الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

كاتم أسرار الإبداع فى مصر.. فاروق حسني يتحدث لـ"البوابة نيوز": لدى مذكرات رهيبة.. وأرفض تعرية من يأتمننى على أسراره.. صديق إيطالى وصف متحف التحرير بـ«المخزن».. فقلت له: سنبنى أكبر متحف فى العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

**علاقتى بمبارك كانت وثيقة على كل المستويات.. وأنا شخص شبعت مناصب

**كنت أرسم فى أول اجتماع مع مبارك.. وفوجئت به يسألني: هنعمل إيه فى الثقافة يا فاروق؟

**المنتج الثقافى الآن لا يسر.. ومن هاجموا مهرجان المسرح التجريبى أصحاب «قلوب مغلقة»

**بلهاء تيار الإسلام السياسى حاولوا تشويه صورتى ودفعى للهروب من البلاد بتقديم بلاغات عن مخالفات وهمية

**الثقافة هى الخلاص.. والإبداع آلة تُقدم الفكر الإنسانى للمجتمع..

**سعدت بزيارة مركز دراسات الشرق الأوسط كمركز تنويرى هام

**عبدالرحيم على يُمارس دور تنويرى ضد قوى الظلام فى الخارج.. ودائمًا يُهدينى مؤلفاته

**أسّفت لعدم إتمام «باب العزب» والعنانى وعدنى بالبدء فيه


رغم مرور تسعة أعوام على خروجه من السُلطة لا يزال فاروق حسنى مُتألقًا، يتصدر اسمه الأخبار الثقافية كفنان كبير ينتظر مُحبو الفن التشكيلى لوحاته بشغف، ويترحم الكثير من المثقفين على «أيامه» فى وزارة الثقافة التى تجاوزت العشرين عامًا وامتلأت بالمغامرات الكبرى، ويتردد اسمه حول المتحف الكبير، الذى كان مجرد فكرة حالمة عرضها على الرئيس مبارك فأقرها على الفور؛ ومؤخرًا عاد اسمه إلى دائرة الضوء عبر مؤسسته الوليدة التى قرر أن يُخرج عبرها ما يجول بذهنه من أحلام لم يعد يملك القوة التنفيذية لتحقيقها، فقرر أن تصل إلى الشباب عبر إطار العمل الأهلي.

على عكس ما هو معروف عن فوضى الفنانين، تميز المكان الذى ذهبنا إليه بالترتيب والدقة البالغة، بينما الموسيقى الكلاسيكية تملأ الفراغ كعطر باريسى جلبه فى واحدة من زياراته المُتعددة إلى عاصمة النور؛ بجوار كرسيه المُفضّل يقف الفنان الذى بدت ملامحه أكثر ارتياحًا وحيوية مُرحّبًا بنا فى ود ويدعونا إلى الجلوس وفنجان من القهوة الإيطالية.

تبادلنا عبارات الترحيب البسيطة حتى يفرغ زميلانا المصوران من تجهيز أدواتهما، ليبدأ حوار تجاوز وقته المُخصص بساعتين لم تبد فيهما على ملامح الرجل أدنى درجات الضجر؛ فسّر هذا وسط حديثنا بقوله «عندما أرى شبابا قارئا ومثقفا مثلكما أدرك أننى أنجزت مشروعًا حقيقيًا فى الأعوام التى توليت فيها مسئولية الثقافة، فخور بأنكما من ثمار مشروع القراءة للجميع وأبناء مكتبة الأسرة».

يرى فاروق حسنى أن الثقافة بحر ضخم للغاية، ولكى تقتنص منه أشياء تقدم كإغراء لعقول الشباب أو حتى مبدعين موجودين على الساحة فهذا شيء صعب، فلا يكفى أن يكون المسئول وحده على درجة كافية لتحقيق هذا وإنما كذلك يجب على مساعديه أن يكونوا بنفس القدر لاختيار ماذا يُقدّم للمجتمع، فالثقافة هى آلة تجمع من الفكر الإنسانى لتقدمه للمجتمع، وما أريد قوله إننى وغيرى لم نستطع أن نوفى المجتمع فى هذا حقه بالقدر الكافى، رغم جُهدى قدر الممكن المُتاح». لذا، فى نهاية سبتمبر الماضى دشّن وزير الثقافة الأسبق مؤسسة ثقافية تحمل اسمه «مؤسسة فاروق حسنى للثقافة والفنون»، تضم كذلك متحفًا يحمل اسمه، وأطلق جائزتها فى الفنون التشكيلية التى أُعلن عن الفائز بها قبل أيام.

يقول عنها: «طموحاتى كبيرة للغاية بينما المؤسسة لا تزال صغيرة للغاية، وأنا أتولاها شخصيًا من مالى الخاص وهو ليس بالكثير، لذا بدأنا الجائزة بقسم واحد من الفنون التشكيلية وهو قسم التصوير، والعام المُقبل سوف نُضيف جائزة للنحت، وفى ذهنى كذلك جائزة للقصة القصيرة وثالثة للشعر».

