الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"هيكل" يرصد 30 عامًا في "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حاول الكاتب محمد حسنين هيكل البحث عن الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك الأسبق ذاته، وذلك قبل النظر في ألبوم صوره، الأمر الذي دعاه للرجوع إلى ملفاته وأوراقه ومذكراته وذكرياته عن الرئيس "حسنى مبارك"، إلا أنه وقعت عيناه على قصاصة من أحد المقالات التي يحتفظ بها من بين أوراقه وملفاته ولا يعلم ما الذي دفعه بالاحتفاظ لهذه القصاصة لمدة ثلاثين عاما، ولكنه انتزع هذه القصاصة من بين وسط المحفوظات وأخذ يعيد قراءتها متفكرا ما المدون بها، كانت هذه القصاصة عبارة عن مقالا منشورا في أحد الجرائد وهي جريدة "واشطن بوست" في 7 أكتوبر 1981، الأمر الذي دعاه يتوقف عند جملة البداية داخل المقال وهي في ذلك الوقت احساسه بنفس الشعور الذي جعله يحتفظ بهذه القصاصة لمدة ثلاثين عاما.
تنص المقالة في بداية جملتها التي وردت في الكتاب الذي أصدره محمد حسنين هيكل تحت عنوان "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان" عن دار الشروق للنشر والتوزيع، وكان عنوانها "أن الأخبار من القاهرة بعد اغتيال الرئيس السادات تشيرا إلى أن الرجل الذي سوف يخلفه على رئاسة مصر هو نائبه محمد حسنى مبارك، حتى تتبعها جملة تقول بالنص: "إنه حتى هؤلاء الذين يقال إنهم يعرفون "مبارك" وهم في الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا"، ذلك الأمر الذي دعى هيكل للوقوف أمام هذه الجملة بعد ثلاثين عاما وكأنها شيء في مكنونها يوحي بدلالة أنها "مفتاح" للمقالة بأكملها، وذلك لأننا بالفعل أمام رجل شاهدناه كل يوم وكل ساعة، وأيضا سمعناه صباحا ومساء، بل واستعرضنا العديد من صوره على مدار ثلاثين عاما، وعلى الرغم من ذلك فلا نعرفه ولا نزال.
إذا لم تكن للرجل صورة معتمدة تؤدي إلى تصوّر معقول عنه، فكيف أتفرغ شهورا لجمع ونشر ما سمعته منه مباشرة وذلك خلال مرات قليلة تقابلنا فيها أو ما قلته له بطريق غير مباشر أي بالحوار والكتابة الحديث ثلاثين عاما هكذا كان "هيكل" يُساءل نفسه، ولكنه تردد بأن هذا العمر الذي وصل الثلاثين عاما بأكملها حياة وطن كامل، وهي نفسها أيضا ثلاثين عاما من المتغيرات والتحولات في الإقليم والعالم، قادنا فيها هذا الرجل الذي لا نعرفه إلى مصائر لا نعرفها، فإن زمان هذا الرجل من الصعب أن نتجازها أو نتخطاها مهما كانت الأسباب، علما أن هذه الأسباب عديدة أبرزها أن التاريخ لم ينتهى بعد كما كتب بعض الفلاسفة الجدد من المتفائلين.
أخذ هيكل مسائلا نفسه كثيرا باحثًا في عقله عن السبب الذي دعا الجميع لهذا التقصير في البحث عن هذا الرجل ذاته، وكيف تراكم هذا التقصير في التعرف عنه ثلاثين عاما، وكان التفسير على ذلك متعدد الأسباب ومنطقية جدا ولكنها تاهت في الزحام، بعض الناس تلقفوه حين وجدوه ولم يتوقفوا أمام شخصيته وهي تصعد من المنصة إلى الرئاسة، بل كانت علاقة مبارك بمن حوله مجرد خدوشا على السطح لا يتبقى منها غير ندوب على الجلد تشحب وتزول بعد أيام.
ذكر المؤلف في أحد لقاءاته بالرئيس السادات في استراحة "القناطر" أن اختيار "مبارك" لمنصب نائب الرئيس لم يكن اختيارا بسيطا بل مركبًا حكمته اعتبارات أخرى فهو لم يكن اختيارا من بين الرجال الذين ظهروا في حرب أكتوبر على أساس دور متفوق على غيره فيها، وإنما كان اختيار "مبارك" شيئا أخر إلى جانب أكتوبر يقدمه ويزكيه، فإن الرئيس السادات اختار رجلا يعرفه من قبل وقد اختبر قدرته على الفعل واستوثق به حتى تولى رئاسة بعد اغتيال الرئيس السادات لمدة ثلاثين عاما.
يوضح لنا هيكل أن شيئا ما يرسل لنا شعاعا ويكشف ولو لمحة من تلك الفجوة المجهولة التي أشارت إليها جريدة "واشطن بوست" منذ اليوم الأول لعصر مبارك حين قالت "إن الذين يظنون أنهم يعرفون الرجل هم في الواقع لا يعرفون عنه شيئا"، ولكن مع الأسف الصحيح لقد جاءت هؤلاء العارفين بدايته فاجأتهم نهايته، ولكن يتبقى في ذهني سؤلا للجميع كيف استطاع هذا الرجل أن يجلس على رئاسة مصر ثلاثين عاما ثم كيف استطاع شعب مصر أن يصبر ثلاثين عاما، إنه حظه طالما استطاع البقاء، والأخرى إنها مسؤولية الشعب المصري لأنه في الأخر استطاع بالصبر والصمت حتى جاءت ثورة 25 يناير 2011 وتنحى مبارك عن حكم البلاد.