الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هكذا بنى محمد علي مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظلت مصر تحت الحكم العثمانى نحو ثلاثة قرون قبل أن يتولى أمرها محمد على باشا.. وكانت تلك الفترة من أسوأ الفترات في تاريخ مصر وأشدها ظلمًا وظلامًا.. فقد نهب العثمانيون خيرات مصر.. وأخذوا خيرة أبنائها من الصناع والفنيين المهرة في مختلف المجالات.. ليؤسسوا بهم عاصمة حكمهم.. وتركوا المماليك ولاة لهم عليها.. مقابل مبالغ مالية يسددونها لهم.. فكان الولاة يفرضون الضرائب الباهظة والإتاوات على المصريين.. وينهبون ممتلكاتهم وثرواتهم.. حتى كره المصريون حياتهم.. وهربوا إلى البرارى والمناطق النائية.. إلى أن تولى ذلك الجندى المقدونى حكم مصر.
كان تولى محمد على أمور البلاد.. نقطة تحول في تاريخ مصر الحديثة.. فبعد التخلف والجهل والفقر والمرض والسلب والنهب والفوضى.. تمكن ذلك الجندى الذى قدم مع الجيش العثماني.. لإخراج الحملة الفرنسية من مصر.. من الوصول إلى قلوب المصريين.. الذين لم يرتضوا بديلًا عنه ليتولى أمرهم.. وكان له ما أراد.. وتمكن من إزالة كل العقبات التى صادفها في طريقه.. وتفرغ لإنشاء إمبراطوريته.. التى ضمت مصر والسودان والشام وأجزاء من تركيا واليونان.. وأصبحت دولة محمد على ومركزها مصر.. قوة عظمى أرعبت القوى الاستعمارية في ذلك الوقت.. ورأت في هذا القادم من الشرق.. خطرًا أشد عليهم من نابليون بونابرت.. الذى تخلصوا منه قبل ذلك بنحو ربع قرن.. واتفقت إرادتهم على القضاء عليه وتحجيمه.. وتحالفوا عليه وحطموا أسطوله.. الذى سبق وأن قهر أساطيلهم وكان من أقوى الأساطيل في ذلك العصر.
عندما تولى محمد على حكم مصر.. كانت مصر غارقة في الفوضى والفتن في أعقاب خروج الفرنسيين من مصر.. وكان هناك ثلاث قوى تعيث في البلاد فسادًا.. هى قوات المماليك.. والقوات العثمانية التى بقيت في البلاد بعد جلاء الفرنسيين عن مصر.. وكانوا خليطًا من المرتزقة الأتراك والألبان والشراكسة.. ولا يكنون لمحمد على أى احترام أو تقدير ويعتبرونه جنديًا منهم.. وحاولوا كثيرًا التخلص منه.. بجانب العربان الذين يغيرون على المدن بين الحين والآخر.. وأدرك محمد على ببعد نظره.. أن الأمور لن تستقيم له إلا بالتخلص من هؤلاء الفوضويين.. وإنشاء جيش من أبناء البلد أنفسهم.. فتخلص من المماليك في مذبحة القلعة.. وتخلص من الأتراك والألبان والشراكسة.. بتصديرهم في مقدمات جيشه الذى أرسله للجزيرة العربية.. وفى فتح السودان.. حتى تقلصت أعدادهم وتم القضاء عليهم.. وتمكن من استمالة العربان وتحييدهم.. فاستقرت البلاد واتجه هو إلى بناء دولته العصرية في مصر.
ويمكن القول إن محمد على أسس دولته.. بتأسيس جيش وطنى قوي.. فقد أدرك أنه لكى يحقق أهدافه التوسعية ويقيم إمبراطوريته ويستقل بها عن التبعية للدولة العثمانية.. عليه أن يؤسس قوة عسكرية نظامية حديثة.. تكون ذراعه القوية.. فقام بتجنيد المصريين الذى قاوموا هذا التجنيد في بدايته.. لأنهم منذ سنوات طوال.. لم يمارسوا الأعمال العسكرية.. التى كانت قاصرة على قوات المماليك.. بالإضافة إلى ارتباطهم بالأرض.. ولكنهم سرعان ما ألفوا الحياة العسكرية واعتادوها.. وانخرطوا فيها.. وفتح محمد على المدارس العسكرية ومدارس الطب والهندسة وغيرها.. وأرسل البعثات التعليمية إلى الخارج.. واستقدم خبراء عسكريين أجانب لتدريبه.. وأنشأ الصناعات لخدمة هذا الجيش وتوفير احتياجاته.. فأنشأ مصانع للغزل والنسيج ومصنعًا للجوخ ومصنعًا للحبال اللازمة للسفن الحربية والتجارية ومصنعًا للأقمشة الحريرية وآخر للصوف ومصنعًا لنسيج الكتان ومصنعًا للطرابيش ومعملًا لسبك الحديد ومصنعًا لألواح النحاس التى كانت تبطن بها السفن.. ومعامل لإنتاج السكر.. ومصانع للأصباغ والصابون ودباغة الجلود ومصنعًا للزجاج والصينى ومصنعًا للشمع ومعاصر للزيوت.. وأقام الترسانة البحرية لبناء أسطوله الحربي.. وإنشاء السفن التجارية.. التى كان لها دور كبير في ازدهار التجارة الخارجية.. واهتم بالزراعة لتصدير المنتجات الزراعية للخارج.. حتى يعتمد على نفسه.. بدلا من الاقتراض والاحتياج لمنافسيه.. ومن أجل خدمة مشاريعه الزراعية والتنموية.. اهتم باكتشاف منابع النيل وشق الترع وأقام القناطر والسدود والخزانات.. لينظم الري.. ويروض النيل لأول مرة.. فأصبحت المياه موجودة طوال العام.. بعد أن كانت عبارة عن مواسم فيضان ومواسم جفاف. 
ومن خلال ذلك نجد أن محمد على أقدم على بناء مصر صناعيًا وزراعيًا واقتصاديًا وتعليميًا وإداريًا.. لخدمة جيشه الوطنى الذى أسسه من أبناء البلد.. الذين يعرفون قيمة تراب الوطن.. ويضحون من أجله بدمائهم وأرواحهم.. ولو ظل الحال كما كان عليه قبل تأسيس الجيش المصري.. لبقيت مصر في غياهب التخلف والفقر والمرض والفوضى والسلب والنهب التى كانت تمارسها القوى المسلحة الغريبة عن البلد من مماليك وألبان وأتراك وشراكسة وغيرهم.. حفظ الله مصر وجيشها الوطني.. وجعله درعًا وحصنًا لنا في وجه أعدائنا.