الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

"تصاعد اليمين المتطرف".. خطر داهم يهدد أمن ألمانيا واستقرارها

الشرطة الألمانية
الشرطة الألمانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاء الحادث الإرهابي، الذي وقع بمدينة هاناو الألمانية الأسبوع الماضي، ليدق ناقوس الخطر حول التهديد المتصاعد الذي يمثله اليمين المتطرف على الساحة الألمانية، والذي أصبح يهدد وحدة واستقرار البلاد، وينذر بأوضاع مضطربة في المستقبل.
ووقع الهجوم المسلح يوم 19 فبراير الجارى على مقهيين لهما طابع شرقي في مدينة هاناو، وأسفر عن مقتل 9 أشخاص من أصول أجنبية، وإصابة آخرين بجروح.. وعقب الهجوم، داهمت قوات الأمن منزل المهاجم الإرهابي توبياس لتجده ميتا هو ووالدته، وقالت الشرطة "إن المشتبه به على الأرجح قتل نفسه ووالدته، ولا يبدو أنه كان لديه شركاء في تنفيذ الجريمة، لكن التحقيقات لا تزال مستمرة".
وأثار هذا الحادث جدلا واسعا على الساحة الألمانية سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، حيث وجه الجميع أصابع الاتهام إلى حزب "البديل" اليميني المتطرف باعتباره مسئولا رئيسيا عن تنامي خطاب الكراهية والعداوة، والذي انعكس في تصاعد الأعمال الإرهابية في البلاد خلال الفترة الأخيرة، وهو ما رفضه قادة الحزب، مؤكدين أن مرتكب جريمة "هاناو" لا يعدو كونه شخصا مضطربا يعاني من مشاكل نفسية، رافضين تماما فكرة أن عملية القتل تمت بدوافع أيديولوجية يمينية متطرفة أو أن المهاجم ربما تأثر بخطاب عنصري.
ومن جانبه، أدان الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير هذا الهجوم الإرهابي، مؤكدا -خلال حضوره وقفة بالشموع أقيمت في أنحاء البلاد لتأبين الضحايا- أن بلاده متحدة ضد العنف، معربا عن تعاطفه مع عائلات الضحايا.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "إن هناك عدة أدلة على وجود دوافع عنصرية ويمينية متطرفة وراء الحادث، مشددة على أن الحكومة الألمانية ستستخدم كل قوتها للتصدي لمن يحاولون تقسيم سكان البلاد".. أما وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، فأكد أن التهديد الأمني المرتبط بـ"اليمين المتطرف" مرتفع جدا في البلاد، مشيرا إلى أن القوات الأمنية عززت وجودها في الأماكن المستهدفة، لاسيما في محيط المساجد.
كما دعا الأمين العام لحزب الاشتراكيين الديمقراطيين المنتمي إلى يسار الوسط لارس كلينغبيل إلى وضع حزب "البديل" تحت مراقبة الأجهزة الأمنية، وهو المطلب الذي أيده أيضا زعيم حزب الخضر روبرت هابيك، مؤكدا أن حزب "البديل" يؤجج العنصرية ويروج للتطرف اليميني.
وفي محاولة لمواجهة هذا الخطر اليميني المتصاعد، تقدم حزب الخضر بخطة عاجلة أمام البرلمان الألماني تتضمن إنشاء "فريق أزمات" يضم سياسيين وعلماء اجتماع، إضافة إلى تعيين مفوض عنصرية وتشديد قوانين السلاح بحيث لا يُسمح بتخزين الذخيرة إلا في المكان الذي تستخدم به، فيما يسمح حاليا بتخزينها في المنازل.. كما اقترح الحزب زيادة التمويل لحماية المؤسسات التي وصفها بأنها معرضة للهجمات، مثل المساجد ودور عبادة اليهود.
وعلى المستوى الشعبي، تظاهر نحو 6 آلاف شخص أمس الأول /الأحد/ في ولاية "هاناو" للتنديد بهذا الهجوم الإرهابي، حيث حمل المتظاهرون لافتات تستنكر الممارسات العنصرية التي يرتكبها تيار اليمين المتطرف، كما تظاهر نحو 350 شخصا في مدينة "لايبتزج" الألمانية ضد عنصرية وإرهاب اليمين المتطرف.
