الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بلد الـ 100 مليون.. «بحرى» يشجع «برامج تنظيم الأسرة».. والصعيد يعاديها.. 3 مليارات جنيه فاتورة الحرب ضد زيادة النسل في 30 عاما.. وخليل: برامج تنظيم الأسرة لم تأت بنتائج.. والأفضل تنمية المناطق الريفية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل ٥٧ عامًا، بدأت مصر مشروع تنظيم الأسرة، والحد من الزيادة السكانية، وتحديدا في عام ١٩٦٣، حيث تم إعداد الميثاق الوطنى الذى أعلن المبادرة من أجل تنظيم الأسرة وتم تأسيس الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة وخضعت إلى وزارة الشئون الاجتماعية آنذاك.
ورغم مرور كل هذه السنوات، وصرف أكثر من ٣ مليارات جنيه على هذه البرامج، لكنها لم تُحقق النجاح المطلوب، حيث أكد الخبراء والمُحليون أن هذه البرامج، ليست كافية، وكان الأولى أن يتم تحويل هذه الأموال المُهدرة إلى التنمية والاستثمار وارتفع عدد السكان من نحو ٢٧ مليون عام ١٩٦٣ إلى ١٠٠ مليون عام ٢٠٢٠ بزيادة ٧٣ مليون نسمة. 


البداية
لم تبدأ برامج تنظيم الأسرة، في التسعينيات، كما يعتقد البعض، لكن بدأت منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، حيث أُنشئ المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة لتخطيط وتنسيق الأنشطة لتقديم خدمات تنظيم الأسرة في عام ١٩٦٥، وفى عام ١٩٧٢ أُعيد تشكيل هذا المجلس باسم المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة والسكان، وأعلنت الحكومة، آنذاك، سياسة قومية جديدة للسكان لمدة عشر سنوات عرفت بالمدخل الاجتماعي والاقتصادى لخفض الإنجاب. 
وفى منتصف الثمانينيات، صدر القرار الجمهورى رقم ١٩ لسنة ١٩٨٥ بإعادة تشكيل المجلس تحت اسم المجلس القومى للسكان برئاسة رئيس الجمهورية ليكون مسئولا عن مواجهة المشكلة السكانية جنبًا إلى جنب مع بعض الأجهزة الحكومية والأهلية التى تعاونه في تحمل هذه المسئولية. وفى عام ١٩٩٦ صدر القرار الجمهورى رقم ٣٢ لعام ١٩٩٦ ليصبح المجلس برئاسة السيد رئيس الوزراء. وفى عام ٢٠٠٢ صدر القرار الجمهورى رقم ٢١٨ لسنة ٢٠٠٢ ليصبح المجلس برئاسة وزير الصحة والسكان.
وفى عام ٢٠٠٩، أصبح المجلس القومى للسكان برئاسة وزير الدولة لشئون الأسرة والسكان، وصولًا إلى عام ٢٠١١، حيث أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرارًا بأن المجلس القومى للسكان يتبع وزير الصحة والسكان.
وفقًا لبيانات صادرة عن الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة، وهى إحدى أقدم الجمعيات في مصر، فإنها تكشف عن نتائج تأثير برامج تنظيم الأسرة على السيدات، حيث تُوضح أن ٣٠٪ من السيدات في الفئة بين ١٥ إلى ٤٩ عامًا، يستخدمن اللولب، و١٦٪ يستخدمن حبوب منع الحمل، و٩٪ الحقن. 
وتُشير الجمعية إلى أن نسبة الوعى في الوجه البحرى أكبر من الوجه القبلي، حيث تصل نسبة السيدات اللاتى يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة في الوجه البحرى إلى ٦٤٪، فضلًا عن أن معدلات استخدام وسائل منع الحمل متماثلة تقريبًا بين السيدات اللاتى لم يسبق لهن الالتحاق بالتعليم، إذ يُمثلن ٥٩٪، والسيدات اللاتى حصلن على التعليم الثانوى أو الأعلى ٦٠٪، و٥٥ ٪ للسيدات اللاتى أنهين الابتدائية أو التحقن بالثانوية هن الأقل استخدامًا لوسائل تنظيم الأسرة.

