الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القوة الناعمة.. والتصدى للإرهاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقول الفيلسوف الألمانى نيتشه: «إذا أردت أن تعرف حضارة أمة فاعرفها من فنها». 
الفنون تسهم فى تقدم الشعوب وتصنع الحضارات، والفن منارة للمعرفة، يعتبرعنوانًا للحضارة، ومرآة للوعى الإنسانى، وهو القوة الناعمة لمواجهة التطرف والإرهاب.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة الآن، هل الفن قادر على التصدى للأفكار المتطرفة التى سادت فى بلادنا فى العقود الأخيرة، والتى نجحت فى خلق حالة من التشوه الفكرى والتراجع الثقافى والعنف، وأعادت المجتمع للخلف در بسرعة الصاروخ؟.
ترى ما تأثير الفنون على رقى الوعى الإنسانى؟
الفن هو أفضل سلاح يشرع فى وجه الإرهاب والتطرف الفكرى، ويسهم فى إعلاء ثقافة الحياة على ثقافة الموت التى يتبناها شيوخ الظلام ودعاة التخلف.
صناع الفنون والمبدعين يمكنهم بالفعل التصدى عبر أعمالهم لكل الأفكار الرجعية التى تنهش فى جسد المجتمع، لذا يجب على مؤسسات الدولة دعم كل ألوان الإبداع، من أجل إنتاج أعمال فنية لتوعية المواطنين، خاصة أن تأثير عمل فنى واحد قد يفوق عشرات المبادرات أو المؤتمرات، كفيلم «الإرهابى» للفنان عادل إمام والذى قدمه قبل سنوات ومسلسل «أبوعمر المصرى» للفنان أحمد عز، ومسلسل «الداعية» الذى أنتج فى عصر الإخوان وغيرها من الأعمال التى كشفت خفايا وأسرار ومخططات الإرهابيين فى تجنيد الشباب، وفاقت فى تأثيرها مئات الكتب والمقالات والندوات لكونها ألقت الضوء على صناعة التطرف والإرهاب، وكيف أنه بات نوعا من أنواع البيزنس الرائج والذى يجنى من خلاله الملايين، وبالتالى يصبح الخاسر الأكبر فى هذه الحالة هو الوطن.
المسرح المصرى هو الآخر يجب أن يلعب دورًا تنويريًا، ليس بهدف الإضحاك فقط، بل إن يكون أداة تهدف لنشر الوعى والتصدى للمفاهيم البالية التى عفا عليها الزمن، ما يجعلنا نطالب باستعادة روح مسرح الستينيات، حيث شهدنا آنذاك نهضة مسرحية ساهمت فى تشكيل الوجدان المصرى، وعرضت أعمالا رائعة كانت ولاتزال تعيش بوجداننا لقدرتها على التعبير عن الإنسان ومشكلاته من دون تطرف أو إسفاف، قدمتها كوكبة من كبار المسرحيين لعل أبرزهم، سعد الدين وهبة، ميخائيل رومان، يوسف إدريس، نجيب سرور، ألفريد فرج، عبدالرحمن الشرقاوى وغيرهم، لذا ليت المسرح يعود مجددًا، وهو الدور الذى يقع العبء فيه على وزارة الثقافة بأن تضع استراتيجية لتطويره ودعمه، خاصة أن التكنولوجيا مكنت المسرح من منافسة كل الفنون.
