الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أفريقيا وليبيا.. إستراتيجية مصرية لتطويق الإرهاب الدولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس من شك في أن حل الأزمة الليبية عسكرى بامتياز، وقد اتخذت في بداية الأمر طابعًا محليًا، عندما كان يتعلق الأمر بتشكيل جيش وطنى من أجل تحرير بلاده من عناصر وجماعات وعصابات إرهابية وإجرامية محلية التكوين في أغلبها، وإن كانت تلك المجموعات مدعومة خارجيًا بالمال والسلاح؛ غير أن هذه الأزمة بدأت تأخذ طابعًا إقليميًا عابرًا لحدود ليبيا الست مع جاراتها (مصر وتونس والجزائر والنيجر وتشاد والسودان) على خلفية تطور الدعم الخارجى ليتجاوز مرحلة المال والسلاح إلى المقاتلين والضباط والجنود، على نحو ما فعلت تركيا خلال الشهور الثلاثة الماضية.
ساحات القتال في ليبيا باتت تعج بالمرتزقة السوريين والعراقيين والدواعش الليبيين والضباط والجنود الأتراك، الذين يديرون تلك المجموعات بهدف إبقاء الصراع مشتعلًا في مدن الغرب الليبي، ما يُسهل على راعى الإرهاب الدولى رجب طيب أردوغان استنزاف ثروات ليبيا، وآخرها أربعة مليارات دولار، حصل عليها كوديعة في البنوك التركية دون فائدة من المصرف المركزي الليبي، علاوة على أطماعه في النفط والغاز وغيرهما من ثروات ليبيا وخيراتها.
ولا تلوح في الأفق أية بوادر أو مؤشرات تبشر بإمكانية نجاح مسارات برلين التفاوضية الثلاثة: «العسكرية، السياسية، الاقتصادية»؛ فقد انتهت اجتماعات جنيف للجنة 5+5 العسكرية بطرح القادة العسكريين الممثلين لحكومة السراج الميليشياوية، شرطًا غير قابل لمجرد النقاش، وهو انسحاب قوات الجيش الليبى إلى مناطق تمركزها قبل الرابع من أبريل الماضى، أى بداية عملية الكرامة لتحرير العاصمة طرابلس من سطوة العصابات الإرهابية، ومع طرح هذا الشرط ليس من المتوقع أن يستجيب هؤلاء القادة لشروط الجيش الليبى المُتمثلة في خروج جميع مرتزقة أردوغان وضباطه من الأراضى الليبية، وتفكيك الميليشيات ونزع سلاحها ومحاربة الإرهاب.
وسياسيًا لم يُعلق حتى الآن المبعوث الأممى غسان سلامة على شروط مجلس النواب الليبى الخمسة، لمشاركته في مفاوضات المسار السياسى رغم اقتراب الموعد الذى حدده سلامة نفسه في السادس والعشرين من فبراير الجاري، كما أن كلًا من مجلس النواب المعترف به شرعيًا ومجلس الدولة الاستشارى الذى يرأسه الإخوانى الإرهابى خالد المشرى قد أعطيا إشارات إلى أن تقدم المفاوضات العسكرية من عدمه هو ما سيحدد مشاركتهما في اجتماعات جنيف.
وبالنسبة للمسار الاقتصادى، انتهى اجتماع القاهرة الإثنين الماضى، بحضور غسان سلامة دون أن يصدر عنه بيان يتحدث عن مجريات المفاوضات التى تستهدف التوصل لسياسات اقتصادية ومالية متوائمة، تفضى في نهاية الأمر إلى توحيد المؤسسات الاقتصادية والمالية، وفى مقدمتها المؤسسة الليبية للنفط والمصرف المركزى الليبي؛ وهو ما يعنى أن مفاوضات المسار الاقتصادى لم تتوصل إلى شيء يمكن قوله.
ميدانيًا تستمر ميليشيات السراج في خروقاتها للهدنة المعلنة، ويشرف ضباط المخابرات التركية على إعادة توزيع وتمركز المرتزقة السوريين إلى جانب صفوف الميليشيات والجماعات الإرهابية الليبية، فيما يستمر الجيش الوطنى الليبى في تنفيذ استراتيجيته باستدراج الميليشيات والمرتزقة السوريين وقتل العشرات منهم وتدمير الآليات والمدرعات العسكرية ليكسب المزيد من الأراضى داخل العاصمة طرابلس، ويعزز من تواجده في مناطق الوشكة والقرين وزمزم المتاخمة للحدود الشرقية لمصراتة.