يُضيف: «فى ذهنى العديد من الأفكار التى أطمح إلى تنفيذها؛ لكن للأسف عند التفكير فى هذا- والمؤسسة لا تزال كطفل يحبو- فإن ذلك يحتاج إلى الكثير من الجهد؛ أما الدعم المالى فهو مُتاح وعُرض عليَّ عدة مرات، لكننى صممت أن تكون السنة الأولى بمجهودى الفردى حتى أشعر بأننى قدّمت شيئًا، لأن أهم شيء يُشعرك بالاكتفاء هو العطاء، لكن إذا كنت تأخذ فلن تشعر بهذا».

رغم اختياره مجلس الأمناء من مجموعة من الأصدقاء عقولهم قريبة من تفكيره، إلا أن التشكيلى البارع يرى أن هؤلاء الأمناء رغم قيمتهم، لا يُشكّلون قوة الدفع الحقيقية للمؤسسة التى تقوم على المتطوعين، ويقول: «هم الأكثر كفاءة والقوة الحقيقية لنا، أما أنا ومجلس الأمناء فنضع فقط الخطوط العريضة والاستراتيجية، وقضينا وقتا طويلا للتفكير سويًا ثم فوجئت بهم يقومون بتفويضي، وهى مسئولية كبيرة، لكنّى اعتمد على المتطوعين وهم الأقرب ومن يقومون بالعمل الأكثر».

يؤكد كذلك أن المتحف الذى يحمل اسمه لا يزال نواة وستتضاعف مُقتنياته فهو لا يُقدّم أعماله فقط، بل هو واحد من العارضين، وسيقوم بتقديم أعمال كثيرة لكبار الفنانين المصريين والعالميين، وهى مجموعة نادرة من مقتنياته أهداها للمتحف».

يقول إن الهدف من إنشاء المتحف أن يُقدّم خدمة للناس للتعرّف على بداية الفن التشكيلى فى مصر ونهايته، أى حتى الأجيال الجديدة من التشكيليين الشباب الموجود حاليًا.

«كفنان كبير كيف تُقيّم التجربة الأولى للجائزة؟»، سألناه فأجاب باهتمام: «لقد كشفت لنا كما هائلا من صغار الفنانين الشباب ممن هم على قَدر كبير جدًا من الكفاءة، أنا لست ضمن لجنة التحكيم لكنّى شاهدت الأعمال، أما اللجنة نفسها فوجدت صعوبة كبيرة فى الاختيار بين الأعمال المُقدمة من بين 460 فنانا شابا من 21 محافظة تقدموا جميعًا عبر إعلان المؤسسة على الإنترنت، ما دعانى للتأمل حول وجود كل هؤلاء، ليس فى المدن الكبيرة فقط، ولكن من الوجه البحرى والصعيد وكل مكان فى مصر».

صمت لحظات بدت وكأن ذهنه يسترجع ما شاهده ثم قال: «رأيت الأعمال المتقدمة وكانت كلها رائعة، حتى إن المُحكّمين واجهوا صعوبة كبيرة فى اختيار وتصفية الأعمال التى وصلت للمرحلة النهائية، وهناك عدة أسماء لفتت انتباهي، لكنّى لا أستطيع ذكرها لأننى لست عضوًا فى لجنة التصفية.


قصور الثقافة بين «الموظف» و«المُثقِّف»

لم يحظ كثير من وزراء الثقافة بتجربة فاروق حسنى فى أروقة الوزارة، حيث بدأ عمله من قصر ثقافة الأنفوشي، أى من أسفل السلم الوظيفى إن جاز التعبير، ما جعله خبيرًا بالأمور الإدارية التى أضافها إلى جعبته كفنان فجمع كليهما.

سألناه «من واقع خبرتك مع قصور الثقافة التى تحولت إلى مواضع خالية إلا من موظفيها، كيف ترى هذه المشكلة؟»، أطلق ضحكة خافتة وقال: «المسألة بسيطة جدًا، ولكن الوضع يبدو كالنقطة العمياء خلال القيادة، موجودة ولكنك لا تستطيع أن تراها، يجب أن يكون هناك شخص آخر يُشير إلى هذه النقطة، يجب أن نعرف أن قصر الثقافة هو أصل وزارة الثقافة، وكما أنّ الإنسان مُكوّن من مجموعة من الخلايا، فإن قصور وبيوت الثقافة هى الخلايا التى تُكوّن منظومة الثقافة فى الدولة».

أوضح وجهة نظره بقوله: «يجب أن تعتمد قصور الثقافة على المُحرِّك الثقافى أو ما يُمكن أن نُطلق عليه «المُثقِف» الذى يستطيع اختيار ما يتم تقديمه، وقصر الثقافة لا يتخصص فى السينما أو المسرح أو الفن التشكيلي، بل يضم هذا كله، وبالتالى المسئول عن قصر الثقافة يجب أن يكون لديه إلمام بهذه الأشياء حتى يستطيع تقديمها، ويجب أن يكون لديه نزعة التحريك الثقافى، مثلما نجد أستاذا لديه نزعة التدريس؛ وأنا عندما كنت أعين رئيسا جديدا لهيئة قصور الثقافة كنت أقول له إذا أردت النجاح اختر عشرة مساعدين من أى مكان، سواء داخل الوزارة أو من الخارج، المهم أن يكون لدى كل منهم نزعة التحفيز أو البرمجة، وأنا على استعداد لدفع أى مبالغ لهم طالما استطاعوا القيام بهذا الدور، وهؤلاء سوف يقوموا بتحريك كل قصور وبيوت الثقافة، الأهم أن يكونوا «غاويين الثقافة».