وقالت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، إنها تهدف إلى وضع إستراتيجية متكاملة لضمان حياة كريمة للمواطنين من خلال تحسين الخصائص السكانية والعادات الصحية خاصة للمرأة والطفل والصحة الإنجابية. ونقلًا عن إستراتيجية وزارة الصحة لمشروع تنظيم الصحة الجديد، فإن المشروع القومى لتنظيم الأسرة سيُسهم وبشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث إنه يسعى إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة وضمان حصول الجميع على خدمات الرعاية الصحية، مع توفير سبل الحصول على الأدوية واللقاحات الآمنة بأسعار معقولة للجميع، إلى جانب تشجيع ريادة الأعمال وتوفير العمل اللائق للمواطنين.
وتقول الوزيرة، إن البرنامج المُقترح للمشروع القومى لتنظيم الأسرة يستهدف المناطق الأكثر معدلًا للنمو السكاني، وتُقدر بنحو ٧٢ منطقة، وكذا السيدات ما بين سن ١٢ و٥٠ عاما، مشيرة إلى أن مستهدف الوصول بمعدل الزيادة السكانية إلى ٢٪ بدلًا من نسبة ٣.٢٪. وسيتم تنفيذ المشروع من خلال مراكز تنظيم الأسرة والقوافل الثابتة في ٧٢ منطقة الأكثر معدلًا للإنجاب، والقوافل المتحركة في جميع أنحاء الجمهورية، إلى جانب جهود كل من الرائدات الريفيات، ومكلفات الخدمة العامة. 


حجم الإنفاق 
منذ عام ١٩٨٠ وحتى الآن، أنفقت برامج تنظيم الأسرة قرابة ٣ مليارات جنيه، في أكثر من ٦٠٠٠ وحدة تنظيم للأسرة في محافظات مصر، لكن النتيجة جاءت عكسية، حيث تضاعف عدد سكان مصر، مرتين منذ الستينيات. 
فضلًا عن الكثير من المنح التى حصلت عليها مصر منذ السبعينيات، فبحسب الجريدة الرسمية، بدأت مصر في الحصول على منح مالية من الولايات المتحدة الأمريكية لتنظيم الأسرة منذ عام ١٩٧١، وتم تجديد الاتفاقية والمنح منذ ذلك الوقت. 
وكان آخر هذه المنح، العام الماضي، حيث وافق مجلس النواب المنحة الأمريكية على منحة بقيمة ٢٩ مليون دولار، حصلت وزارة الصحة على الدفعة الأولى والبالغة ١١ مليون دولار، وتهدف الاتفاقية إلى دعم برنامج مصر الحالى لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية لجعله أكثر فاعلية واستدامة، وذلك من خلال تحسين جودة خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية المدعمة، وكذا نشاط دعم برنامج تنظيم الأسرة في مصر لجعله أكثر كفاءة واستمرارية، ونشاط المسح الديمجرافى والصحى في مصر ٢٠١٨، والذى سيعمل على جمع وتحليل ونشر بيانات عالية الجودة عن الصحة والسكان تمثل الأوضاع الحالية مقارنة بالأوضاع العالمية.
ويقول الدكتور محمد حسن خليل، المنسق العام لحملة الحق في الصحة، إنه على الرغم من بداية حملات تنظيم الأسرة التى تبنتها الدولة منذ الستينيات من القرن الماضي، إلا إنها لم تُحقق نتائج كما هو متوقع. 
ويُضيف: « صحيح أن نسبة الزيادة السكانية انخفضت من الستينيات التى كان تُسجل ٣.٧٪، إلى نحو ٢.٥٪ حاليًا، لكن هذا ليس بسبب حملات تنظيم الأسرة التى قامت بها الدولة، إنما السبب الأول هو ارتفاع نسب التعليم بين المواطنين، وزيادة مستوى الوعي». 
