الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

في ذكرى مئويته.. «فاروق الأول.. الملك الضحية».. مؤرخون يؤكدون: «فاروق عمره ما داق الخمرة ومكنش بيحبها».. «الحاشيتان» وأحمد حسانين كلمة السر في انحرافات فاروق.. والملكة نازلي جلبت له «العار»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
* لطيفة سالم: الازدواجية أبرز ما يميز شخصيته.. وهذه أسباب تحول عصره من الازدهار إلى التهور ولعب القمار 
* عاصم الدسوقي: تربية "الإنجليز والإيطاليين" غيرت ملامح فاروق.. ومحاولات إعادة الملكية تعزز رواية "اغتياله"



بين لحظات من الزهو والتألق إلى لحظات من الانهيار تجسدت في مقولته الشهيرة "إن الملكية إلى زوال ولن يبقى في العالم سوى ملكة إنجلترا وملوك الكوتشينة الأربعة"، عاش الملك فاروق الأول، الذي تحل الذكرى المئوية لميلاده اليوم حياة مضطربة أثرت في تعاملاته سواء الاجتماعية أو على المستوى الرسمي.
"البوابة نيوز" حاولت تشريح وتقييم فترة عهد فاروق، والبحث وراء أسباب الانهيار الكبير للملك الشاب الذي بدأت حياته في الملكية محبوبا بين المصريين الذين انتفضوا لنجدته في حادث القصاصين، وصولا إلى الانهيار الكبير، وتحول هذا الحب إلى كره والانتشار الواسع للصورة الشهيرة "رعاياك يا مولاي"، التي عبرت عن الفقر الذي وصل إليه المصريين في نهاية عهد فاروق آخر ملوك مصر.
المؤرخون يؤكدون أن العديد من العوامل أثرت في حياة فاروق الملك الضحية المطلوب بحاشيته الرسمية وغير الرسمية ورفقاء الرحلة الذين أسهموا في إفساده.. وفي هذا السياق، تقول الدكتورة لطيفة محمد سالم، أستاذة التاريخ الحديث، إن تقييم شخصية بعد 100 عام، يجب أن يستند على تحليل لمختلف المراحل التي عاش بها، والتغيرات المحيطة به من أجل الخروج بنتيجة محايدة، معتبرة أن الملك فاروق كان ملكا مظلوما وضحية عصره أيضا، وعلى عكس ما هو متداول تؤكد المؤرخة المعروفة أن "فاروق عمره ما داق الخمرة علشان مكنش بيحبها"، وتشدد على أن حاشية الملك لعبت الدور الأبرز في انهياره. 
تجدر الإشارة إلى أن المؤرخة لطيفة سالم، كتبت 3 كتب عن الملك فاروق، وهي: "فاروق وسقوط الملكية في مصر- فـاروق من الميـلاد إلى الرحيـل - فاروق الأول وعرش مصر (بزوغ واعد وأفول حزين)"، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث العلمية المنشورة عن حقبة الملكية في مصر، وبخاصة عهد فاروق الأول.
تقول "سالم" في حديثها لـ"البوابة نيوز"، إن فاروق شخصية ازدواجية، وظهرت ملامح هذه الازدواجية في نهاية عصره، وبالحديث عن نشأة فاروق فإن والده الملك فؤاد كان شخصية مكروهة بالنسبة للمصريين، لا يعرف اللغة العربية ولا يلتقي بالمصريين، وعمل على تربية فاروق تربية قاسية ومنغلقة تماما، وظهر ذلك في جلب مربيتين إنجليزيتين، ومن المتعارف عليه أن الإنجليز صعاب الطباع، كما منع فاروق من رؤية والدته سوى لساعة واحدة في اليوم فلهذا افتقد فاروق لحنان الأم في صغره، وعمل فؤاد المستحيل على تعيين فاروق ولي للعهد بموافقة الإنجليز بالطبع.