كذلك فن الكاريكاتير له القدرة على التحريض الثقافى للعقل، وقد جعل فناني الكاريكاتير من السخرية سلاحا لإيقاظ العقول وأيضا لمواجهة كل أشكال التخلف والظلم والاستبداد، حتى بات رسام الكاريكاتير بمثابة ضمير للوطن، وأيضا سلاحا للمقاومة، وفى هذا السياق يعتبر الفنان ناجى العلى من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين استخدموا فن الكاريكاتير فى معركته ليس فقط ضد قوات الاحتلال ولكن ضد كل أشكال الفساد ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعيه، لذا بقيت رسومات الفنان ناجى العلى الذى اغتيل غدرا فى لندن رمزًا وطنيًا لصراع الشعب الفلسطينى، وكان حنظلة أبرز شخوصه يعد رمزا لهويته الإبداعية، ورمزًا للصمود والتحدى، رغم كل ما يعيشه الشعب الفلسطينى المنهك والقوى فى ذات الوقت، إلى جانب الشخصية النسائية التى ابتدعها العلى، «فاطمة» وهى المرأة الواعية بأبعاد القضية الفلسطينية التى لا تهادن، وقد اعتمد أسلوب العلى على توظيف اللونين الأبيض والأسود لتأكيد المعنى الدرامى للأحداث، كان يرسم إسرائيل فى صورة جندى فوق خوذته نجمة داود، وكان يرسم الحكام العرب فى صورة رجل بدين أو زجاجة كحول تزينها الحروف الأولى لأمريكا، وأطفال ذو وجوه بائسة مغايرة للواقع، تشعر معها بالفقر والجوع، ويحاصرها الخراب من كل حدب وصوب، ونساء فى حالة وهن، والخونة والانتهازيون، وأطفال يرشقون إسرائيل بالحجارة ما خلق حالة من الأمل فى نفوس المقاوميين، رغم قسوة رسوماته.
المؤكد أن العقول التى تمرست على الإبداع فى شتى مجالاته، قادرة على الابتكار والخلق، بدلًا من الهمجية والعنف، خاصة وأن طبيعة الفن تجنح نحو الإنسانية والرقى والسلم، ما نجده جليًا فى اللوحة الأكثر شهرة على مستوى العالم «جرينيكا» للرسام الإسباني بيكاسو، وترمز إلى حب ورغبة الفنان فى السلام، وقد رسمها بيكاسو إبان الاعتداء النازى على بلدته جرينيكا فى إسبانيا.
من ناحية أخرى، فإن الفن يعمل على إشاعة البهجة فى النفوس، ويسهم فى رفع حاسة التذوق، وبالتالى الارتقاء بالروح، لذا يجب أن نشهد اهتمامًا كبيرًا من قبل الإذاعة والتليفزيون فى إنتاج أعمال درامية تؤجج المشاعر الوطنية، تتصدى للأفكار البالية، تعمل على بناء العقول لتحيا بذاكرة الجماهير ووجدانهم.
إلى جانب إنتاج أعمال تعظم البطولات التى حققتها الرموز الوطنية حتى تكون بمثابة بارقة للأمل لدى الشباب، وطاقة النور التى ترشدهم، بالإضافة إلى أهمية دور هيئة المسرح وقصور الثقافة فى نشر الوعى. ومواجهة التطرف من خلال بناء الإنسان وتحقيق العدالة الثقافية والفنية فى ربوع الوطن.
المؤسف أن مكانة الفنون والثقافة فى مصر باتت تتضاءل وهو ما يمكن الاستدلال عليه من ضحالة الميزانية المخصصة لهما، فى ظل الظروف العصيبة والإرهاب والتخلف الذى تواجهه مصر فى الوقت الراهن، رغم أننا فى أمس الحاجة إلى ثقافة فعلية وعميقة ومتأصلة تكون سلاحا لمقاومة التطرف، وذلك من خلال العمل على إعداد منظومة ثقافية وفنية تغرز القيم النبيلة فى المجتمع، وتشكل قاعدة فنية تراهن على خلق مواطن ذواق للجمال والفنون.
مرة أخرى، يجب أن تلعب المؤسسات الثقافية والعلمية دورا فعالا لترسيخ وتأصيل الفكر الإنسانى المستنير والمتحرر من الأوهام وتحقيق كل ما من شأنه أن يأخذ بيدنا نحو عالم أرحب وأكثر إشراقًا لمواجهة تلك العقول المظلمة، والتنظيمات التكفيرية، خاصة أن الإرهاب والتطرف يتحركان بأريحيه فى مجتمعاتنا بفعل الجهل، ما يعزز الحاجة لتشكيل ثقافة لمواجهة الإرهاب تقوم على تجفيف منابعه من خلال خطاب ملتزم يقوم على التسامح والمحبة، إلى جانب إطلاق منابر ثقافية وفنية فى كل ربوع المحروسة لمواجهة هذا الإرهاب الأسود.