وتُعد حادثة هاناو هي الثالثة من نوعها خلال الأشهر التسعة الماضية، حيث شهدت ألمانيا في يونيو الماضي مقتل السياسي البارز في حزب "الديمقراطيون المسيحيون" والتر لوبكي بطلق ناري لدعمه للمهاجرين، كما وقع هجوم في أكتوبر الماضي استهدف كنيسا يهوديا في مدينة "هال" خلال الاحتفال بـ"يوم الغفران".
وتأتي حادثة "هاناو" في وقت تشهد فيه ألمانيا أوضاعا غير مستقرة في أعقاب استقالة رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم أنجرات كرامب كارينباور، والتي كانت مرشّحة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لخلافتها، إثر انتخابات مقاطعة "تورانج" التي فاز فيها مرشح الحزب الليبرالي طوماس كيمريتش برئاسة الحكومة المحلية بعد حصوله على دعم حزب البديل اليميني المتطرف وفريق من الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه ميركل، وأثار هذا الموقف ضجة قوية داخل الحزب الحاكم وفي المجتمع الألماني الذي شهد مظاهرات شعبية في عدة مدن تندد بتحالف الديمقراطيين المسيحيين مع اليمين المتطرف الذي شبّهوه بورثة الحزب النازي، وهو ما أدى إلى تقديم الرئيس كيمريتش المنتخب استقالته، وتنظيم انتخابات جديدة في تورينجن في 4 مارس المقبل.
وكان اليمين المتطرف منذ تأسيسه عام 2013 يتبنى خطابا عنصريا متشددا، لاسيما تجاه المهاجرين واللاجئين، حيث استخدم قادة الحزب لهجة عدائية تركز على أن الأقليات العرقية أو الدينية، وخاصة المسلمين، ليس لها مكان في ألمانيا.
وتصاعدت شعبية الحزب منذ وصول قرابة مليون مهاجر غير أوروبي إلى ألمانيا عام 2015، حيث استغل الحزب قدوم هؤلاء المهاجرين (أغلبهم من دول ذات أغلبية مسلمة) ليثير المخاوف لدى الناخب الألماني من الإسلام والمهاجرين، ولكسب المزيد من الأصوات والشعبية، وبالفعل نجح في الدخول إلى 11 برلمانا من مجالس الولايات النيابية من بين 16 برلمانا.
وفي عام 2017، تمكن حزب "البديل من أجل ألمانيا" من دخول البرلمان الألماني الاتحادي "البوندستاج" كحزب قومي متطرف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بعد حصوله على 90 مقعدا من أصل 598 مقعدا.
ويتمتع الحزب بشعبية كبيرة في القسم الشرقي من ألمانيا، رغم أن أعداد المهاجرين في هذا القسم أقل من بقية الأجزاء في ألمانيا، ولكن يبدو أن الشعبية التي كان يحظى بها الحزب بدأت في التراجع خلال الفترة الأخيرة نتيجة ارتفاع الحوادث الإرهابية في البلاد، حيث أظهر آخر استطلاعات الرأي التي أجراها معهد "فورسا" الألماني، انخفاض نسبة التأييد لحزب "البديل" اليميني المتطرف من 11% إلى 9%، فيما ارتفع التأييد للخضر من 23% إلى 25%، وحافظت الأحزاب الأخرى على معدلات التأييد لها.
وحاليا، لا يمكن لحزب البديل دخول الحكومة، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي، حيث ترفض جميع الأطراف الأخرى تشكيل حكومة ائتلافية معه.
ويرى المراقبون أن تصاعد اليمين المتطرف أصبح يمثل تهديدا لأمن واستقرار ألمانيا، حيث أن الهجمات الإرهابية المتكررة أرجعت إلى الأذهان الخطر النازي الذي شهدته البلاد منذ عقود، وتصاعدت المخاوف من تكرار أعمال العنف، فضلا عن أنه ساهم في هز التوازنات التقليدية للمشهد السياسي في البلاد لتجد الأحزاب التقليدية نفسها أمام مهمة إيجاد توازن تبدو شبه مستحيلة إلى حد يجعل تشكيل أي غالبية أمرا شديد التعقيد على الصعيدين الإقليمي والوطني.