«ولكن الكثير من مسئولى الثقافة «الموظفين» يُقدّمون حجج القوانين واللوائح وغيرها»، قُلنا له هذا، فأمّن على الحديث «هذا هو «التقاعس»، فعندما تمتنع عن طرح رأيك ورؤيتك فالنتيجة هى ما نراه، والقوانين موجودة كى نستخدمها، فيجب أن تُحدد هدفك أولًا ثم تنظر ما القوانين التى يُمكن أن تُعينك على تحقيق هذا الهدف».


الثقافة وروح المغامرة

يرى الوزير الأسبق أن «الصُدَفْ» تلعب دورًا كبيرًا فى حياة الإنسان، ويقول: «أنا لم تكن لديَّ الرغبة فى أن أصُبّح وزيرًا للثقافة رغم عملى فى هذا المجال وعشقى له منذ كنت صغيرًا، فقد كان لديَّ مكتبتى ومرسمى وأسطواناتى وقراءاتي، وكنت أبحث عن الكتب الصعبة حتى أقرأها، بالإضافة لأننى كنت «سمّيعا» للموسيقى، كنت أبحث فى الكتب لأعرف كيف تم تأليفها ومم تتكون، وكنت أجلب الكتب المترجمة لأعرف ماذا أسمع وأكون مواكبًا لكل شيء، فالثقافة بحرُ واسع جدًا، ولكن الأهم أن يكون هناك عشق للمعلومة والمعرفة».

يرفض تأكيد أو نفى أن تكون قيادات وزارة الثقافة الحالية هى مجرد نتاج للتدرج الوظيفي، ويقول: «فأنا لم أعد موجودًا لأحتك بهم بشكل مباشر وأعرف ما الذى يجرى كما كنت فى السابق، فلا أعرف من الكفء ومن غير ذلك؛ لكن من فترة نجد المُنتج النهائى لا يسر، أو لم يعد أحد ينتبه له».

يؤكد التشكيلى الكبير أنه خلال فترة توليه الوزارة كان كل شيء له مقياس ومقادير: «لأننى كنت أنافس العالم وكان يجب توافر الأدوات التى تسمح بهذا، وفى بعض المغامرات التى قمنا بها للشباب ومن أجلهم ومن أجل المجتمع كنا نُهاجم، لكن كنت أسعى لأن يتعلم كل شاب ما تعلمته فى حياتي؛ فمشروع المتحف يحوى الكثير من ذكرياتى للمجتمع والشباب الذين لا يعرفونني، وهذا جزء من العطاء يستمر حتى بعد رحيلى عن هذا العالم، فلا بد أن يكون هناك دومًا جزء باق من العطاء، سواء بالفن أو الفكر، فالثقافة كانت بالنسبة لى نوعا من الخلاص».

يلفت فاروق حسنى إلى أن الفرصة لوجود الكوادر التى تقود عملية الحراك الثقافى لا بُد وأن ترتبط بوجود من يقوم بتعليمها وتدريبها لمُمارسة هذا الدور: «تكون هناك كوادر عندما توجد «الخامة» التى يُمكن تشكيلها، وهذا للأسف غير موجود الآن، فلا توجد موضوعات يُمكن التحدث فيها».

ضرب مثالًا بأكاديمية الفنون بقوله: «منذ زمن ولا توجد بعثات للخارج لدراسة النقد أو أساتذة أجانب يتم استقدامهم، سواء فى المسرح أو السينما أو حتى الفنون التشكيلية التى نجد فيها النقاد عددهم محدود للغاية ممن يُمكن الاعتماد على آرائهم فى الأعمال التى تحتاج إلى الخبرة والثقافة الواسعة؛ فلا يصح مثلًا أن تكون ناقدًا للأدب ولا توجد لديك ثقافة عن الموسيقى وأنواعها، أو الفن التشكيلى وظروفه ومتغيراته أو المسرح الحديث، وهكذا»، موضحًا أنّ الناقد لدينا ينقصه كم كبير من المعلومات التى تغذيه «فلدينا مثلا أوسكار وايلد، عندما تقرأ له تجده مثقفًا للغاية، فيتحدث عن السجاد والأحجار الكريمة وموسيقى فاجنر، الأزمة أن المدارس لم تؤهل الفرد ليكون مثل «الأسفنجة» ويتشرّب الفنون والثقافات المختلفة».

بالحديث عن المغامرات التى عاش فاروق حسنى الكثير منها، سواء على المستوى الشخصى أو المهني، يقول: «المغامرة لها نتيجة، والمغامرة فى حد ذاتها ضد التقاعس وحالة السكوت، تَرى عبرها الكثير من الأشياء ولا ترى لديها مردودا فوريا، لكن الكثير من العِظام الذين قاموا بتغيير الأشياء فى الإبداع كانوا بدورهم مغامرين، وكان منهم من يتصور أن عقل المجتمع يُشبه عقله، لذا قام بمغامراته، وبالفعل لا يتقبل المجتمع هذا، لكن فى الوقت نفسه لا يُمكن للمدرّس أن يدخل لطلبة الصف الرابع ويُعطيهم منهج صف آخر باعتباره يُحارب الجمود الزمنى والدنيوي. هذا شيء آخر».