وعلى صعيد متصل، أتى قرار القبائل الليبية، بإغلاق الموانئ والمنشآت النفطية ثماره؛ فقد أعلن المصرف المركزى الليبى أن عائدات النفط أصبحت «صفر» ما يعنى تجفيف منابع تمويل الإرهاب في طرابلس، وأن أردوغان سيضطر إلى الاعتماد بشكل كلى على المال القطرى لتمويل رواتب مرتزقته وضباطه.
من المتوقع أن تبدأ عملية عسكرية واسعة يشنها الجيش الوطنى الليبى لاستئناف عملية تحرير طرابلس ومصراتة في آن واحد، تمهيدًا للحل السياسي.
وليس من شك في انتصار الجيش الليبى بسبب ما اكتسبه جنوده وضباطه من خبرة قتالية كبيرة، أثناء عمليات الكرامة لتحرير مدن الشرق الليبي، كما أنه ليس من المنتظر أن يصمد مرتزقة أردوغان طويلًا؛ فقد سقط منهم حتى الآن ما يقرب من مائة قتيل في ضواحى طرابلس وعلى تخوم مصراتة، بينما يفضل آخرون اتخاذ طرابلس محطة للهجرة إلى أوروبا التى وصل إلى شواطئها فعليًا 64 مرتزقا، وفق بيانات المرصد السورى لحقوق الإنسان، وهناك العشرات الذين يستعدون لركوب قوارب الهجرة غير الشرعية.
غير أن انتصار الجيش الليبى الذى يتفق عليه أغلب المراقبين، يعنى فرار مئات المرتزقة والإرهابيين، ليلتحقوا بالجماعات الإرهابية المتواجدة في تونس أو النيجر أو تشاد، ليرفعوا من منسوب الخطر الإقليمى المتصاعد بفعل الدعم التركى والقطرى لتنظيمات إرهابية تمتد من القرن الأفريقي إلى دول الساحل والصحراء.
ومع انتشار مئات وربما آلاف العناصر الإرهابية في تلك الصحارى الشاسعة، سترتفع كلفة تأمين الحدود على الدول المجاورة لليبيا، حتى لدولة مثل مصر، رغم السيطرة الكاملة للجيش الوطنى الليبى على المنطقة الشرقية؛ فمن الصعب إحكام السيطرة على منطقة حدودية تمتد إلى أكثر من 1115 كم وسط صحراء غير مأهولة بالسكان.
كل تلك التحديات دفعت الدولة المصرية إلى التفكير في إستراتيجية مستقبلية ما بعد مرحلة تحرير كامل الأراضى الليبية من مرتزقة السراج -أردوغان؛ وهى الإستراتيجية التى عبر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمته أثناء انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي مطلع الأسبوع؛ فقد دعا إلى وضع مقاربة شاملة ليس فقط لحل الأزمة الليبية، وإنما أيضًا لمواجهة خطر الإرهاب في القارة السمراء على أن تشمل جميع النواحى العسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ودعا إلى إنشاء قوة عسكرية أفريقية لمكافحة الإرهاب، وأعلن استعداد القاهرة لاستضافة قمة لبحث هذا الشأن، وأنه على استعداد لترتيب وبحث أعمالها مع رئيس الاتحاد الأفريقي الجديد سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا، لكن الرئيس السيسي شدد على ضرورة مناقشة وبحث ودراسة تنظيم هذه القمة ومخرجاتها لوضع تصور محدد وواضح لتلك القوة.
مبادرة الرئيس تعكس إدراكًا مصريًا واضحًا لخطر الإرهاب على القارة السمراء، وضرورة اعتماد حكوماتها وشعوبها على قدراتها وإمكاناتها الذاتية في محاصرة ومحاربة هذا الخطر، وعدم الارتكان لأى جهود خارجية، خاصة أن الأزمة الليبية كانت انعكاسا واضحا لتشتت إرادة المجتمع الدولى إزاء قضية مكافحة الإرهاب وعدم جديته في محاربته؛ حيث انقسم بين أجندات ترى مصالحها في استمرار اشتعال الفوضى، فيما ترى دول أخرى أن مصالحها لا تتوافق مع انتشار الجماعات الإرهابية، إلا أن استمرار تمركز تلك الجماعات في مناطق مثل سوريا يعنى تهديدا آخر لها، ما جعلها غير قادرة على بناء إستراتيجية واضحة تجاه ما يجرى في منطقة الشرق الأوسط وجنوب البحر المتوسط.
