعل ذلك، ما دفع الحكومة لتبنى عدد من المشروعات لسد العجز معتمدة على سياسة زيادة الإنتاج، وتشجيع الصناعة التى تواجه عددا غير قليل من المشكلات.


ويرى الخبراء ضرورة التوسع في تربية البط الفرنسى عبر استنباط سلالات جديدة بالتهجين للنهوض بالصناعة التى يرون فيها مستقبلا واعدا لسد الفجوة الغذائية في البروتين الحيواني.

كما أوصى خبراء الاقتصاد الزراعى والداجنى في مصر بضرورة تشجيع الإنتاج المحلى، مع ضرورة وقف البط المولار القادم إلى مصر، لا سيما بعد أزمة الكشف عن إصابة شحنتين من البط الفرنسى بمرض «السلامونيلا" الخطير العام الماضى، حيث تم إعدام الشحنة المصابة.

جاء ذلك في الوقت الذى تكشف فيه إحصائيات وزارة الزراعة عن استيراد ٥٠ مليون بطة سنويًا من أمهات «المولار» الفرنسية، وهو ما وصفه الخبراء بمحاولة إغراق مصر بإناث بط المولار الفرنسى التى يتم إعدامها بدولة المنشأ. وأشاروا إلى أن المستوردين نجحوا في تدمير الصناعة وغلق المزارع الوطنية، وهو ما يدعو لضرورة دعم المنتجين المصريين ووقف الاستيراد لحماية المستهلكين من الإصابة بالأمراض. «البوابة» ناقشت القضية من مختلف جوانبها مع عدد من الخبراء والمتخصصين وكذلك المربين للوصول للحقيقة كاملة.


مزارع البط

في البداية قال جلال السيد موافى، مهندس إرشاد زراعى سابقا، صاحب مزرعة نموذجية لتربية البط وإنتاج كتاكيت المولار في مصر: أعمل في صناعة الدواجن، ومنذ بداية ٢٠٠٢ بدأت العمل في تربية البط المولار وهو بغال البط، وبسبب تذبذب الأرباح وارتفاع نسب النفوق في الدواجن؛ اتجهت نحو تربية البط.

وأضاف: «أنه ما يُميز سلالات البط هو سهولة التربية ومناعته القوية ضد الأمراض وأرباحه المضمونة، كنت اعتمد على السلالات المحلية في بداية عملى بمجال التربية وهو هجين بين الذكر المسكوفى والأنثى البكيني، ولكنى دخلت الاستيراد عام ٢٠١٠ بعد اكتشافى ربحه الوفير، وفى عام ٢٠١٥ تبينت الأمور أن البط المستورد مصدر رئيسى لأمراض الفيروس من فرنسا.

وأكد مهندس الإرشاد الزراعى سابقا، أن المُربى المحلى لا يقدر على منافسة المنتج الفرنسى، وذلك لأنها تعدم إناث البط المولار مقابل ٨ سنتات، ويتم استيراد الأنثى الواحدة مقابل 70 سنتا، مشيرًا إلى أن الاستمرار في استيراد إناث البط يهدد الصناعة الوطنية وبالأخص بعد تحرير سعر صرف العملة، حيث ساهم في ارتفاع قيمة مستلزمات الإنتاج «الأعلاف»، مما سبب خسائر فادحة بالقطاع الداجني، فمن الصعب المعادلة ومنافسة المنتج الثانوي.

وتابع في حديثه، أن صناعة البط تضم عددا كبيرا من العمالة المباشرة وغير المباشرة، وتُشكل مصدر دخل رئيسى فإذا تم توقف الصناعة سيكون هناك عاطلون قدر فرص العمل التى تم توفيرها على مدى سنين.

وأوضح السيد موافى، أن وزارة الزراعة تمنع استيراد كتاكيت التسمين عمر يوم لجميع أنواع الطيور، وذلك لخوفها من الأمراض الداجنة، متسائلًا: «لماذا يتم السماح لاستيراد إناث بط المولار من فرنسا وهو طائر وفى منتهى الخطورة لأنه من أشرس عوائل إنفلونزا الطيور ولا يظهر عليه أثاره وينشر المرض؟».