يتذكر الوزير الأسبق المغامرات التى كان يخوضها على عدة أوجه، فتارة يواجه قلة الإمكانيات، وأخرى كان يواجه المثقفين أنفسهم، والذين كان منهم من يُعارض أفكاره، يقول: «كانت المشروعات طموحة، وكان هناك مجموعة من المثقفين المتقاعسين فى مواجهة الأفكار الجديدة، بينما كنت أراهم أداة التثقيف فى مواجهة الأفكار الجامدة، هكذا حاولت أن أضمهم جميعًا للمعركة، ولم أظلم أى أحد منهم، وعندما كنت فى المجلس الأعلى للثقافة أثناء لجان الجوائز كنت أكتفى بصوتى ولا أقوم بالتوجيه لمنح أى جائزة لأحد، سواء كان معى أو ضدى لأن هذه قناعاتي».

يحكى كذلك عن مواجهته المعوقات المادية: «لكى تكون الثقافة طوع أمرى قمت بتغيير الكيان المادى للثقافة فى الدولة، فاستحدثت المجلس الأعلى للآثار، وقطاع الإنتاج الثقافى، وصندوق التنمية الثقافية، وتحولت الثقافة الجماهيرية من إدارة مركزية إلى هيئة، وأنشأت مراكز الثقافة المتخصصة، والمركز القومى للترجمة الذى أفتخر بأنه حتى رحيلى قام بترجمة وطباعة ما يقرب من ستة آلاف كتاب».

أمّا المسرح، فهو مواجهة خاضها طويلًا بأفكاره غير التقليدية، ويقول: «ففى فترة المسرح التجريبى كنّا ننافس العالم، وكنّا نواجه ونتفوق، أما المسرح التقليدى فهو عادي، واستمر كذلك ظنًا من القائمين عليه أن الجمهور يُريد هذا وذلك شيء خاطئ، بينما لدينا طاقات إبداعية هائلة، عندما أقمنا مهرجانات المسرح التجريبى والرقص الحديث قطعنا شوطًا كبيرًا فى مسار مختلف، وكنا نُرّسل الفنانين المصريين للخارج لتقديم عروضهم، وعندما كنّا نُقيم مهرجانا كان الضيوف يأتون من أربعين أو خمسة وأربعين دولة كل منهم يُمثّل مجتمعه وثقافته، وأنت تراهم جميعًا هنا، وبالتالى أولادنا يتعلمون منهم؛ فالمسرح حالة وتصوّر وإيقاع، والمسرحية يجب أن تنقلك إلى حالة أخرى ممتعة، وهذا كان أملى فى المسرح التجريبى وغيره، أن نستخدم الوسائط ونصنع صورة متطورة من المسرح، فالمسرح دومًا حلم بالنسبة لى وتأثيره أبعد من مجرد الرؤية المباشرة».

يصف الرجل من هاجموا بعض مغامراته مثل إقامة مهرجان المسرح التجريبى وبعض الاحتفالات باعتبارها أموالا مُهدرة بأنهم من ذوى «العقول المُغلقة» بالإضافة إلى بعض «البُخل» كما قال ضاحكًا، يرى أن الأمور إذا نظر لها الناس بسماحة فإن المردود سوف يكون مختلفًا؛ يُضيف «المهرجانات التى أقمناها رغم حداثتها وغرابتها فى وقتها كانت نوعا من التحفيز لما هو موجود لدى الشباب، لأن هناك دائمًا طاقة سلبية وأخرى إيجابية يُظهرها الإبداع، ما كنت أريد أن أُظهره لتخرج سمة جديدة من الثقافة بدلًا من الاستمرار فى ظل هيمنة ثقافة الستينيات والسبعينيات، وتصير لدينا ثقافة التسعينيات والألفية ولا نصبح أقل من الدول الأخرى؛ ونحن نرى الآن الكثير من دول العالم العربى التى كنا نفخر دومًا بأننا مَن علمهم، هم يبنون الكثير من المعاقل الثقافية ويجلبون الخبرات لمساعدتهم وتطويرهم بينما نحن نتجاهل مطورينا ونبعد عنهم».


مع مبارك

على عكس الكثير من المسئولين فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كان فاروق حسنى واحدًا ممن لديهم القدرة على الحديث الحر، والاعتراض، واقتراح التغييرات؛ بل وكان الرئيس الأسبق يستمع إليه ويُثنى على أفعاله وأقواله، ما لم يتمتع به كثيرون فى أروقة السلطة العُليا ممن كانوا يكتفون بالتأكيد على رغبات الرئيس وقراراته، رغم أن وزارة الثقافة ينظر إليها على أنها لا تُمثِّل ذات الثِقل الذى تتمتع به وزارات أخرى داخل النظام.

يروى الوزير الأسبق أن فترة وجوده فى أروقة السلطة، التى بلغت 23 عامًا، تميزت بعلاقة وثيقة مع الرئيس على كل المستويات، ويُفسّر الأمر كله بأنه كان يعود إلى الأمانة والصدق والشفافية ما كان يُطبقه بدوره مع مساعديه خلال تعامله معهم «كنت أعرف الأمين والصادق ممن يسعى إلى الفوز بمصلحة شخصية»، يُعيد هذا إلى ما وصفه بأنه «شبع مناصب» منذ كان صغيرًا «فقد كنت صغيرًا جدًا وأنا مدير قصر ثقافة، وصغيرًا كمدير لمركز ثقافى وملحق ثقافى فى باريس، وصغيرًا عندما توليت إدارة المركز الثقافى المصرى فى روما؛ بل وكنت أرفض العودة، وعندما عدت وجدت أمامى واجبا ومهمة يجب إتمامها كما أريد وبالطريقة التى أرغب فيها».