وتتابع: "وكانت السمة السائدة في هذا العصر أن الإنجليز كانوا يحيطون بالأبناء الصغار المنتظر توليهم للحكم ومن هنا كانت تضمن تربيتهم في انجلترا، وسافر فاروق إلى انجلترا بصحبة عزيز المصري العسكري الصارم، وأمين من السراي وهو أحمد حسانين، وهناك تدرج في الانحراف، فنهارا كان مقيد بصحبة عزيز المصري المعروف بالجدية، وفي الليل كان يرافقه أحمد حسانين المعروف عنه الانحراف، وفي سن 16 عاما لم يكن فاروق قد تشكلت شخصيته، وقد تكون هذه التربية وبخاصة البعثة التعليمية في لندن من الأسباب التي رسخت الازدواجية في حياة فاروق".
"وبعد وفاة الملك فؤاد، تولى فاروق العهد في 6 مايو 1936 في سن صغير دون أن يتسلم السلطات الدستورية نظرا لصغر سنه، وهنا استبشر المصريين خيرا بفاروق بعد عقد معاهدة 1936، وإلغاء الامتيازات الأجنبية، وكان الشعب المصري متعاطف معه في بداية عهده، وكان متعارف عليه أنه متسامح وابن نكته وكان يميل للطبقات الوسطى وأولاد البلد"، بحسب ما تقوله أستاذة التاريخ الحديث. 
وتشير "لطيفة"، إلى أن الحادث البارز الذي أثر في حياة فاروق هو تسلمه الحكم، فبمجرد أن وصل إلى الإسكندرية وتسلم الحكم ووجد أن كبار رجال الدولة مثل على باشا ماهر وغيرهم يقبلون يده، من هنا يمكن أن تكون نبتة الاستبداد والسلطة قد وجدة في شخصية فاروق، وظهر ذلك جليا في زرع أفكار ترسخ لفكرة العداء المستحكم بين حزب الوفد ووالده الملك فؤاد، وعاش فاروق بين حاشيتين لكل منهما توجهات أثرت على شخصية فاروق.
وتضيف: "العداء مع حزب الوفد ظهر في هذه الفترة، وأحزاب الأقلية استغلت الأمر وعززت من ارتباطها بالملك بعد أن أيقنت مصالحها مع الحاكم، ومن 1937 حتى 1944 كانت فترة تألق فاروق، وكانت صورته تعلق في جميع البيوت على اختلاف طبقاتها، وظهر للشعب كأفضل من حزب الوفد صاحب الشعبية، وحاز على شعبية كبيرة نتيجة لتحركاته لنجدة المستضعفين مثل زيارة مرضى الملاريا في الصعيد، وغيرها من الحوادث، ولعل حادث القصاصين عام 1942 عندما اصطدمت سيارته بساحة تابعة للإنجليز ظهرت غلاوته وشعبيته عند الشعب الذي انتفض لنجدته بعد تعرضه للإصابة نتيجة انقلاب سيارته".
وتؤكد "سالم" أن التحول في حياة فاروق بدأ في في 1944 حين أقال فاروق حزب الوفد بمجرد استلامه للسلطة دستوريا، وذلك أحد انعكاسات شخصيته وتربيته التي بنيت على فكرة الولاء لنفسه والولاء للسلطة والحكم، وفي 1946 كان التغير الكامل لفاروق، حينها بدأ يشعر بتناقص شعبيته، وبدأ يشكل الوزارات على حسب أهوائه، وسعيا لتعزيز شعبيته دخل في حرب فلسطين التي انتهت بالنكسة، وخلف ذلك فترة من التهور في عصر فاروق فيما بعد الحرب.

وتلفت المؤرخة إلى أن فاروق وصل لمرحلة التهور انتقل فاروق للتمادي في لعب القمار والسهرات الليلية، وذلك لأنه نشأ في ظل بيت مباح فيه القمار وكان سمة تميز الطبقات الأرستقراطية في مصر، وبدأت تظهر لديه انحرافات لعكس صورة ذهنية مخالفة لطباعه الحقيقية، لكي يظهر أما الناس بصورة ذهنية معينة مما خلق كره لدى المصريين تجاه فاروق، بالإضافة إلى المحسوبية والوساطات التي انتشرت في نهاية عهد فاروق، وبدأ يسيطر على كل شيء بما فيه الجيش، وظهر ذلك في تعيين شخصيات ليست على دراية وخبرة، والاستهانة بالضباط الأحرار الذين ظن أنه قادر على سحقهم في أى وقت.