وشرح صاحب مزرعة البط، أن أنواع البط «المولار هو الهجين بين المسكوفى والبكيني»، وهذا النوع لإنتاج اللحم فقط، ويتسم لحم البط المسكوفى باللون الأحمر الداكن، ويصل وزن ذكر البط المسكوفى إلى ٥ كيلو ويستغرق ٨٥ يوما للتربية، أما البط البكينى فيستغرق ٤٥ يوما للوصول لوزن ٣.٥ كيلو، ويبلغ سعر كيلو البط ما يقرب من ٣٠ جنيها من المزرعة، مؤكدا أن السماسرة يتحكمون في أسعار بيع الدواجن للجمهور وخاصة البط، ويحدد سعر البيع وفقا للعرض والطلب.

وناشد هيئة الخدمات البيطرية بحصر مزارع إنتاج البط وفقا للمعايير السليمة، مؤكدًا أن صناعة البط تحتاج إلى نظرة من جانب القائمين على إدارة الثروات الداجنة، وذلك لأن الصناعة المحلية قادرة على تغطية احتياجات مصر من البط، وأن ارتفاع الأسعار سبب رئيسى وراء إحجامنا عن استيراد أمهات البط.


بط المولار

والتقت «البوابة نيوز»، بعض العاملين بمجال إنتاج واستيراد البط للتعرف على آرائهم فقال محمد شعبان نوار مربى دواجن فراخ وبط وموزع كتاكيت، من قرية برما بمحافظة الغربية، قائلا: «إن الكمية المصرح استيرادها للبط كانت في الأصل ٢٥ بطة للمتر، ولكن أصحاب المصالح المحلية قاموا بتخفيضها لـ٤ بطات للمتر، ثم عدلت لـ٢٥ بطة بالتعاون مع وزارة الزراعة لمصلحة الشعب وليس لمصلحة فريق بعينه والتى على أثرها اشتعلت قلوب أصحاب المصالح غيظا وكرها».

وتابع «أن مجال الدواجن كان يعانى السنوات الماضية من أمراض جديدة وهى قادمة عن طريق البط المستورد وهى (سالمونيلا /إنفلونزا) وفى أوقات كثيرة يتم إعدام بعد الصفقات من البط داخل المطار وتكون قادمة من فرنسا.

ولفت شعبان نوار أنه منذ فترة كانت وزارة الزراعة وهيئة الطب البيطرى تقوم بإعطاء تصريح للمستوردين باستيراد البط ثم تحضينه في حضانات لمدة ١٥ يوما وبشرط كل متر ٤ بطات فقط؛ ولكن من وقت قريب صدر عدة منشورات تابعة لهيئة الطب البيطرى ووزارة الزراعة بأن المتر ٢٥ بطة.

وتساءل عن صحة: «السماح لمزرعة مساحتها ألف متر تربية ٢٥ ألف بطة، وهى في الأساس محتواها ٦ آلاف بطة».

وأوضح، أنه لا يوجد مميزات للبط المستورد لأن إنتاجنا المحلى شبيه للمنتج المستورد ولكن أضراره عديدة، منها يستورد بالعملة الصعبة، وسببا في إدخال الأمراض لمصر التى تضر بالمنتج المحلي، والأهم من ذلك أن الدولة التى يتم الاستيراد منها لم تقم بتحصينه.

وأشار شعبان إلى أن أشهر أنواع البط المولار هى «الفواجر»، لافتًا إلى أنها في فرنسا يُطلق عليها كبد البط السمين، وهى من أشهر الأكلات في فرنسا. وأكد أن مشروع تسمين البط الفرنسى الذى ينتج الفواجرا من المشروعات المربحة ولها تسويق جيد، كما تعد من أفضل الوسائل الطبيعية التى تعطى الرجل قوة لخلوها من المواد الكيماوية أو الهندسة الوراثية.


تضارب القرارات

من جانبها أكدت وزارة الزراعة أن التوسع في استيراد البط من الخارج ساهم في انتشار الأمراض الفيروسية مثل إنفلونزا الطيور وأشارت الوزارة في بيان صادر أواخر عام ٢٠١٩، أن المنتج المحلى يكفى سد حاجة الدولة، والدليل على ذلك في معظم الأوقات يصل سعر البطة عمر يوم ٣ جنيهات للمنتج المحلى وله ميزة التنوع، بينما المنتج الفرنسى إناث فقط التى يتم إعدامها لديهم، فتطور العترات بمرض إنفلونزا الطيور في مصر سببه الاستيراد.

وفى هذا السياق أكد اللواء إبراهيم محروس رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية سابقا، أن توطين صناعة البط في مصر أمر مهم خاصة أن الكثير من الأمراض تأتى مع الطيور المستوردة ويسمى بـ«السالمونيلا» وتم كشف العديد من المناطق التى تحتوى على المرض في فرنسا من قبل.

