الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات البوابة| "البلاك" قصة قصيرة لـ "آية ممدوح"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مكاتب مكتومة الرائحة، صابون وردى يفوح عطره من فوق الباركيه. الستائر مرتفعة الحرارة من لهب شمس الظهيرة التى لا يستطيع الزجاج أن يتصدى لها وحده هذا حول مبنى البنك مكعب الشكل.
كل يوم يقلل الموظفون حرارة المكان بجهاز التكييف، ولم يعد هناك مجال غير ارتداء أخف وأرق ملابسهم الصيفية فى مثل هذا الحر الملهب.
يحضر عامل البوفيه مزيدا من المشروبات الغازية ويخزنها فى الثلاجة. وفى يوم معلوم ميعاده، أقدام ثقيلة وكروش وعيون تتحرك غير مستريحة، درجة حرارة الأجسام ترتفع رغم قوة مبرد الهواء، تزيد الابتسامات الكاشفة عن طبقات من اصفرار الأسنان والبلاك لتخفف من حدة التوتر. إنها أول محاضرة لاستعمال الكمبيوتر بدلا من الدفاتر الورقية وتعليم مهارة البريزينتيشن.
طاولة مستطيلة طويلة من فوقها عيون تنظر لبعضها وأكتاف تتوجه يمينًا ويسارًا لتواجه بعضها، ثم ترتفع وتنخفض بحركة سريعة. شاب فى العشرينات يقف على رأس الطاولة يرفع صوته ويستجمع ثقته بنفسه ليقول:
- أنا اسمى علاء، وإن شاء الله هكون معاكو لمدة ١٢ محاضرة على مدى الـ٣ شهور الجاية، انهاردة هناخد فكرة بسيطة، وأوعدكو إن شاء الله الموضوع هيبقى أسهل كل محاضرة عن اللى قبلها، ولو أى حد مفهمش حاجة يقولى، أنا تحت أمركم وهعيد مرة واتنين.
بدأ الهمس واتسعت الابتسامات والأسنان الصفراء والمغطاة بالبلاك، التمع الضوء أكثر فأكثر على الرءوس الصلعاء بصوت مداعب ظريف قال أحدهم:
- لو تسمحلنا بس يا بشمهندس نطلب شاى من البوفيه بالتليفون، لو تسمح طبعًا.
- طبعا أكيد... اتفضلوا.
وقال آخر:
- يا بنى معلش أنا زى أبوك يعنى، وعندى السكر فبروح الحمام كتير.
رد مبتسمًا:
- اتفضل يا أيمن بيه.
- مش هتأخر ابدأوا انتو.
تصاعد الهمس والضحك وطلب الشاى واستمرت الأصوات، ثم هم الثالث بالقيام، شعر البشمهندس بضرورة السيطرة على الموقف فصاح بحزم:
- خير يا أستاذ محمود؟ أنا قربت ابدأ.
رد محمود بصوت منخفض:
- هدخن بس إدينى خمس دقايق.
خرج الأستاذ محمود من الباب ولامس كتفه كتف موظف البوفيه هلال المبتسم دائما وهو يحمل الشاى والقهوة والسفن أب وأكياس السكر.
نفخ البشمهندس علاء الهواء من فمه وبدا عليه التوتر وشك فى مدى حكمة قراره عندما وافق على تعليم مجموعة من العجائز كيف يستعملون الكمبيوتر بدلا من أيديهم فى تأييد حسابات وفتحها وإرسال خطابات الضمان.
مع آخر نفس نفثه محمود من السيجارة المارلبورو، وجد أيمن عائدًا من دورة المياه، فنظر إليه ثم لوح بصره بعيدا.
بادر أيمن: إيه يا محمود بيه مش داخل ولا إيه؟
محمود: شوية بس.
- مش لادَّة عليك الحكاية؟
- أنا فاضلى ٣ شهور واطلع معاش، هوجع دماغى على إيه، وبعدين الكلام ده يعملوه الشباب المتعينين جديد هما اللى سهل عليهم.
- أهو بنسمع و........
انقطعت الكهرباء وتوقفت أجهزة التكييف والمصابيح عن العمل ومعها بالطبع أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، فضحك محمود ضحكة قصيرة طفولية وعيناه تلمعان، ثم دخل قاعة الدرس مجددًا وجلس على كرسيه يسمع تعليقات زملائه.
- حظنا وحش.
- تتعوض يوم تانى إن شاء الله.
- هو هلال فين؟ السكر ناقص.
- مطلبتوليش شاى بالنعناع؟
- نسيت يا رءوف بيه عندى أنا دى.
- بس هتستنى، أصل هلال بيعمل الشاى بالبراد الكهربا دلوقت.
- هلال بقى بيفهم فى التكنولوجيا.
ضحكات تملأ القاعة ورائحة التبغ تفوح من الأفواه..
رفع البشمهندس علاء ستائر النافذة ليدخل نور الشمس وهو يمسح عرقه بالمنديل وقد تصاعدت سحابة دخان رمادية نفثها الأستاذ محمود ولامست وجه البشمهندس علاء المتعرق.