وتختتم لطيفة سالم حديثها للبوابة قائلة: "الحاشية التي أحاطت بفاروق والجماعات الأيدلوجية، والتي كانت منتشرة في عهد فاروق، والعديد من الحركات والأحزاب، غيرت كثيرا في حياة فاروق، الذي كانت صورته معلقة في كل منزل في مصر، وانتهت بإزالة صورته وتعليق الصورة الشهيرة للفقراء في مصر والتي حملت شعار "رعاياك يا مولاي"، وهي صورة نشرتها إحدى الصحف وانتشرت على مدى واسع في هذه الفترة، وبخاصة في ظل الحرب التي خلفت آثارا اقتصادية صعبة على المصريين، وبخاصة في قضية التموين، الطلبة في 1946 في احتفال الشعلة أنزلوا صور فاروق وكسروها، وانتفاضة العمال ضده، وتغير حزب الوفد بدخول طبقة ارستقراطية غيرت من مفاهيم الحزب، كل ذلك كانت حالة من التدني والانهيار التي وضعت النهاية لعهد فاروق". 
ويقول الدكتور عاصم الدسوقي، المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث، إن الحديث عن الحقيقة التاريخية التي ترعرع فيها الملك فاروق تحتاج إلى حقائق وليس أهواء أو مشاعر حب أو كره، ففاروق هو ضحية ظروفه، فكُره أبيه له تسبب له في العديد من الأزمات على مدى حياته.
ويضيف الدسوقي في حديثه لـ"البوابة نيوز"، أن "الملك فؤاد كان قد أخطأ مع الملكة نازلي، واضطر للزواج منها مجبرا لتصحيح خطئه، وعاش فاروق مكروها مع أمه نازلي في قصر القبة وليس قصر عابدين؛ لأن الملك فؤاد لم يكن يعطيهما الاهتمام الكافي وأبعدهم عن قصر الحكم لفترات، وعند بلوغ سن الرشد كالعادة يذهب ولي العهد للدراسة في لندن برفقة، ولعل أكثر من أفسد أخلاق فاروق هو أحمد حسنين المرافق له في رحلة الدراسة، وكانت النتيجة أنه أفسد في إفساد فاروق أيضا فيما بعد.
ويتابع: "عمل أحمد حسانين على اختيار أحد القصور لإقامة الملك فاروق في لندن وكان صباحا يذهب للدراسة ومساء يذهب للملاهي الليلية، وهذه النشأة المترفة ظهرت في حياته فيما بعد، وهذه الأمور دفعت بعزيز المصري أحد المرافقين لفاروق لمغادرة لندن لاعتراضه على تصرفات حسانين".
ويستكمل الدسوقي حديثه قائلا: "خصوصيات ثقافة المحيطين بفاروق أثرت كثيرا على حياته الذي وجد نفسه فجأة ملكا بعدما وجد أناس في سن والده يقبلون يده ولا يسعون إلا للبقاء في السلطة بشتى الطرق، كما أن تصرفات والدته الملكة نازلي بعد رحيل الملك فؤاد إساءات كثيرا لفاروق، بعدما راحت تعيش حياتها الخاصة وتتصرف الكثير من التصرفات غير اللائقة، وهو ما أغضب فاروق كثيرا بعد تعدد علاقاتها جلبت له العار، وبخاصة بأحمد حسانين أحمد حسانين معاون الملك فؤاد، ورفيق فاروق في أيام الدراسة بلندن، والملكة نازلي ظلت في انحرافها، وانتهت بالسفر إلى أمريكا واعتنقت المسيحية وحينها قيل أنها عادت لأصلها، ولعل ما ذكره محمد حسين هيكل في كتابه مذكرات في السياسة المصرية، يعبر عن وجهة نظر فاروق في النظام الملكي، حيث كان الملك فاروق يردد دائمًا أن "الملكية إلى زوال ولن يبقي من الملوك إلا خمسة فقط، ملك بريطانيا وملوك الكوتشينة الأربعة".
وعن حقيقة اغتياله، قال الدسوقي إن المحاولات المتكررة لعودة الملكية إلى مصر قد تكون السبب الأبرز التي ترجح الرواية الغربية حول اغتيال الملك فاروق في أحد مطاعم إيطاليا".