يُتابع حديثه: «الرئيس مبارك أدرك هذا، وتيقن من صدقى فى الفعل والقول، أتذكر فى أعقاب أن توليت وزارة الثقافة بمدة بسيطة عُقِد اجتماع للحكومة برئاسة رئيس الجمهورية، وكان يسأل كل وزير عن خططه وأفكاره لتطوير وزارته، ومع الحديث فى الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، ولأنى بحكم حداثتى فى المنصب وسنى الصغيرة كنت أجلس بعيدًا عنه؛ تصورت أن الرئيس لن يسألنى عن الثقافة، فشرد ذهنى وأمسكت بورقة وقلم وبدأت فى الرسم وانهمكت فيه حتى قطع خيالى صوت الرئيس وهو يسأل: وهنعمل إيه فى الثقافة يا فاروق؟ بعد ما كنت فى حتة تانية»، قالها مُبتسمًا وعاد يروى «كان ذهنى بعيدًا مُحملًا بأفكار أخرى، ومن هذه النقطة التى كنت أقف عندها بدأت أقول له: سوف نفعل كذا وكذا، كان الرئيس يتحدث مع كل وزير ثلاث أو أربع دقائق، لكنه تحدث معى أربعين دقيقة. فى ذلك اليوم بعد الاجتماع تحدث معى الدكتور مصطفى الفقى- وكان وقتها يشغل منصب سكرتير الرئيس للمعلومات- بإعجاب شديد ومنبهرًا بما حدث».

يصمت أقدم وزير فى نظام مبارك لحظات تجلّت فيها بذهنه الذكرى «كان ذلك الاجتماع فى شهر يناير، وكان مبنى الأوبرا الجديد فى موقعه الحالى بالزمالك لا يزال تحت الإنشاء، لكنى فكرت وقتها فى احتفالات انتصار أكتوبر وقلت له بلا تردد: يوم 10 أكتوبر، فعاد يسأل: هنفتتح بإيه؟ جاوبت سريعًا: قطعة موسيقية يتم تأليفها للحدث خصيصًا، قلت هذا رغم أننا كنا متأخرين فى الإنشاءات بـ13 شهرًا عن الجانب اليابانى الذى يُشارك فى إنشاء وتجهيز مبانى الأوبرا، حتى إن الأمر بدا مستحيلًا، لكنى قلت: يوم 10 أكتوبر فى الثامنة مساءً- ما حدث- وهذا ما بنى الثقة بينى وبين الرئيس الأسبق، فقد كان يجد إجابة لكل سؤال، ومواعيد وتكليفات يتم تنفيذها بدقة، فعندما سألنى عن تمويل استكمال بناء الأوبرا قلت له إن المشروعات الكبرى دومًا ما تجد التمويل المُناسب، وبالفعل حصلنا على قرض مُيسّر من اليايان بقيمة 300 مليون دولار.

لهذا وغيره، قيل دومًا أن السبب الرئيسى فى اهتمام مبارك بالثقافة وحرصه على لقاء المثقفين، كان فاروق حسنى وأحاديثه المستمرة مع الرئيس الأسبق، يُفسّر هذا أيضًا ببساطة: «لأن هناك ثقة مُتبادلة بينى وبينه، فرئيس الدولة لا يصح أن يكذب عليه أحد ويجب أن تُقال له الحقائق كما هي، ومبارك كان يتقبّل الحقائق التى أقولها له، ولهذا اطمئن لى ووثق فىَّ، وكان قد رأى وافتتح الكثير من المشروعات التى لم تكن فى باله؛ لذلك كلما كنت أطلب منه شيئا كان يوافق على الفور».


فى مركز دراسات الشرق الأوسط

على ذكر باريس، عاصمة الفنون فى العالم، كان الوزير الأسبق قد عاد لتوه من زيارة إلى مدينة النور، مَاّرسّ فيها هوايته المُحببة فى زيارة المتاحف والمسارح وحضور الحفلات الموسيقية، يقول «لا أمّل من زيارة المتاحف ومشاهدة المقتنيات الجميلة، وأكرر زياراتى ولا أشعر بالضجر، فقد زرت متحف اللوفر 105 مرات، حيث كنت أزوره كل أحد تقريبًا، وكنت أستغل فرصة عدم وجود طوابير أو زحام كبير لأتنقل بين صالاته بأريحية».

ولفت إلى لقائه خلال الزيارة الأخيرة بالكاتب الصحفى عبدالرحيم على، رئيس مجلس إدارة وتحرير مؤسسة «البوابة» ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط فى باريس، وأثنى على الدور الذى يقوم به المركز فى توضيح الحقائق للغرب وكشف خطط التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، يقول «حسني»: «الكاتب الصحفى عبدالرحيم على صديقى منذ وقت طويل، وقد عاصرت جهوده وكتاباته فى مصر وفى الإمارات والآن فى فرنسا، وهو طيلة مسيرته المهنية يقوم بدور تنويرى كبير، لذلك تهاجمه الجماعات الإرهابية حتى من قبل كل الأحداث التى عصفت بالمنطقة، وكان دائمًا ما يقوم بإهدائى مؤلفاته التى تحمل نظرة خاصة عن المتأسلمين وقضايا الإرهاب».

