الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النقود البلاستيكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت تصريحات البنك المركزى المصرى فى الفترة الأخيرة حول التحول لإنتاج النقود البلاستيكية بدلًا من الورقية جدلًا واسعًا بين العامة والأوساط الاقتصادية النخبوية فى ذات الوقت، إذ بدأت التساؤلات حول جدوى هذا التحول، وكذلك حول شكل هذه النقود، وما إذا كانت تكلفتها محتملة ولا ترهق الميزانيات، وبدأت مخاطبات متعددة من الجهات الرسمية توضح حقيقة هذا التحول، وتتحدث عن مدى حتميته، وهل بدأ العمل نحو هذا التحول بالفعل؟
تمثل السبب الرئيسى فى البحث عن بديل للورق بإنتاج النقود فى سرعة تلف النقود الورقية، لذا بدأ التفكير فى مادة مرنة يمكنها تحمل التداول دون فاقد تلف، ولا تتأثر بالمتلفات المعروفة اليومية الشائعة مثل الرطوبة، والتمزق نتيجة الشد أو الاستخدام العنيف، ولعل هذا ما دفع بريطانيا لإنتاج أول عملة من مادة البوليمر الصديقة للبيئة عام 2016م، إذ رمت الحكومة البريطانية عصفورين بحجر واحد (عملة لا تتلف وصديقة للبيئة معًا)، وجرى استبدال نحو عشرين مليون من أوراق البوليمر الجديدة التى أصدرها بنك إنجلترا فئة خمسة جنيهات إسترلينية (6.54 دولار) خلال السنوات الثلاث الأولى منذ طرحها عام 2016م، كما تم استبدال نحو 26 مليون ورقة بلاستيكية فئة عشرة جنيهات إسترلينية منذ طرحها فى منذ سبتمبر 2017م. كانت أول ورقة بلاستيكية بقيمة خمسة جنيهات إسترلينية تحمل صورة رئيس الوزراء السابق وينستون تشرشل مع عبارته الشهيرة المكتوبة على جدران مدخل مجلس العموم البريطانى «لا أملك غير الدم والعرق والكدح والدموع»، تلتها ورقة من فئة عشرة جنيهات إسترلينية تحمل صورة المؤلفة جين أوستن. ومن المقرر إصدار ورقة بوليمر فئة عشرين جنيهًا إسترلينيًا، تحمل صورة الرسام البريطانى جى إم دبليو تيرنر عام 2020م. وفى أحدث تقرير سنوى لبنك إنجلترا، قال محافظ بنك إنجلترا مارك كارنى إن عمر أوراق البوليمر: «يبلغ أكثر من ضعف عمر» الأوراق النقدية الورقية، وقال كارنى فى تقرير البنك لعام 2019م: «إن أوراق البوليمر أكثر أمانًا من الأوراق الورقية، وتدوم أكثر من ضعف عمرها. كما أنها أيضًا أفضل للبيئة بسبب طول العمر وقابلية إعادة التدوير». واعتاد البريطانيون على تسمية هذه العملات «عملات إكسباير».
بدأ العالم كله وليس بريطانيا فقط فى دراسة التحول لبديل جيد ذو كفاءة فى الاستخدام للنقود الورقية منذ مطلع العقد الثانى من القرن الحالى على نحو جدي، ومن أهم تلك الدراسة دراسة البنك المركزى الكندى التى توصلت إلى أن الأثر البيئى الناشئ عن دورة حياة أوراق نقدية بقيمة ثلاثة مليارات يورو تم إنتاجها فى العام 2003م، يعادل الأثر البيئى الناشئ عن قيادة سيارة حول العالم بعدد 9235 مرة، مشيرة إلى الأثر المسيء للبيئة الناتج عن استخدام تلك النقود. 
بناء على الفوائد الكثيرة المترتبة على استخدام النقود البلاستيكية قرر البنك المركزى المصرى تطبيق ذلك على فئة العشرة جنيهات، وفى حال نجاح التجربة سيتم تعميمها على جميع الفئات من النقود، وهو ما أثنى عليه الخبراء ووصفوه بالاتجاه الإيجابى من قِبَل البنك المركزى لتطوير شكل العملة والمواد المستخدمة فى تصنيعها، لاسيما وأنه يتفق مع سياسية الشمول المالي، إذ إن هذه السياسة تهدف لأن يصبح بإمكان الجميع الحصول على النقود وتداولها فى مشروعات اقتصادية، مما استدعى فى كثير من الأحيان استخدام الآلية الكاملة والتحويل الإلكترونى الكامل للنقود، فى غياب للورقية منها، وتناسب ذلك مع استخدام نقود البلاستيك «البوليمر» إذ تستطيع آلات الصرف الآلى التعامل معها بشهولة أكبر. 
يتحول العالم لثقافة البدائل، فى كثير من النواحى وليس فقط فى أمر النقد، إذ تراكمت الدراسات القابلة للتطبيق مع تراكم النتائج العلمية فى تزايد يتوافق مع نمو العلم أكثر كلما تقدم العمر بالكرة الأرضية، لذا لا يتم تطبيق النتائج بلا دراسات مؤكدة وتجارب سابقة حول النتائج، وأنا شخصيًا أظن أن التحول نحو البوليمر فى إنتاج النقود سيمثل تحولًا جذريًا فى استخدام النقد، لا سيما وأن هذه المادة تتلاءم مع القراءات الإلكترونية المختلفة لها كما لو كانت مفتاح باب غرفة الفندق البلاستيكى الذى تضعه فى القاريء فيفتح لك الباب، وهو لا يتمزق ولا يحترق بسهولة، ويمكن تنظيفه بشكل أكثر جدوى، ويحافظ على الشكل التراثى للعملة الوطنية التى تنتمى لهويتها، وهذا ما دفع أكثر من 20 دولة حول العالم إلى التحول للنقود المصنوعة من البلاستيك، وأبرزها أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، وبابوا غينيا الجديدة، ورومانيا، وفيتنام، فالعالم لا يزال عالم مشتقات البترول والتكنولوجيا.