مشيرا إلى أنه دائما ما يكون هناك مستجدات لبلد المنشأ بالإضافة للمتابعة المستمرة ومعرفة الموقف الوبائى ومن ثم عرض الشحنة على منظمة الصحة الحيوانية للتطلع للموقف الوبائى للشحنة أو لدول المنشأ والأماكن المصابة وبها مشكلات لوقف الاستيراد منها.

فهناك الكثير من الشحنات يتم إعدامها عن استيرادها بعد الكشف عليها وأخذ عينات والتأكد من عدم سلامتها، وهناك الكثير من الشحنات يتم نقل المرض لها وقت السفر بالإضافة لموت الكثير من الشحنات قبل الوصول.

وأشار إلى أن السبب الرئيسى في دخول إنفلونزا الطيور هو الاستيراد من الخارج خاصة أن لها عترات كثيرة جدا، فالموقف الوبائى هو من يحدد الاستيراد، والبط يعتبر من الطيور التى يحتوى على مناعة قوية ضد الأمراض ولكنه يحتفظ به وينتقل بعد ذلك ودرجة الخطورة تختلف.

وتابع أن فرنسا لديها إنتاج كبير من البط ويستخدمون الذكور لأخذ الفواجرا، فالإناث لا يتم استخدامه ويعدمونه أو يوردوها لمصر، ففى بداية الأمر كان رخيص جدا ولكن سعره بدأ يزداد طبقا لازدياد الطلب عليه.

وأكد أن معدل نمو البط جيد في مصر فالعديد من المنتجين المحللين يحتاجون للنظر لهم وتنميتهم لتوطين الصناعة في مصر ومن ثم تقليل الاستيراد من الخارج، مع الأخذ في الاعتبار للفحص الدورى والمستمر للبط المستورد وما يتم تهجينه في مصر.


القطاع الداجنى

قال أبوالفتوح مبروك، نائب رئيس شعبة الدواجن بغرفة القاهرة التجارية، إن استيراد البط من فرنسا تسبب في خفض سعر الدواجن واستقرار أسعار الأسماك واللحوم، مؤكدا أن أسعار الدواجن في زيادة مستمرة عند توقف استيراد البط.

وتابع، أنه أشار عند ظهور مرض إنفلونزا الطيور إلى وقف فرنسا تصدير البط لمصر والدول الأخرى حفاظا على سمعتها في تصدير منتجاتها، مؤكدا أنه تم فتح باب التوريد من جديد للمناطق التى لا يوجد بها الوباء وبدأت التصدير إلى أفريقيا وأوروبا والدول العربية، ويعد الاستهلاك السنوى محليا لمصر يصل لما يقرب من ٥٠ مليون بطة سنويًا من جميع أنواع البط والتى يقدر نحو ٢٠ مليون بطة محليًا.

وأوضح، توقف استيراد البط يؤدى لفجوة كبيرة في القطاع ورفع الأسعار بالنسبة للدواجن وجميع القطاعات البروتينية حيث إن إنتاج البط المولار ٢ مليون بطة سنويا في مصر، و٥٠ مليون بطة يتم استيرادها وذلك على اعتبار أن ارتفاع في شيء معين يؤثر على الآخر بشكل مباشر حيث يزيد الطلب ويرتفع السعر.

وتابع مبروك، أن استيراد البط كتاكيت له فائدة كبيرة وفى النهاية يصب بمصلحة الصناعة، لأنه منتج غير نهائي، كما أن مستلزمات إنتاجه تُصنع محليًا، مما له أثر كبير على السوق والعمالة المصرية التى تدور حلقات تداولها من بداية التربية ولا بد من النظر لهذا القطاع من منطلق عودة الفائدة على الاقتصاد المصري.

وأكد نائب رئيس شعبة الدواجن، أن هذا القطاع يقوم بتشغيل عدد كبير من العمالة المصرية خاصة في الالتفات للصناعة المحلية، وأن استيراد كتاكيت البط وتربيتها الأفضل في قطاع اللحوم بدلا من استيراد اللحوم المجمدة التى لا تعتبر صناعة محلية.

ولفت إلى أن ما قررته يعد أسوة بأمهات البياض وأمهات البط وجدود التسمين تكون أيضا خالية من أى أمراض وغير محصنة ضد مرض إنفلونزا الطيور، بالإضافة لوجود شهادة صحية معتمدة من الدول المنشأة ولا يسمح بدخول الأنواع السابق ذكرها في حالة تغير الموقف الوبائى عند الوصول للموانئ المحلية.