وأشار فاروق حسنى إلى أن الدور الذى يقوم به مركز دراسات الشرق الأوسط من محاولات لكشف نوايا قوى الظلام والجماعات الإرهابية يجب أن تُمارسه المراكز الثقافية المصرية فى العالم، والموجود الكثير من مقارها بالفعل فى السفارات «ولكنها تحتاج إلى مُفعِّل، وأن يتم إعداد برامج خاصة تقوم بهذا الدور»؛ لافتًا إلى أنه يجب تعظيم الدور الثقافى لمواجهة الإرهاب، وملء الدنيا بما يُسمّى بـ«الضجيج الحميد»، حسب وصفه، والذى يقف فى وجه ضجيج الأفكار الظلامية «فالمعركة الفكرية كانت ضد كل من لم يُدرك الحقائق أو مُغيب»؛ مُشيرًا إلى أن جماعات الإرهاب والإسلام السياسى تغسل عقول الشباب الصغار والأجيال الجديدة «هم فريستهم الأسهل لأنهم لا يزالون فى مرحلة تشكيل الوعى وهم المستقبل، والشباب فى سن المراهقة والعشرينات يُمكن أن تُحول فكرهم بالكلام، خاصة لو كان هذا الكلام فى الدين اللى هو فى الأساس يقوم على معنى التسامح، وهم لهم تطبيقات لا تتفق مع الدين وتختلف عن الحقيقة؛ أما الكبار الذين يتحولون فى مواقفهم فهم مجرد نفعيين اختاروا هذا التحول من أجل مصالح ومنافع شخصية».

من أجل هذه النظرة التى لم يتخل عنها قط، حاول القائمون على جماعة الإخوان الإرهابية الزج باسم فاروق حسنى فى قضايا مُخالفات مالية، وخلال العام الذى قاموا فيه بالانقضاض على السلطة تم تحويله للمحاكمة بسبب بلاغات من وصفهم بـ«البلهاء» أو من رجال تيارات الإسلام السياسى «حاولوا وقتها تخويفى ودفعى للسفر بالخارج لتشويه صورتى وكأننى هارب أو مُدان، وكان المُقربون منّى يشعرون بالقلق بسبب وجودهم فى الحكم، لكنّى تمسكت بحقى فى الدفاع عن نفسى وإظهار براءتي، وبالفعل قررت المحكمة تبرئتى لأننى لم أقم بأى مخالفات مما حاولوا إلصاقها بي».


قصة المتحف الكبير

كان المتحف المصرى الكبير واحدًا من أحلام فاروق حسنى التى ظلّت تؤرق مضجعه لفترة طويلة حتى استطاع البدء فى تحقيقها، كانت ملامحه فى البداية مُبهمة وكأنه لوحة جديدة تملأ كيانه حتى تصل إلى النقطة التى يبدأ فيها بوضع أولى خطوطها، يحكى أنه فى كل زيارة إلى المتحف المصرى فى التحرير كان يُصاب بـ«الضيق والصداع» من المشهد الذى يُزعجه كفنان بعدما ضاق المبنى العتيق الذى أسسه مارييت باشا عام 1835. يقول: «كنت أفكر كيف أُعيد لهذا المتحف الذى يُعّد من أعرق متاحف العالم رونقه من جديد، لكنّى وجدت هذه المهمة مستحيلة، لأن القطع الأثرية الموجودة فى المتحف لها كُتل كبيرة جدًا يصعب تحريكها أو إجراء أى تغييرات عليها؛ لذلك بدأت بالتفكير خارج هذا الإطار، فى الوقت الذى كُنت أعرف فيه جيدًا قدرات الوزارة وإمكانيات الدولة».

يسرد وزير الثقافة الأسبق قصة المتحف الكبير منذ بدايتها: «قانون نيوتن الثالث للحركة يقول إن لكل فعل رد فعل مساوٍ ومُضاد له وهو ما حدث، فبالصدفة كنت مدعوًا لزيارة مدير معهد العالم العربى، خلال وجودى فى زيارة لباريس، وعلى مائدة الغداء التقينا صديق مشترك هو معمارى كبير، وأَحْد أكبر الناشرين فى إيطاليا، وخلال الجلسة وجدت الصديق الإيطالى بالصدفة يسألنى عن أخبار «المخزن» الموجود فى التحرير، وكان يقصد المتحف المصري، وكرد فعل تلقائى نابع من الضيق الذى أصابنى لهذا الوصف قلت له: نحن نخطط لبناء أكبر متحف فى العالم. خرجت منّى هذه العبارة دون أن أعرف ماذا أفعل لكّن الفكرة بدأت من هنا، ووجدت الرجل يتحمس بشدة، ويخبرنى بأنه على استعداد للحديث مع رئيس الوزراء الإيطالى وقتها، الذى كان صديقًا شخصيًا له، ويعدنى بالحصول منه على تمويل للمشروع؛ وقال إنه سيزور القاهرة بعد عشرة أيام ويسعده أن يرى الأرض التى سيُقام عليها المتحف ومخططات المشروع».