ويُشير خليل إلى أن حجم الزيادة السكانية وصل لأقل مستوى له قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لكن عاودت النسبة إلى الارتفاع بعد ذلك، مرجعًا ذلك إلى أنه من الطبيعى أن ترتفع مؤشرات الزيادة السكانية بعد الحروب والاضطرابات، كما حدث بعد حرب ١٩٧٣. 
ويرى المنسق العام لحملة الحق في الصحة، أنه كان يمكن أن يتم توجيه كل الأموال التى أُهدرت على مشروع تنظيم الأسرة إلى تنمية المناطق الريفية وبناء المدارس، مشيرًا إلى أنه كان يمكن استغلال الـ٢.٣ مليار جنيه التى تم صرفها على برنامج تنظيم الأسرة، من أجل الاستثمار وتطوير مجمع الحديد والصلب في حلوان.
وأشار إلى أن حجم تأثير برنامج تنظيم الأسرة التى قامت بها الدولة، وحتى وحدات طب الأسرة التى أنشأتها الحكومات السابقة، لم تؤد إلى تغيير كبير، ذلك لأن الاستثمار وتغيير عادات المواطنين ليست مجرد برنامج، ولكنه يحتاج إلى وسائل أخرى، أبرزها التنمية الصناعية. 

كما يرى الدكتور طارق كامل، أستاذ الأنف والأذن والحنجرة بجامعة القاهرة، أن كون عيادات تنظيم الأسرة، تُوفر وسائل تنظيم الأسرة من الحقن والحبوب وغيره، لا تكفى وحدها، لأن قضية الزيادة السكانية «قضية مجتمعية»، متعددة الجوانب، تحتاج دورا من كل المؤسسات. 
ويُضيف، أن دور مؤسسات مثل الكنيسة والمسجد مهم، لأن جزءا كبيرا من المواطنين يعتبر أن تحديد النسل أو تنظيم الأسرة «حرام»، مضيفًا أن هناك دورا آخر للإعلام أيضًا. ويعتبر أن كل برامج تنظيم الأسرة دومًا ما يعيبها «الموسمية»، فهى تبدأ بشكل كبير ثم تهبط، ولا توجد استمرارية لهذه المشروعات، رغم أهميتها. 
وأشار إلى أنه لا بد من وجود عقوبات على المواطنين، الذين لا يتعاطفون مع برامج تنظيم الأسرة، بمعنى أنه يمكن فرض عقوبة مالية على الأب الذى ينجب أكثر من ٣ أطفال، ذلك أنه يمكن يتم النص على أن يكون تعليم «الطفل الثالث» بمقابل مادى وليس مجانيا، بالإضافة إلى أنه قد يمكن إضافة نص إلى قانون التأمين الصحى الجديد على أن يكون الاشتراك للطفل الثالث بمقابل ٢٪ من راتبه، وبالتالى فهذا قد يؤثر على قرار الأب بإنجاب طفل ثالث. 
ويُكمل كامل، إنما ترك المسألة بالكامل، لبرامج التوعية مثل تنظيم الأسرة، فهى لا تسمن ولا تغنى من جوع، مشيرًا إلى أن إحساس الأب أن الطفل الثالث أو الرابع «مكلف ماديًا» سيجعله يفكر أكثر من مرة في إنجابه. ويعاود قائلًا: «يجب أيضًا النص على عقوبة حرمان الأطفال من التعليم، أو التهرب من الانضمام لقانون التأمين الصحي، حتى لايتهرب الأب من مسئوليته أمام أطفاله وأمام مجتمعه». 
ويختم الأستاذ بجامعة القاهرة حديثه قائلًا: «كثير من الأطفال يُعانون بسبب إفراط الوالدين في الإنجاب، مما يحد من فرصه في التعليم أو المسكن الملائم أو غيره، لذلك يجب تقنين العقوبات على الآباء الذين يفرطون في الإنجاب.
بحسب الإحصاءات الرسمية فإن جهاز التعبئة العامة والإحصاء أصدر إحصائية في منتصف يناير الماضى رصدت مجموعة من التغيرات التى طرأت على حجم واتجاه الهجرة الداخلية وخصائصها وأهم أسبابها.