وأكمل أنه عند فحص الطيور ضد الأجسام المناعية لمرض إنفلونزا الطيور بالمحجر وثبت وجود المرض أو سلبيتها لاختبار إنزيم البلمرة يتم إعدام الرسالة بالكامل على نفقة المستورد.


من جهته أكد الدكتور طارق زكريا مدير عام التقصى النشط لمرض إنفلونزا الطيور بالهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، أن وزارة الزراعة تتخذ جميع الإجراءات القانونية وهى مراجعة الموقف الوبائى للدولة التى يتم الاستيراد منها والتأكد من خلوها من الأمراض الوبائية.

كما يتم أخذ عينات من البط عند وصول الرسالة، كما يتم متابعة التحصينات للتطبيع أثناء فترة الحجز لمدة أسبوعين قبل الإفراج الأخير عنهم، بحسب زكريا. وأكد أن التوسع في استيراد الدواجن لا يساهم في انتشار الأمراض الفيروسية وليس له علاقة مطلقا، لأن الاستيراد يكون لعمر يوم واحد من دول المنشأ بموقف وبائى خالى من الأمراض مع الفحص المعملي.


يتفق مع ذلك الرأى المهندس محمدى البدرى الخبير الزراعى ورئيس لجنة صحة وسلامة الغذاء بنقابة الزراعيين، في أن قرار إعادة استيراد صغار البط من فرنسا هو قرار صائب في الوقت الحالى، وذلك لأنه يضمن التوازن في السوق المحلية من اللحوم الحمراء وخاصة في شهر رمضان المبارك القادم حيث إن البط المولار والمسكوفى يلاقى إقبالا من المصريين.

وأوضح، أن استيراد صغار البط سيعمل على توازن في أسعار اللحوم بشكل عام في تلك الفترة، ولكن يجب على الهيئة العامة للخدمات البيطرية من خلال اللجان المشكلة بفحص المناطق التى سيتم الاستيراد منها والابتعاد عن المناطق التى ظهرت بها بؤر إنفلونزا الطيور خاصة أن وقف الاستيراد من فرنسا كان لهذا السبب وهو انتشار بؤر متعددة لإنفلونزا الطيور بعدة مناطق في فرنسا.

وتابع البدري، أنه يجب مراعاة الإجراءات البيطرية والمحجرية، وكذلك الإشراف على عمليات الفحص والتحصين من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية قبل تسليمها للمربين.


الخدمات البيطرية

أوضح الدكتور عبدالحكيم محمود رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، انخفاض ما تستورده مصر من البط ففى عام ٢٠١٧ كانت تستورد ما بين ٢٠- ٢٥ مليون بطة وفى عام ٢٠١٨ انخفض استيرادنا من البط إلى ٧ ملايين بطة، وكان إنتاج مصر من البط في نهاية عام ٢٠١٦ يتراوح بين ١٣ و١٥ مليون بطة تسمين في السنة.

وأكد عبدالحكيم محمود أن وزارة الزراعة تقوم بالإجراءات اللازمة عند استيراد شحنة بط جديدة، ففى الشهر الماضى تم ضبط شحنة بط يتم استيرادها من فرنسا مصابة بمرض السالمونيلا إنتريتيدس، وتم إعدام الشحنة بالكامل بالفعل وكانت تحتوى على ما يقرب من ٢٤٦٢٥ كتكوتا عمر يوم واحد.

وأشار إلى أن السالمونيلا إنتريتيدس تنتقل إلى الإنسان وأعراضها إسهال شديد وتسمم غذائي، متابعا أن هذا النوع من البكتيريا يتم اكتشافه عن طريق العينات التى تؤخذ من الشحنة قبل تسليمها للمربين في مصر وتجرى هذه التحاليل عن طريق الحجر البيطرى بمطار القاهرة وقت وصولها. وقال محمود، إن الوزارة تعمل دائما على اتخاذ جميع الإجراءات فيما يخص استيراد الدواجن من الخارج للحفاظ على صحة المواطنين والعمل على عدم دخول أمراض لمصر من الخارج مثلما تعرضنا من قبل لأمراض إنفلونزا الطيور ويتم التعامل معه بشكل سليم للوقاية من خطر المرض وذلك لتطبيق جميع الاشتراطات الصحية البيطرية بجميع أنحاء الجمهورية وبخاصة المناطق الريفية.