يُشير فاروق حسنى إلى أنه لم يكن فى ذهنه حتى المكان الذى كان ينتوى إقامة المشروع فيه، كان قد أجاب عن ذلك السؤال لصديقه بأنه بالقرب من الأهرامات دون تفاصيل أخرى «حتى إنه عندما زارنى وسألنى عن المكان قلت له تعالى نختار سويًا، وبالفعل ذهبنا وقمنا باختيار قطعة أرض قريبة من الأهرامات، لكنها لا تطل عليها مباشرة وفى الوقت نفسه على الطريق الرئيسي، وهو كمعمارى قام برفع المقاسات وعاد لى بعد عشرة أيام بالتخطيط الكروكى للأرض، وكان قد تحدث بالفعل إلى رئيس الوزراء الإيطالى بخصوص المشروع».

يُتابع «عندها ذهبت إلى مبارك وقلت له عن الفكرة فسألنى عن إمكانية التمويل فذكرت له ما حدث، فطلب أن نحدد الأرض ورفع المقاسات ليُصدر القرار الجمهورى بتخصيصها للمشروع، وكانت مساحتها 117 فدانًا، وكنت أتطلع إلى مزيد من الأرض، ولكن الأمر توقف عند المساحة المحددة».

بدأ فاروق حسنى مشروع المتحف الكبير بالأموال التى كان يدخرها للمشروعات الكبرى فى صندوق التنمية الثقافية وقال: «كنت أحتفظ بها من أجل هذا المشروع ومشروع آخر هام هو متحف الحضارة. وبهذه المبالغ بدأت فى الإعدادات الأساسية للمتحف الكبير، وانتهيت من مشروع متحف الحضارة، لأن المتحف الكبير كانت له متطلبات ضخمة على مرحلتين بدأناهما من الصفر، فأنهينا مركز الترميم والمخازن والممر الواصل بين المرحلتين، واستغرق هذا ثمانى سنوات، وقبلها استغرقت دراسة الجدوى المتحفية فى إيطاليا أربعة سنوات وتكلفت مبالغ ضخمة للغاية، ثم الشروط المرجعية التى استغرقت عامًا ونصف فى إيطاليا، واستخدمنا لجنة مُحايدة من الجمعية المعمارية الدولية وأثريين من عندنا ومتاحف اللوفر وتورينو حتى تم الاختيار، ثم مرحلة التصميم وهنا طرحنا المناقصة على الإنترنت وقلت: أعظم مكان فى العالم يحتاج إلى أعظم معمارى فى العالم لذلك تقدم لها 1557 مكتب استشارى فى العالم واستغرقت ما يقرب من عام».

قبل أيام زار الوزير الأسبق المتحف الذى تستعد الدولة لافتتاحه قريبًا بدعوة من الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار، أثنى حسنى كثيرًا على الجهد الذى تم بذله لاستكمال المشروع «أنا فى الأساس رسّام، تتكون الصورة كاملة فى ذهنى قبل أن تخطها ريشتي، وفى هذا المشروع كنت أتصور كل شيء ومكان كل قطعة قبل أن نضع الحجر الأول، وكل سنتيمتر فى المتحف كنت أعرفه من الرسوم، ولكنّى لم أر التطبيق على أرض الواقع إلا خلال زيارتى الأخيرة برفقة الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار وبدعوة منه، وهذا المشروع سوف ينظر له العالم كله، لذلك يجب أن يكون التطبيق على قدر الخيال والتصميم، قبل هذه الزيارة زرت المتحف منذ ست سنوات بدعوة من الدكتور طارق توفيق مدير مشروع المتحف آنذاك، وكانت أعمال الحفر قد بدأت، إلا أنه لم يكن هناك شيء ملموس بشكل واقعي، وكنت أكتفى بمتابعة أخبار المتحف من الصحف؛ لكن هذه المرة استقبلنى الدكتور العنانى ومعه اللواء عاطف مفتاح المشرف على إنشاءات المشروع، وفى الحقيقة انبهرت من التطبيق هذه المرة لأنه يساوى الخيال، والمشهد فى الواقع أكبر من التصور الموجود على الورق بالرغم من النسب المكتوبة وغيرها. وجدت شيئًا عظيمًا وملفتًا للنظر وصادق الجمال، واللواء مفتاح معمارى نابه لا تفوته أية تفصيلة وهذا ضروري، فالمشروع يُعّد حديث القرن بالنسبة للعالم، وليست مصر فحسب.


يتذكر لكنه يرفض المذكرات

فى العام الماضى أصدر الفنان والوزير السابق كتابه «فاروق حسنى يتذكر»، والذى احتفل بتوقيعه فى دورة اليوبيل الذهبى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، والذى تضمن الكثير من مشاهد حياته وعمله؛ لكن مع كل ما سرده بين طياته، إلا أنه يبقّىَ الكثير من الذكريات فى جعبة الرجل الذى قضى ما يقرب من نصف قرن فى العمل العام وأقل من نصفها بعامين على رأس المؤسسة الثقافية فى مصر. يؤكد «بالطبع هناك الكثير مما لم يتم سرده»، وفى الوقت نفسه يرفض كتابة مذكراته «لو قررت كتابة مذكراتى فلن يكفيها كتاب واحد، فأنا لديَّ مذكرات رهيبة، منذ كنت أعمل فى قصر ثقافة الأنفوشى حتى الآن، وذكريات باريس وروما والجهابذة الكبار الذين عرفتهم هناك وتعملت منهم، وكان منهم شخصيات كبيرة ومُلهمة وعقول جبارة، وبالطبع أعوام الوزارة وكواليس السياسة والسلطة وما صادفته فى هذا».

