الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الاثنين.. بدء الصوم الكبير للأقباط الأرثوذكس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدأ الأقباط الأرثوذكس الاثنين المقبل، الصوم الكبير الذى يسبق عيد القيامة المجيد، ويمتد لـ55 يومًا حيث تبدأ أيام الصوم دائمًا يوم الاثنين، وتنتهى ليلة السبت المعروف بـ«سبت النور» أو ليلة العيد.
ويحظر في الصوم الكبير تناول جميع المنتجات الحيوانية ومشتقات الألبان أو الأسماك، على عكس صوم الميلاد، ويتكون الصوم الكبير من ثمانية آحاد لكل منها اسم من بينها أحد اليعاذر وأحد السعف.
البابا تواضروس: تطهير من الشرور
قال البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إن الصوم فرصة لمراجعة النفس بشكل جيد، ويجب أن يستفيد الإنسان روحيًا بما تقدمه الكنيسة خلال فترة الصوم، موضحًا أن هذه الدرجات الثمانية في صلاة القسمة، والتى تؤهل الإنسان لإقامة علاقة قوية مع الله، وأولى هذه الدرجات أن يكون الإنسان قلبه طاهرًا أمام الله، والقلب الطاهر لا يوجد فيه أى شيء من الشوائب.
وأضاف البابا، أن الصوم الكبير فترة في غاية الأهمية في حياتنا، مؤكدًا أنه صوم السيد المسيح الذى صام عنا ٤٠ يومًا، والذى يسبقه أسبوع الاستعداد ويختم بأسبوع اسمه أسبوع الآلام، فترة مهمة لنا جميعا سواء كنا كبارًا أو صغارًا، فهو مرحلة لكشف النفس، مناشدا: «لا يجب أن نضيع هذه الفترة بدون صوم حتى لا نضيع الكثير من الغفران، فالصوم الكبير ذو أهمية لدينا يجب علينا أن نصومه».
وأوضح البابا أثناء إلقاء عظته الأسبوعية الأخيرة، من كنيسة السيدة العذراء والقديس الأنبا رويس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، أن الجميع عليه أن ينتبه بأن القسمة يتكرر فيها الصوم والصلاة عشر مرات، وفى جميع العظات نطالب بالصوم ونذكر الصلاة دوما، ونحن نصوم لطهارتنا عن كل شر، وهناك ثمانى درجات حتى نصل إلى جبال الكلكسة وهى ختام الصوم الكبير.
وتابع: يجب أن نحافظ على تلك الأيام المباركة، وأن نلتفت إلى أنفسنا وإلى الآخرين وما يفعلونه ونأخذ عهدًا على أنفسنا أن نحصل على جميع الدرجات المكتوبة لنا ولكن إذا لم نحضر ونستفيد لا نحصل على تلك الدرجات، والغرض التقليدى من الصوم الكبير، إعداد المؤمن من خلال الصلاة، والتوبة من الذنوب، والصدقة وممارسة أعمال الرحمة».
وأوضح قداسة البابا تواضروس الثانى أن الصلاة المستمرة والنعمة الإلهية هى التى تنقى قلب الإنسان، إلى جانب حياة التوبة مضيفا: نحن في سباق لمن سيصعد جبل الرب، ففى الحياة الرهبانية كتاب شهير اسمه السلم فهو عبارة عن درجات وعلى غلاف هذا الكتاب سلم يصل من الأرض إلى السماء والعدو يحاول أن يسقط الصاعدين
وشدد: انتبه لنفسك، استغل أيام الصوم وضع أمامك الفرصة أن تتغير في هذا الصوم، فالصوم أقره الله من أجل حياة جديدة وتغيير وتوبة، مضيفا: هناك نعم كثيرة يعطيها الله لمن يطلبها، فأطلب وانتظر واستعد وبإلحاح وعن صدق نية، فقبل الصيام جهز نفسك والتقى أب اعترافك.
وفي سياق متصل قال الأب متى المسكين، خلال إحدى عظات الصوم الكبير في عام ١٩٨١، إنَّ موسم الصوم يُشبه موسم هجرة الطيور من أوطانها الباردة إلى مناطق أخرى دافئة، وخلال هذه الهجرة تُركِّز الطيور على تحليقها؛ لتصل إلى مقصدها، دون أن تلتفت الإناث منها أو الذكور إلى فراخها الصغيرة الطائرة، وجميع هذه الطيور الطائرة على مسافاتٍٍ طويلة لا يُوجِّهها سوى الغريزة التى لم يستطع الإنسان حتى اليوم تفسيرها، فسِرْب الطيور يصل دائمًا في الموعد وخلال نفس الطريق التى سلكها سابقًا في رحلاتٍ سالفة.