الاعتماد على الإمكانات الذاتية ركيزة الإستراتيجية المصرية لمواجهة الإرهاب الدولى تمامًا، كما أنها ركيزة استراتيجيتها لبناء اقتصاد القارة، مع التعاون مع الدول الكبرى لكن بشرط تحقيق المصالح والمنافع المتبادلة والمشتركة.
والسؤال الآن ما مدى إمكانية تنفيذ المقترح المصرى بإنشاء قوة عسكرية أفريقية مشتركة لمجابهة الإرهاب؟!
اللواء أركان حرب كمال عامر مدير المخابرات الحربية الأسبق ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب المصرى، يؤكد أنه من المبكر الحديث عن تنفيذ المقترح على أرض الواقع، لا سيما وأنه يحتاج إلى العديد من الدراسات المتأنية الخاصة بقوام تلك القوة والدولة التى ستكون مسئولة عن قيادتها ومصادر تسليحها وتمويلها، وحتى إصلاح وصيانة معداتها العسكرية، علاوة على أماكن التدريب والتمركز وطبيعة عملياتها. 
وأضاف اللواء عامر، أن وجود هذه القوة من الأهمية بمكان، لمساعدة دول القارة السمراء في مواجهة هذا الخطر الداهم، لذلك يحتاج تنفيذها مشاورات ومباحثات متعمقة، مشيرًا إلى أن كل دولة على حدة ستدرس المقترح من كل جوانبه حتى إذا انعقدت قمة القاهرة للتباحث، يكون هناك إجابة عن العديد من التساؤلات حول المقترح، ولن تكون القمة الجولة الأخيرة؛ فالأمر سيتطلب مزيدًا من الوقت.
أما العقيد حاتم صابر الخبير في مكافحة الإرهاب الدولى، فيرى أن وجود مثل هذه القوة سيساعد في تفكيك الطوق الذى تحاول أطراف أجنبية فرضه على الدول العربية والشمال الأفريقي عبر نشر الجماعات الإرهابية، قائلًا: «هذا الطوق يتم وفق إستراتيجية واضحة المعالم؛ فقد تم تدشين هلال شيعى لتطويق دول الخليج العربى عبر السماح بامتداد النفوذ الإيرانى إلى العراق وسوريا ولبنان شمالًا واليمن جنوبًا، ويمتد هذا الطوق إلى منطقة القرن الأفريقي ودول الساحل والصحراء لحصار منطقة شمال أفريقيا العربية عبر جماعات إرهابية سنية مثل جيش أنصار محمد وبوكو حرام في الصومال ونيجيريا، علاوة على بعض التنظيمات المحسوبة على داعش والقاعدة والمتواجدة في مجموعة دول الساحل والصحراء (تشاد والنيجر ومالى والسودان وبوركينافاسو)».
وأشار الخبير في مكافحة الإرهاب الدولى إلى أن أصابع تركيا وقطر متواجدة في كل تلك المناطق، مؤكدًا أن نقل آلاف المرتزقة والعناصر الإرهابية يجرى بموافقة أوروبية جراء الضغط الأمريكى؛ حيث تتضمن تلك الجماعات الإرهابية عناصر أوروبية ترفض دولهم عودتهم؛ فأصبحت الصحراء الليبية المكان المناسب للتخلص من تلك الجماعات التى ستنتقل حتمًا جنوبًا إلى دول القارة الأفريقية ليتم تنفيذ مخطط فرض الطوق الإرهابى حول دول المنطقة العربية.
ويعتقد العقيد حاتم صابر أن مركز مكافحة الإرهاب في دول الساحل والصحراء الذى تأسس في مصر قبل ثلاث سنوات نواة جيدة لتدشين قوة عسكرية أفريقية مشتركة، في ظل ما لعبه من أدوار في مجال البحث والتدريب.
وتوقع الخبير الأمني أن تلعب فرنسا دورًا في إقناع بعض الدول الأفريقية بجدوى هذا المقترح، فقد ترى في هذه القوة ما يحقق بعض مصالحها، خاصة أنها كانت أكثر المنتقدين علنًا للرئيس التركى لنقله العناصر الإرهابية إلى ليبيا.
ليس أمام الاتحاد الأفريقي إن أراد إنجاح مبادرته لإسكات البنادق، سوى التفاعل مع الرؤية المصرية لمواجهة الإرهاب وتطويق داعميه ومموليه، والذى كان سببًا في اشتعال أغلب الصراعات المسلحة في دول القارة السمراء.