يُضيف: «وهناك أشياء (اتكعبلت فيها)، لكنى مارستها بأريحية وتريث، ساعدنى فى كل هذا روح الفنان والخيال، لأصِل فى النهاية إلى الثقافة وهى «المُقدِّر الأعظم» الذى يزن كل شيء، والفن هو الطريق إلى كل هذا، وكنت أقدم ما أحبه وأرغب أن يحبه شباب مصر، حتى أفتخر بهم، ولم أفعل أى شيء يُخجلنى فى يوم من الأيام. مع كل هذا هناك الكثير مما لا يُقال»، يقولها رغم أنه كان صندوقا أسود للكثير من رجال السلطة والسياسة فى مصر، أشهرهم بالطبع سوزان مبارك قرينة الرئيس الأسبق، والمشير حسين طنطاوي، واللواء الراحل عمر سليمان رئيس المخابرات العامة ونائب الرئيس الأسبق.

هكذا نجده لا يرفض الأمر، ولكنه لا داعى له على حد وصفه «المذكرات يجب أن تشمل العلاقات الإنسانية والاجتماعية والعملية والعلاقة بالمرأة، وأنا لا أحب أن أقوم بتعرية أحد خضت معه شيئا ما أو ائتمننى على أسراره».

على خلفية الحديث عن الذكريات، يروى الرجل واحدا من المواقف التى جمعته مع المخرج العالمى الشهير مارتن سكورسيزى والفنان العالمى الراحل عمر الشريف، وكلاهما كان صديقًا له، فقد ذهب إليه سكورسيزى ليطلب نسخة من فيلم «المسافر»، الذى قام ببطولته الشريف بالاشتراك مع الفنان خالد النبوي، الذى شارك عام 2009 فى المسابقة الرسمية لمهرجان فنيسيا السينمائى الدولي، يحكي: «قبل التصوير أعطى المخرج أحمد ماهر للفنان عمر الشريف الجزء الخاص به من السيناريو وكان واحدًا من ثلاثة أجزاء، ولم يعلم الشريف ذلك، ولم يُشاهد الفيلم كاملًا إلا فى المهرجان، وفوجئ الجميع بثورة من الغضب التى انتابت الفنان العالمى الراحل لأنه شعر بنوع من الخديعة، لأن دور الفنان خالد النبوى كان أكبر من دوره»، يُتابع «حاول البعض تهدئته ولكن بلا فائدة»، ارتفعت ضحكاته مُتذّكرًا الموقف الذى كان واحدًا من حاضريه «ربما لهذا لم يفوز الفيلم بأية جوائز لأن أعضاء لجنة التحكيم خشوا من تضاعف غضبه».


ما زال يحلم

لا يتذكر فاروق حسنى مشروعًا حلم به وتجاهله الآخرون، بل يتذكّر ما أنجزه، يقول: «سعدت للانتهاء من مشروع متحف الحضارة قبل رحيلى عن المنصب، وهو لا يقل أهمية عن المتحف الكبير، بل وعلميًا يفوقه أهمية، فبينما يتناول المتحف الكبير حضارة مصر القديمة، يجمع متحف الحضارة آثار الحضارة الإنسانية كلها منذ تَرَكَ الإنسان آثاره على الأرض، وكنت أخشى عليه لأننى انتهيت منه تمامًا يوم رحيلى وكان ينقصه فقط سيناريو العرض، وهو ما تم بعد ذلك».

يتذكر الفنان الكبير أيضًا المشروع الذى تأسّف على ترك منصبه قبل الشروع فيه، وهو مشروع «باب العزب»، وهو حى كبير من القاهرة الفاطمية بجوار قلعة الجبل، والذى يصفه بالقول: «هو حى كامل ممتلئ بالأماكن الخالية القابعة خلف هذا الباب، ويمتد المسير فيه حتى القلعة، فى رأيى كان هذا من أحياء القاهرة الرائعة، وكان من ضمن مبانيه سكن الجنود وتبلغ غرفه 15 غرفة تقريبًا، وبالفعل كنّا قد قمنا برفع المقاسات لهذا المبنى، والرسوم لا تزال فى مكتب الوزير حتى الآن، لذلك سعدت عندما قال لى الدكتور خالد العنانى أن الوزارة بصدد البدء فى هذا المشروع».

فى الحقيقة لا أحد يكتفى من حديث هذا الرجل أو الحديث معه، يُمكننا أن نصنع مجلدًا من حكاياته ومن رحلاته الطويلة التى انطلقت من الإسكندرية إلى باريس وروما حتى استقر مسئولًا رفيعًا للتنوير فى القاهرة؛ لكننا كنّا قد تجاوزنا وقت الحديث بشوط طويل، وكان بدوره يشهد جدول مواعيد مزدحمًا آثر تأجيل بعضه من أجل هذا اللقاء، هكذا غادرناه بينما لا تزال الموسيقى الكلاسيكية التى يُحبها تتردد فى جنبات القاعة المليئة بالمقتنيات والمجلدات الفنية الصادرة بعدة لغات، ليودعنا بحفاوة لا تقل عن حفاوة الاستقبال.