فإن كانت الغريزة الطبيعية المغروسة في الطيور، وهى غريزة الهجرة، عجيبة بهذا المقدار؛ فكم يكون أعجب من هذا الغريزة الروحية المُعطاة لنا! وهى غريزة الهجرة إلى الملكوت، ولكن غريزة الهجرة إلى الملكوت، إلى وطننا الحقيقى والكامل، لا تزال غير واضحة في حياتنا.
فسِرْب الطيور المُهاجر، والذى يُركِّز كل انتباهه لبلوغ المناطق الدافئة، إذا فكَّر في التعارُك والصراع بين أفراده، أو إذا تحوَّل اهتمام بعض أفراد هذا السِّرْب إلى احتياجه للطعام؛ فقد يُعرِّض حياته للضياع والهلاك. فهجرة الطيور، إذن، هى هجرة صائمة غير مُعتمِدَة على أَكل أو شُرب، وبالتالى لا يوجد ما يُوجِّه هذا السِّرْب المهاجر سوى غريزة الهجرة إلى وطنٍ أفضل.
وهناك تفسيرات علمية عديدة ومختلفة لتعليل وتفسير هذه الغريزة عند الطيور المهاجرة. ولكن هذه الغريزة، غريزة الهجرة إلى الملكوت، هى عند الإنسان بصورة أعظم جدًا مِمَّا عند الطيور. فلا يوجد إنسانٌ صادقٌ مع نفسه قد هاجر هجرة حقيقية وفَشَلَ.
فالهجرة الروحية ذات مفهوم عجيب، فهى هجرة من الذات، هى تركٌ للعشيرة وللوطن الأرضي، كما خرج إبراهيم وهو لا يعلم إلى أين يذهب، هى انطلاق إلى الوطن الجديد، دون أن نعرف الكثير عنه!
الهجرة في الطيور من أجل حفظ النوع والحياة، أما بالنسبة للسائرين في طريق الملكوت، فهى هجرة تتضمن معيارًا روحيًا لحياتنا الروحية، هى هجرة من الوطن والذات، اللذين هما أعظم مُسبِّبات العِرَاك والتشاحُن، وهى هجرة أيضًا من الأَكل (وهو أقلُّها)، أى هجرة صائمة.
وكأنما، يا أحبائي، فإنه عن طريق هذا الطير المهاجر، نستطيع أن نُدرك أن الأَكل والشُّرب إنما هما مُعطِّلان لنا في مسيرتنا إلى الحياة الأبدية.
وتطبيقًا على حياة الآباء، فإنَّ كل مَن استطاع أن يَعْبُر من ذاته، ومن شهواته؛ يأخذ مكاسب لا توصف من هذا الصوم، فامتناع الإنسان عن الأَكل، يتحوَّل فيه إلى حركة قيامة للجسد لا تقلُّ عن حركة المعمودية والتناول من الأسرار المقدسة.
الصوم سرٌّ عميق وطاقة روحية لبلوغ الحياة الأبدية:
فالصوم سرٌّ، أو هو في الحقيقة ديناميكية السر، أو الطاقة المُحرِّكة التى تربط بين المادة في الإنسان والروح في الله. الصوم طاقة عجيبة لا يمكن تفسيرها، ويمكن القول إنَّ الصوم مادى وروحى بآنٍ واحد، لأنه امتناع عن كل شهوة جسدية.
الصوم هو موهبة إنسانية تؤول إلى ديناميكية روحية لاستيعاب سرِّ الخلود، والصوم هو أيضًا دافعٌ للأسرار، وهو التاج الجميل للأسرار.
الصوم هـو الهجرة من الأرض إلى السماء، تتحقَّق وتنطبع قوتها فينا كخبرة تزداد كل يوم.
والصوم في الكنيسة هو الوسط المُحرِّك للأسرار، ومن خلاله يأخذ الإنسان المهاجر مفعول الصوم القوى داخله، فيستطيع الإنسان، بصومه وبنعمة المسيح التى فيه، أن يُهاجر من الأرض إلى السماء، ومن ذاته إلى الحياة الأبدية.